العابد المُحارف

رَوى أبو حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ 1 ( عليه السلام ) قَالَ : " كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَابِدٌ وَ كَانَ مُحَارَفاً 2 لَا يَتَوَجَّهُ فِي شَيْ‏ءٍ فَيُصِيبَ فِيهِ شَيْئاً ، فَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ عِنْدَهَا شَيْ‏ءٌ ، فَجَاعُوا يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ فَدَفَعَتْ إِلَيْهِ نَصْلًا 3 مِنْ غَزْلٍ وَ قَالَتْ لَهُ : مَا عِنْدِي غَيْرُهُ ، انْطَلِقْ فَبِعْهُ وَ اشْتَرِ لَنَا شَيْئاً نَأْكُلْهُ .
فَانْطَلَقَ بِالنَّصْلِ الْغَزْلِ لِيَبِيعَهُ ، فَوَجَدَ السُّوقَ قَدْ غُلِقَتْ وَ وَجَدَ الْمُشْتَرِينَ قَدْ قَامُوا وَ انْصَرَفُوا .
فَقَالَ : لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الْمَاءَ فَتَوَضَّأْتُ مِنْهُ وَ صَبَبْتُ عَلَيَّ مِنْهُ وَ انْصَرَفْتُ ، فَجَاءَ إِلَى الْبَحْرِ وَ إِذَا هُوَ بِصَيَّادٍ قَدْ أَلْقَى شَبَكَتَهُ فَأَخْرَجَهَا وَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا سَمَكَةٌ رَدِيَّةٌ قَدْ مَكَثَتْ عِنْدَهُ حَتَّى صَارَتْ رِخْوَةً مُنْتِنَةً .
فَقَالَ لَهُ : بِعْنِي هَذِهِ السَّمَكَةَ وَ أُعْطِيكَ هَذَا الْغَزْلَ تَنْتَفِعُ بِهِ فِي شَبَكَتِكَ .
قَالَ : نَعَمْ .
فَأَخَذَ السَّمَكَةَ وَ دَفَعَ إِلَيْهِ الْغَزْلَ وَ انْصَرَفَ بِالسَّمَكَةِ إِلَى مَنْزِلِهِ .
فَأَخْبَرَ زَوْجَتَهُ الْخَبَرَ ، فَأَخَذَتِ السَّمَكَةَ لِتُصْلِحَهَا ، فَلَمَّا شَقَّتْهَا بَدَتْ مِنْ جَوْفِهَا لُؤْلُؤَةٌ ، فَدَعَتْ زَوْجَهَا فَأَرَتْهُ إِيَّاهَا ، فَأَخَذَهَا فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى السُّوقِ فَبَاعَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
وَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَالِ فَوَضَعَهُ ، فَإِذَا سَائِلٌ يَدُقُّ الْبَابَ وَ يَقُولُ يَا أَهْلَ الدَّارِ تَصَدَّقُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى الْمِسْكِينِ .
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ادْخُلْ ، فَدَخَلَ .
فَقَالَ لَهُ : خُذْ إِحْدَى الْكِيسَيْنِ ، فَأَخَذَ إِحْدَاهُمَا وَ انْطَلَقَ .
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : سُبْحَانَ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ مَيَاسِيرُ إِذْ ذَهَبْتَ بِنِصْفِ يَسَارِنَا !
فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ دَقَّ السَّائِلُ الْبَابَ .
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ادْخُلْ ، فَدَخَلَ .
فَوَضَعَ الْكِيسَ فِي مَكَانِهِ ، ثُمَّ قَالَ : كُلْ هَنِيئاً مَرِيئاً ، إِنَّمَا أَنَا مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ رَبِّكَ ، إِنَّمَا أَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُوَكَ فَوَجَدَكَ شَاكِراً ، ثُمَّ ذَهَبَ " 4 .

  • 1. أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
  • 2. المُحارَف : المحروم الذي إذا طلب لا يرزق ، أو المنقوص من الحظ الذي لا ينمو له مال ، كأنه مِيلَ برزقه عنه .
  • 3. النصل : الغزل و قد خرج من المغزل .
  • 4. الكافي : 8 / 385 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .