ما هو الوقف ، و ما هو ثوابه ؟

تعريف الوقف :
الوقف كما عَرَّفه العلماء هو : تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة 1 ، أو تحبيس العين ، و تسبيل المنفعة ، فمعنى ذلك هو أن المشروع الوقفي مشروع يتسم بالاستمرارية و الحيوية و العطاء الدائم في الغالب ، و هو مشروع خيري أراد المشرِّع قبل صاحبه ( الواقف ) لهذا المشروع الاستمرارية و عدم الانقطاع ، الأمر الذي تؤكده الأحاديث الشريفة بصورة صريحة ، حيث تقول بأن الوقف أحد أبرز مصاديق الصدقة الجارية و المستمرة التي لا ينقطع عطاؤها بموت الواقف ( صاحب المشروع ) بل يبقى هذا العطاء متدفقاً إلى أمد غير محدد ، و هذا الأمر هو من أهم مميزات الوقف بالنسبة إلى غيره من المشاريع الخيرية و المستحبات .
فقد رُوِيَ عن النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) أنَّهُ قال : " إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ ، صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " 2 .
و لما بُشِّرَ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بِعَيْنٍ نَبَعَتْ فِي مَالِهِ جَعَلَهَا صَدَقَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهَا 3 .
و نظراً لمميزات المشروع الوقفي نجد أن سُنة الوقف لقيت إقبالاً كبيراً من قِبَل المسلمين الأوائل حتى أصبحت سنة مترسخة في ثقافتهم و معمولة بها بين أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله ) في عصر الرسالة إثر تحريض النبي ( صلى الله عليه و آله ) لهم للعمل بهذه السُنة المباركة ، فقد رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ ذُو مَقْدُرَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَقْفاً 4 .
تسائل جدير بالتأمل :
بعدما اتضح أن الوقف كان منذ العصر الإسلامي الأول سُنة معمول بها ، ثم تتابع العمل بهذه السنة الحسنة من قِبَل المسلمين بعد ذلك و حتى عصرنا الحاضر ، فبناءً على هذا فإن المتوقع هو أن تكون الأعيان و المشاريع الوقفية بعد مضي قرون على عصر الرسالة أكثر بكثير جداً مما هو بأيدينا في الحال الحاضر ، فما هو مصير تلك الموقوفات ، و لماذا لم تصل إلينا ؟
من الواضح أن كثيراً من الموقوفات يؤول أمرها بعد مرور عدة أعوام إلى الخراب أو التعدي عليها و ضمها إلى الأملاك الشخصية أو إلى أموال الدولة ، أو غيرها من أنواع التجاوزات .
و مهما كانت الأسباب و العلل ، و مهما تغايرت التحليلات و النظريات فإن النتيجة واحدة ، فقد أصابها ما أصابها و لم يبق من أكثرها أثراً يذكر ، و ما بقي منها قد لا ينتفع من أكثره بالشكل الذي يتطابق مع أهداف الواقف ، و لقد شاهدت بنفسي حسينية كبيرة جداً تُسمى كربلاء في العاصمة الهندية نيو دلهي تتجاوز مساحتها عشرة آلاف هكتاراً في أحد أرقى المناطق من حيث سعر الأراضي و هي في منطقة تحيط بها السفارات الأجنبية و قد نالها من الخراب و التعدي بحيث لم يبق من هذا المشروع العظيم إلا ثلثه ، و الثلث المتبقى أيضاً معطل .
إن ما علينا اليوم ـ إن أردنا أن نفعل شيئاً ـ أن نستفيد من هذه التجربة المُرة و التي كلفت الأمة الإسلامية ثمناً باهظاً جداً ، و علينا أن لا نترك الأمور تجري بما ليس فيها مصلحة .
نعم إذا أردنا أن نضع حداً للثروات العظيمة التي تذهب هدراً ، علينا أن نضع خطة عمل يتولد منها برنامج مدروس يتولى كشف المخاطر التي تهدد إستمرارية المشروع الوقفي ، و من ثم وضع الحلول الناجعة و الكفيلة بحماية المؤسسة الوقفية من تلك المخاطر .
هذا مضافاً إلى لزوم النهوض بالمؤسسة الوقفية إلى مستواها العصري اللائق بها ، و ذلك من خلال ترشيدها و إرشاد الواقفين و القائمين على المشاريع الوفقية من جانب ، و نشر ثقافة الوقف بما يلائم متطلبات العصر الحاضر من جانب آخر .

  • 1. مجمع البحرين : 5 / 129 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
  • 2. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 2 / 22 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
  • 3. بحار الأنوار : 34 / 335 .
  • 4. مستدرك وسائل الشيعة : 14 / 47 ، للشيخ المحدث النوري ، المولود سنة : 1254 هجرية ، و المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1408 هجرية ، قم / إيران .