الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الطيبون للطيبات

نص الشبهة: 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أولاً: ما هو معنى: ﴿ ... وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ... وكيف التوفيق بينها وبين زواج النبي صلى الله عليه وآله، أو الإمام عليه السلام، من نساء غير طيبات؟ وإذا ذكرتم وجود مصلحة فنرجو منكم تبيانها ..

ثانياً: ما هو الهدف والسبب من زواج النبي صلى الله عليه وآله، من عائشة وحفصة؟ مع أن والداهما لم يكونا من ذوي القيمة الاجتماعية كما تدّعون؟ وكذلك موضوع زواج الإمام الحسن عليه السلام من جعدة؟

والسلام عليكم.

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن الآيات التي ورد فيها قوله تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ 1 هي الآيات التي نزلت في قضية الإفك على مارية..
وقوله تعالى هذا، يقرر قاعدة عامة مفادها: أن من كان معلناً للإيمان فهو طيب، ولا مجال لرميه بالفاحشة، لأنه محكوم شرعاً بالطهارة والبراءة عما يرمى به، ما لم تقم بينة تثبت خلاف ذلك..
فإذا انضم إلى ذلك كونه محصناً، فإن براءته تصبح آكد وأظهر.. فإن الإيمان يحجز عن الزنى، والإحصان يعين على الامتناع عنه..
وأما أهل الكفر، فإن تلبسهم بالكفر يمثل حالة خباثة مستقذَرَة فيهم، وهم ليسوا بمبرَّئين شرعاً من التلبس بالفاحشة، فلو اتهم الكافر بشيء من ذلك، فإن الشارع لا يحكم له بالبراءة منها، بحيث يجلد من يتهمه إذا لم يأت ببينة تثبت صحة ما يدّعيه..
ولكن ذلك لا يعني أن الشارع يحكم بصحة التهمة في حقه واقعاً، فقد تكون تهمة كاذبة..
هذا.. وقد حكم الله تعالى في هذه الآيات المباركة بأن الحالة الطبيعية هي أن يتزوج المؤمن بالمؤمنة الطاهرة من الزنى، المبرَّأة من عند الله تعالى، إلا إذا قامت البينة على خلاف ذلك..
وبأن من الطبيعي أيضاً، أن يتزوج الكافر بالكافرة..
وإن أي ارتباط يتم خارج هذا السياق الطبيعي، فلا بد أن تكون هناك ظروف طارئة قد فرضته. كما كان الحال بالنسبة لزوجتي النبي نوح، والنبي لوط عليهما السلام من جهة، وبالنسبة لآسية زوجة فرعون من جهة أخرى..
ولأجل ذلك نقول: إن زوجتي نوح ولوط، وإن كانتا كافرتين، لكن كفرهما لا يعني، أنهما ترتكبان فاحشة فعلاً، بل هما بريئتان من ذلك، لقيام الدليل على أن زوجات الأنبياء لا ترتكب الفاحشة، ولكنها ترتكب الكفر، وتكيد للأنبياء، بهدف إسقاط دعوتهم..
والخلاصة هي: أن زواج المؤمن بغير المؤمنة قد يكون خاضعاً لظروف قاهرة، أو لمصالح ظاهرة، لعل منها امتحان ذلك النبي العظيم إظهاراً لمقامه، وإعلاءً لشأنه..
وقد يكون من ذلك أيضاً التأكيد على أن أهل الدين لا يبطنون خلاف ما يظهرون، وأن سرهم كعلانيتهم، ولتبطل من خلال ذلك، عن طريق المعاينة والحضور الدائم، كل الافتراءات على أولئك الأنبياء، وليلمس أهل الكفر بأنفسهم براءتهم صلوات الله عليهم مما يرمونهم به وما يفترونه عليهم.. وأن ليس هناك أساطير للأولين قد اكتتبها النبي صلى الله عليه وآله، وليس ثمة من بشر يعلِّمه، وما إلى ذلك..
ويؤيد ما قلناه، بل يدل عليه ما روي عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، في شأن هذه الآية فقد روي عنهما أنهما قالا:
«هي مثل قوله: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ... 2 إلا أن أناساً هموا أن يتزوجوا منهن، فنهاهم الله عن ذلك، وكره ذلك لهم» 3.
حيث دلت الآية التي أشار إليها الإمامان عليهما السلام، على أن هذا القرار الإلهي إنما هو بيان لما يريد الله تعالى أن يكون عليه الأمر في الحالات الطبيعية، وأن الله يحب أن تجري الأمور على سجيتها، ما دام لم يوجد ما يمنع من ذلك..
حيث إنه تعالى لا يريد أن يقول: إن كل من كان زانياً فلا بد أن تكون زوجته زانية أو مشركة أيضاً، إذ قد ينكح الزاني المسلمُ المؤمنة العفيفة أيضاً، ولا ضير في ذلك، فقد أحل الله ذلك له. كما أن زنى المرأة لا يحرمها على زوجها المؤمن الصالح..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 4..

  • 1. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 26، الصفحة: 352.
  • 2. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 3، الصفحة: 350.
  • 3. مجمع البيان ج 7 ص 135.
  • 4. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (393).