الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سكرات الموت للانبياء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و أصحابه المنتجبين و بعد :

<--break->

فإن الإنسان في هذا العالم غير مستقر و وجوده فيه مؤقت و سوف ينتقل منه إلى عالم أفضل و أحسن و هو عالم الملكوت .. عالم الآخرة . و قبل ذلك يمر الإنسان عند خروج روحه بسكرات الموت و لا ينجو منها إلا القليل من الناس .
يبدو أن سكرات الموت لا تكون للأنبياء و الأئمة عليهم أفضل الصلاة و السلام بل يهون عليهم و تخرج أرواحهم بألطف و أسهل ما يكون ، بل ربما يتراء من بعض الأخبار أن هذه الحالة تكون لكثير من المؤمنين أيضاً كما شرح الأئمة لنا حال الموت للمؤمن و للكافر و المنافق في أحاديث متعددة .
فبمقدار ما يتعلق الإنسان بالدنيا و زبرجها و العقائد الفاسدة يكون عليه ثقل في سكرات الموت ، و كل ما كان له الارتباط الوثيق بالآخرة و الابتعاد عن الدنيا و يحمل العقائد الحقة خفت عليه سكرات الموت أو عدمت هذا بالنسبة إلى المؤمنين فكيف بالأنبياء و الأئمة عليهم السلام الذين هم أولياء الله و أحباؤه و قد وردت بذلك الروايات المتعددة .

سكرات الموت للمؤمن و للكافر

فعن أبي محمد العسكري عن آبائه ( عليه السلام ) قال : ( قيل للصادق ( عليه السلام ) صف لنا الموت قال عليه السلام :
للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه و ينقطع التعب و الألم كله عنه .
و للكافر كلسع الأفاعي و لدغ العقارب أو أشد .
قيل : فإن قوما يقولون إنه أشد من نشر بالمناشير و قرض بالمقاريض و رضخ بالأحجار و تدوير قطب الأرحية على الأحداق !
قال : كذلك هو على بعض الكافرين و الفاجرين ، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذلكم الذي هو أشد من هذا لا من عذاب الآخرة فإنه أشد من عذاب الدنيا .
قيل : فما بالنا نرى كافرا يسهل عليه النزع فينطفئ و هو يحدث و يضحك و يتكلم و في المؤمنين أيضا من يكون كذلك و في المؤمنين و الكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد ؟
فقال : ما كان من راحة للمؤمنين هناك فهو عاجل ثوابه ، و ما كان من شديدة فتمحيصه من ذنوبه ليرد الآخرة نقيا نظيفا مستحقا لثواب الأبد لا مانع له دونه .
و ما كان من سهولة هناك على الكافر فليوفى أجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة و ليس له إلا ما يوجب عليه العذاب ، و ما كان من شدة على الكافر هناك فهو ابتداء عذاب الله له بعد نفاد حسناته ذلكم بأن الله عدل لا يجور ) 1 .

الموت كنزع الثياب الوسخة أو الفاخرة

و قال محمد بن علي عليه السلام : ( قيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما الموت ؟
قال : للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة و فك قيود و أغلال ثقيلة و الاستبدال بأفخر الثياب و أطيبها روائح و أوطأ المراكب و آنس المنازل .
و للكافر كخلع ثياب فاخرة و النقل عن منازل أنيسة و الاستبدال بأوسخ الثياب و أخشنها و أوحش المنازل و أعظم العذاب ) 2 .

الموت كالنوم

و قيل لمحمد بن علي عليه السلام ما الموت ؟
قال : ( هو النوم الذي يأتيكم كل ليلة إلا أنه طويل مدته لا ينتبه منه إلا يوم القيامة فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره و من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره فكيف حال فرح في النوم و وجل فيه هذا هو الموت فاستعدوا له ) 2 .

الموت تصفية للمؤمن و للكافر

و عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال : ( دخل موسى بن جعفر عليه السلام على رجل قد غرق في سكرات الموت و هو لا يجيب داعيا فقالوا له يا ابن رسول الله وددنا لو عرفنا كيف الموت و كيف حال صاحبنا ؟
فقال : الموت هو المصفاة تصفي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفارة آخر وزر بقي عليهم ، و تصفي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذة أو راحة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم .
و أما صاحبكم هذا فقد نخل من الذنوب نخلا و صفي من الآثام تصفية و خلص حتى نقي كما ينقى الثوب من الوسخ و صلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد ) 2 .

عزة المؤمن عند الموت

سئل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : كيف يتوفى ملك الموت المؤمن ؟
فقال : ( إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو و أصحابه لا يدنو منه حتى يبدأ بالتسليم و يبشره بالجنة ) 3 .
فإذا كان هذا حال المؤمن في سكرات الموت و عند الموت و ربما تكفر ذنوبه عند خروج روحه فكيف بالأنبياء و الأئمة عليهم السلام ؟
الأنبياء و الأئمة عليهم السلام ليس عليهم ذنوب فلا شك أن الموت عليهم أسهل من غيرهم خصوصاً و أنهم مشتاقون إليه و يروا منازلهم في الجنة قبل خروجهم من الدنيا حيث أنهم عمروا الآخرة و ارتبطوا بها و زهدوا في الدنيا ولم يلتفتوا إليها و عرفوا حقيقة الدنيا و الآخرة .

حال المؤمن و الكافر عند الموت

و إليك هذه الرواية اللطيفة التي تقر بها عيون المؤمنين و الموالين و العاملين و المطيعين .
فقد جاء عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) يَقُولُ :
( مِنْكُمْ وَ اللَّهِ يُقْبَلُ وَ لَكُمْ وَ اللَّهِ يُغْفَرُ إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَ بَيْنَ أَنْ يَغْتَبِطَ وَ يَرَى السُّرُورَ وَ قُرَّةَ الْعَيْنِ إِلَّا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ هَاهُنَا وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ .
ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ وَ احْتُضِرَ حَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) وَ جَبْرَئِيلُ وَ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام فَيَدْنُو مِنْهُ عَلِيٌّ عليه السلام فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا كَانَ يُحِبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَأَحِبَّهُ .
وَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَا جَبْرَئِيلُ إِنَّ هَذَا كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَأَحِبَّهُ .
وَ يَقُولُ جَبْرَئِيلُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ إِنَّ هَذَا كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَأَحِبَّهُ وَ ارْفُقْ بِهِ فَيَدْنُو مِنْهُ مَلَكُ الْمَوْتِ .
فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَخَذْتَ فَكَاكَ رَقَبَتِكَ أَخَذْتَ أَمَانَ بَرَاءَتِكَ تَمَسَّكْتَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَالَ فَيُوَفِّقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ وَ مَا ذَلِكَ فَيَقُولُ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام .
فَيَقُولُ صَدَقْتَ أَمَّا الَّذِي كُنْتَ تَحْذَرُهُ فَقَدْ آمَنَكَ اللَّهُ مِنْهُ وَ أَمَّا الَّذِي كُنْتَ تَرْجُوهُ فَقَدْ أَدْرَكْتَهُ أَبْشِرْ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ مُرَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام ثُمَّ يَسُلُّ نَفْسَهُ سَلًّا رَفِيقاً ثُمَّ يَنْزِلُ بِكَفَنِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَ حَنُوطِهِ مِنَ الْجَنَّةِ بِمِسْكٍ أَذْفَرَ فَيُكَفَّنُ بِذَلِكَ الْكَفَنِ وَ يُحَنَّطُ بِذَلِكَ الْحَنُوطِ ثُمَّ يُكْسَى حُلَّةً صَفْرَاءَ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ رَوْحِهَا وَ رَيْحَانِهَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ عَنْ أَمَامِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ عَلَى فِرَاشِهَا أَبْشِرْ بِرَوْحٍ وَ رَيْحَانٍ وَ جَنَّةِ نَعِيمٍ وَ رَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ
ثُمَّ يَزُورُ آلَ مُحَمَّدٍ فِي جِنَانِ رَضْوَى فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَ يَشْرَبُ مِنْ شَرَابِهِمْ وَ يَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِذَا قَامَ قَائِمُنَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ فَأَقْبَلُوا مَعَهُ يُلَبُّونَ زُمَراً زُمَراً فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ وَ يَضْمَحِلُّ الْمُحِلُّونَ وَ قَلِيلٌ مَا يَكُونُونَ هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ وَ نَجَا الْمُقَرَّبُون .
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِعَلِيٍّ عليه السلام أَنْتَ أَخِي وَ مِيعَادُ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ وَادِي السَّلَامِ .
قَالَ : وَ إِذَا احْتُضِرَ الْكَافِرُ حَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ عَلِيٌّ عليه السلام وَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام وَ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام فَيَدْنُو مِنْهُ عَلِيٌّ عليه السلام فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا كَانَ يُبْغِضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَأَبْغِضْهُ .
وَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَا جَبْرَئِيلُ إِنَّ هَذَا كَانَ يُبْغِضُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَأَبْغِضْهُ فَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ إِنَّ هَذَا كَانَ يُبْغِضُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَأَبْغِضْهُ وَ اعْنُفْ عَلَيْهِ .
فَيَدْنُو مِنْهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَخَذْتَ فَكَاكَ رِهَانِكَ ؟ أَخَذْتَ أَمَانَ بَرَاءَتِكَ ؟ تَمَسَّكْتَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؟
فَيَقُولُ : لَا .
فَيَقُولُ : أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ بِسَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَذَابِهِ وَ النَّارِ ، أَمَّا الَّذِي كُنْتَ تَحْذَرُهُ فَقَدْ نَزَلَ بِكَ . ثُمَّ يَسُلُّ نَفْسَهُ سَلًّا عَنِيفاً ثُمَّ يُوَكِّلُ بِرُوحِهِ ثَلَاثَمِائَةِ شَيْطَانٍ كُلُّهُمْ يَبْزُقُ فِي وَجْهِهِ وَ يَتَأَذَّى بِرُوحِهِ فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ قَيْحِهَا وَ لَهَبِهَا ) 4 .
فهذه الرواية تدل على عدة أمور :

  1. أن المؤمن يرى منزلته في الآخرة قبل خروج روحه .
  2. أن النبي صلى الله عليه و آله و علي عليه السلام و جبرئيل يحضرون المتوفى .
  3. إن كان من الموالين لأهل البيت فيخفف عنه سكرات الموت و إن كان من المعادين يشدد عليه .
  4. ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام مما تنجي من الشدائد و الأهوال .
  5. ثم يكون قبره روضة من رياض الجنة و ينام نومة العروس .
  6. أن يزور في يوم القيامة محمدا و أهل بيته الطيبين الطاهرين .
  7. و الكافر عكس ما تقدم تماماً .

منشأ سكرات الموت و عدمها

قال الإمام الخميني ( قدس سره ) : ( فتبين أن الإنسان لدى سكرات الموت و الاحتضار يشاهد صور أعماله و آثارها ، و يسمع من ملك الموت بشارة الجنة أو الوعيد بالنار ، و كما أن هذه الأمور تنكشف عليه قليلاً ، كذلك تنكشف عليه الآثار التي تركتها أعماله و أفعاله في قلبه ، من النوارنية و شرح الصدر و رحابته أو أضدادها أيضاً من الظلام و الكدورة و الضغط و الضيق في الصدر ، فإن كان من أهل الإيمان و السعادة يستعد قلبه عند معاينة البرزخ لمشاهدة النفحات اللطيفة و الجمال ، و تظهر فيه آثار التجليات اللطف و الجمال فيأخذ القلب في الحب للقاء الله ، و تشتعل في قلبه ، جذوة الاشتياق إلى جمال المحبوب إن كان من أهل الحسنى و حب الله و الجاذبة الربوبية ، و لا يعرف أحد إلا الله ، مقدار اللذات و الكرامات الموجودة في هذا التجلي و الاشتياق ! .
و إن كان من أهل الإيمان و العمل الصالح ، أغدقت عليه كرامات الحق المتعالي بقدر إيمانه و أعماله و يراها لدى الاحتضار ، فيتوق إلى الموت و لقاء كرامات الحق و يرتحل من هذا العالم مع البهجة و السرور و الروح و الريحان ، و لا تطيق الأعين المُلكية و الذائقة المادية ، رؤية هذه الكرامات و مشاهدة هذه البهجة و الفرح .
و إن كان من أهل الشقاء و الجحود و الكفر و النفاق و الأعمال القبيحة و الأفعال السيئة ، انكشف عليه بقدر نصيبه من دار الدنيا و ما وفره و اكتسب لنفسه منها ، من آثار السخط الإلهي و القهر ، و نموذجاً من دار الأشقياء ، فيدخل الذعر و الهلع في نفسه بدرجة لا يكون عنده شيء أبغض من التجليات الجلالية و القاهرة للحق المتعالي و يستولي عليه من جراء هذا البغض و العداوة الشديدين ، الضغوط و الصعاب و العذاب ، لا يعرف حجمهما أحد إلا الذات الحق المقدس ، و هذه المحن تكون لمن كان من الجاحدين و المنافقين و من أعداء الله و أعداء أوليائه في هذه الدنيا .
و ينكشف على أهل المعاصي و الكبائر ، بقدر اجتراحهم للسيئات ، نموذجاً من جهنمهم ، فلا يكون شيء عندهم أبغض من الرحيل من هذا العالم ، فيرحلوا بكل عنف و قسوة و عذاب ، و في نفوسهم حسرات لم تتحقق في هذه الأحوال ......
إن الإنسان لا يرى في العوالم الأخرى من العذاب و العقاب ، إلا ما وفره و هيأه في هذه الدنيا ، و لا يشاهد في العالم الآخر إلا صورة ما أنجزه في هذا العالم من الأعمال الصالحة و الخلق الحسن ، و العقائد الصحيحة ، مع رؤيته لما يتفضل عليه الحق المتعالي بلطفه من الكرامات الأخرى ) 5 .

ما يهون سكرات الموت

1- كسوة المؤمنين

عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : ( مَنْ كَسَا أَخَاهُ كِسْوَةَ شِتَاءٍ أَوْ صَيْفٍ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَكْسُوَهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ وَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ وَ أَنْ يَلْقَى الْمَلَائِكَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ بِالْبُشْرَى وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ﴿ ... وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ 6 7.

2 ـ صيام شهر رمضان

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : ( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ احْتِسَاباً إِلَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُ سَبْعَ خِصَالٍ :
أَوَّلُهَا : يَذُوبُ الْحَرَامُ فِي جَسَدِهِ .
وَ الثَّانِيَةُ : يَقْرُبُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ .
وَ الثَّالِثَةُ : يَكُونُ قَدْ كَفَّرَ خَطِيئَةَ آدَمَ أَبِيهِ عليه السلام .
وَ الرَّابِعَةُ : يُهَوِّنُ اللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ .
وَ الْخَامِسَةُ : أَمَانٌ مِنَ الْجُوعِ ، وَ الْعَطَشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَ السَّادِسَةُ : يُعْطِيهِ اللَّهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ .
وَ السَّابِعَةُ : يُطْعِمُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ طَيِّبَاتِ الْجَنَّةِ . قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ 8.

3 ـ صلاة ليلة 14 من شهر رمضان

و جاء في ضمن حديث :.... وَ مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْحَمْدَ مَرَّةً وَ إِذَا زُلْزِلَتْ ثَلَاثِينَ مَرَّةً هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَ مُنْكَراً وَ نَكِيراً ) 9 .

4 ـ صيام آخر يوم من شهر رجب

عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فِي رَجَبٍ وَ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ أَيَّامٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ، قَالَ لِي : ( يَا سَالِمُ هَلْ صُمْتَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شَيْئاً . قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ .
فَقَالَ لِي : لَقَدْ فَاتَتْكَ مِنَ الثَّوَابِ مَا لَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ هَذَا شَهْرٌ قَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ وَ عَظَّمَ حُرْمَتَهُ وَ أَوْجَبَ لِلصَّائِمِ فِيهِ كَرَامَتَهُ .
قَالَ : فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ صُمْتُ مِمَّا بَقِيَ شَيْئاً هَلْ أَنَالُ فَوْزاً بِبَعْضِ ثَوَابِ الصَّائِمِينَ فِيهِ فَقَالَ : يَا سَالِمُ مَنْ صَامَ يَوْماً مِنْ آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ أَمَاناً لَهُ مِنْ شِدَّةِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَ أَمَاناً لَهُ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ وَ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَ مَنْ صَامَ يَوْمَيْنِ مِنْ آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ جَوَازٌ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَ مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ أَمِنَ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ مِنْ أَهْوَالِهِ وَ شَدَائِدِهِ وَ أُعْطِيَ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ ) 10 .

5 ـ صيام 24 من شهر رجب

و جاء في رواية ( وَ مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً هُوِّنَ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَ يَرِدُ حَوْضَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله ) 11 .
و عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : ( من صام من رجب أربعة و عشرين يوما فإذا نزل به ملك الموت تراءى له في صورة شاب عليه حلة من ديباج أخضر على فرس من أفراس الجنان و بيده حرير أخضر ممسك بالمسك الأذفر و بيده قدح من ذهب مملوء من شراب الجنان فسقاه إياه عند خروج نفسه يهون عليه سكرات الموت ثم يأخذ روحه في تلك الحرير فيفوح منها رائحة يستنشقها أهل سبع سماوات فيظل في قبره ريان حتى يرد حوض النبي صلى الله عليه وآله ) 12 .

6 ـ قراءة سورة التوحيد

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : ( كُنْتُ أَخْشَى الْعَذَابَ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ حَتَّى جَاءَنِي بَسُورَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أُمَّتِي بَعْدَ نُزُولِهَا فَإِنَّهَا نِسْبَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَنْ تَعَاهَدَ قِرَاءَتَهَا بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ تَنَاثَرَ الْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مَفْرَقِ رَأْسِهِ وَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ لَهَا دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ حَتَّى يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى قَارِئِهَا فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ مَغْفِرَةً لَا يُعَذِّبُهُ بَعْدَهَا ثُمَّ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَ يَجْعَلُهُ فِي كِلَائِهِ وَ لَهُ مِنْ يَوْمِ يَقْرَأُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ يُصِيبُ الْفَوْزَ وَ الْمَنْزِلَةَ وَ الرِّفْعَةَ وَ يُوَسَّعُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ وَ يُمَدُّ لَهُ فِي الْعُمُرِ وَ يُكْفَى مِنْ أُمُورِهِ كُلِّهَا وَ لَا يَذُوقُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَ يَنْجُو مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَ لَا يَخَافُ أُمُورَهُ إِذَا خَافَ الْعِبَادُ وَ لَا يَفْزَعُ إِذَا فَزِعُوا ) 13 .

7 ـ قراءة سورة ياسين

الشَّيْخُ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : مَنْ قَرَأَ سُورَةَ يس يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ كَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً وَ أَيُّمَا مَرِيضٍ قُرِئَتْ عِنْدَهُ سُورَةُ يس نَزَلَ عَلَيْهِ بِعَدَدِ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا عَشَرَةُ أَمْلَاكٍ يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفاً وَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَ يَشْهَدُونَ قَبْضَهُ وَ يَتَّبِعُونَ جَنَازَتَهُ وَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَ يَشْهَدُونَ دَفْنَهُ وَ أَيُّمَا مَرِيضٍ قَرَأَهَا وَ هُوَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ جَاءَهُ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ بِشَرْبَةٍ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَسَقَاهُ إِيَّاهَا وَ هُوَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَشْرَبُ فَيَمُوتُ رَيَّانَ وَ يُبْعَثُ رَيَّانَ وَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَوْضٍ مِنْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَ هُوَ رَيَّانُ 14 .

8 ـ قراءة آية الكرسي

وَ رَوَى سَلْمَانُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله : ( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ يُهَوِّنُ اللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَ مَا مَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ بِآيَةِ الْكُرْسِيِّ إِلَّا صَعِقُوا وَ مَا مَرُّوا بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إِلَّا خَرُّوا سُجَّداً وَ مَا مَرُّوا بِآخِرِ الْحَشْرِ إِلَّا جَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ ) 15 .

9 ـ قراءة سورة يوسف

الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه و آله ) قَالَ : ( عَلِّمُوا أَرِقَّاءَكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ فَإِنَّهُ أَيُّمَا مُسْلِمٍ تَلَاهَا وَ عَلَّمَهَا أَهْلَهُ وَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ هَوَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَ أَعْطَاهُ الْقُوَّةَ أَنْ لَا يَحْسُدَ مُسْلِماً ) 16 .

10 ـ صلة الرحم

قال موسى ( عليه السلام ) في مناجاته : ( إلهي فما جزاء من وصل رحمه . قال : يا موسى أنسي له أجله و أهون عليه سكرات الموت و يناديه خزنة الجنة هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت ) 17 .

11 ـ حب علي بن أبي طالب عليه السلام

فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ( ألا و من أحب عليا يهون الله عليه سكرات الموت و جعل قبره روضة من رياض الجنة ) 18 .
و غيرها من موارد كثيرة تهون سكرات الموت و تسهل عليه خروج روحه .
و هذا لا يتنافى مع ما يفعله أهل البيت و الأنبياء و الأئمة عليهم السلام من دعائهم في طلب المغفرة و النجاة من عذاب القبر و سكرات الموت كما ورد في الخبر عَنْ مُعَتِّبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :
( اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى الْمَوْتِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمِّ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ضِيقِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى وَحْشَةِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي طُولِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ) 19 .
فإن هذا من عظيم أدبهم مع الله سبحانه و الذي كانوا يدعونه في كل صغيرة و كبيرة .

  • 1. بحارالأنوار ج : 6 ص : 152 .
  • 2. a. b. c. بحار الأنوار ج : 6 ص : 155 .
  • 3. بحار الأنوار ج : 6 ص : 167عن من لا يحضره الفقيه .
  • 4. الكافي ج : 3 ص : 131 .
  • 5. الأربعون حديثاً ص 492 ـ 493 .
  • 6. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 103، الصفحة: 331.
  • 7. الكافي ج : 2 ص : 204 .
  • 8. من‏ لا يحضره ‏الفقيه ج : 2 ص : 74 .
  • 9. وسائل ‏الشيعة ج : 8 ص : 39 .
  • 10. وسائل‏ الشيعة ج : 10 ص : 475ح13886 .
  • 11. وسائل‏الشيعة ج : 10 ص : 477 .
  • 12. بحار الأنوار ج : 6 ص : 167عن الأمالي للصدوق .
  • 13. مستدرك ‏الوسائل ج : 4 ص : 281 .
  • 14. مستدرك ‏الوسائل ج : 4 ص : 322ح 4787 .
  • 15. مستدرك‏ الوسائل ج : 4 ص : 335ح 4822 .
  • 16. مستدرك ‏الوسائل ج : 4 ص : 342ح 4845 .
  • 17. بحار الأنوار ج : 13 ص : 327 .
  • 18. بحار الأنوار ج : 27 ص : 114 .
  • 19. تهذيب ‏الأحكام ج : 3 ص : 93 .