الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مع زلزال سومطرة: سؤال عن الرحمة والعدل الالهيين (2-4)

قلنا في الحلقة الأولى إن في الكون أسرارا قد نكتشفها وقد لا نكتشفها، وقد ندرك وجه الحكمة في الحوادث النازلة وغيرها وقد لا ندركه. هذه حقيقة أكد عليها القرآن الكريم حين بيّن أن الإنسان قد يجهل ما يتعلق بشأنه الخاص، فلا يدري من أقرب له نفعا، وقد يكره زوجته التي فيها الخير الكثير له.

﴿ ... آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ... 1
﴿ ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا 2

وهناك حقيقة أخرى ينبغي أن تكون حاضرة أمامنا أثناء محاولة إيجاد تحليل وتعليل لهذه الظواهر المأساوية التي تحدث في الكون بين حين وآخر. فالكون أو كتاب التكوين مثله مثل القرآن أو كتاب التدوين يحتوي محكمات ومتشابهات، فحين نكون أمام آية كونية متشابهة يجب علينا أن نردها إلى محكمات الكتاب.

إن جميع علماء الطبيعة والفلك يجمعون على أن الكون في أبدع صورة، ويوجد بين أجزائه من التناسق والانسجام والترابط ما يجعل الحياة ممكنة ومستمرة، وأن كل شيء محسوب بدقة.
﴿ ... صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ... 3
هذه الآية المحكمة وأمثالها تعتبر الأساس لمحاولة فهم الظواهر الكونية المتشابهة.
بعد استيعاب هذه الحقائق، نرى من الضروري أيضا التطرق إلى أن البلاء الذي ينزل بالإنسان قد يكون بسببه وقد لا يكون بسببه. فالإنسان الذي يصاب بالأيدز مثلا لأنه مارس الزنا يختلف عن الطفل الذي أصيب بالأيدز وهو في بطن أمه. كلاهما جرى عليهما قانون طبيعي، ولكن البلاء غير البلاء. يقول أمير المؤمنين  (إن البلاء للظالم أدب ، وللمؤمنين امتحان ، وللأنبياء درجة ، و للأولياء كرامة)
لقد تحدث القرآن الكريم عن العديد من الأقوام الذين خالفوا سنن الله فحل بساحتهم البلاء:
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ 4
وفي نفس الوقت تحدث عن سنة الابتلاء التمحيصية:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ 5

ومن المؤسف أن كثيرا من الناس ينظرون للظواهر الكونية المخيفة من زاوية السلب فقط، بينما يؤكد العلماء أن هذه الظواهر لا تخلو من إيجابيات فهي ليست شرا مطلقا، وهذا ما سنتعرض له فيما سيأتي إن شاء الله6.