ما هو حديث الثقلين ، و لماذا سمي بهذا الاسم ؟

يُعَدُّ الحديث المشهور بالثقلين 1 من أهم الأحاديث المتواترة المروية عن النبي المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله ) و من أصحها سنداً .
و لقد أدلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) بهذا الحديث في مواطن عِدة و مناسبات شتى .
هذا و قد رَوى حديث الثقلين خمسة و ثلاثون صحابياً 2 ، و أخرجه الحُفَّاظ و المحَدِّثون في صِحاحِهم و مسانيدهم 3 .

و هو أيضا من الأحاديث المصيرية و المهمة التي دونته عشرات المصادر السُنّية من كتب الحديث و السُنَن و التفسير و التاريخ و اللغة بصورة متواترة 4 ، فضلاً عن المصادر الشيعية التي ذكرت الحديث بصورة متواترة أيضا .

سبب تسمية الحديث بالثقلين

أما سبب تسميته هذا الحديث بالثقلين فيعود إلى وجود كلمة " الثقلين " 5 فيه ، و المراد من الثقلين هنا هو :
1. القرآن الكريم الذي هو الثِقْلُ الأكبر .
2. العترة النبوية الطاهرة أهل البيت (عليهم السَّلام) الذين هم الثِقْلُ الأصغر .

نص حديث الثقلين

رَوى المحدثون هذا الحديث بصيغٍ متفاوتة من حيث اللفظ ، إلا أن هذه النصوص تتحد في المعنى و المضمون ، و لعل السبب في هذا الاختلاف يعود إلى أن الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) هو الذي أدلى بهذا الحديث بصيغٍ مختلفة في مواطن مختلفة و مناسبات عديدة .
و فيما يلي نشير إلى نموذجين من الصيغ المروية لهذا الحديث ، و من أراد التفصيل و الاطلاع على الصيغ المختلفة لهذا الحديث فليراجع رسالة حديث الثقلين التي طبعتها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة 6 ، أما نصّ الحديث فهو :

النموذج الأول

جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال : قام رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُماً بين مكة و المدينة ، فحمد الله تعالى و أثنى عليه ، و وعظ و ذكَّر ، ثم قال :
" أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، و أنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحَثَّ على كتاب الله و رغَّبَ فيه ، ثم قال :
" و أهل بيتي ، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي ، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي ، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي " 7 .

النموذج الثاني

حدثنا أبو النَّضر ، حدثنا محمد ـ يعني ابن طلحة ـ ، عن الأعمش ، عن عطيَّة العَوفي ، عن أبي سعيد الخُدْري ، عن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ، قال : " إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب ، و إني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين ، كتابَ اللهِ عَزَّ و جَلَّ ، و عِتْرَتي ، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض ، و عترتي أَهْلُ بيتي ، و إن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض ، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما " 8 .

من هم اهل البيت ؟

عن عائشة قالت : " خرج النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) غداة وعليه مِرْط 9 مرحّل 10 من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 11 12 .
و عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... 11 فأرسل رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال : " هؤلاء أهل بيتي " 13 .
و عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قال : لما نزلت هذه الآية على النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 11 في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة و حسناً و حسيناً ، و علي خلف ظهره ، فجللهم بكساء ، ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " .
قالت أم سلمة : و أنا معهم يا نبي الله ؟
قال : " أنت على مكانك و أنت على خير " 14 .
نعم لقد صرّح الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) بمقصوده من أهل البيت و بيّن ذلك حيث قال : " إن لكلِّ نبيِ أهلاً وثِقْلاً ، و هؤلاء يعني علياً و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثِقْلي " 15 .
و قال ( صلَّى الله عليه و آله ) : " مَن كان له من أنبياءِ ثِقْل فعَليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثِقْلي " 16 .

متى ادلى النبي ( صلى الله عليه و آله ) بهذا الحديث ؟

أدلى الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) بهذا الحديث في موارد عديدة منها :
1. بعد انصرافه من الطائف .
2. يوم عرفة في حجة الوداع .
3. يوم غدير خم .
4. على منبره في المدينة .
5. في حجرته المباركة و هو في مرضه ، و الحجرة غاصة بأهلها .

ما يستفاد من حديث الثقلين

يمكن استخلاص نقاط كثيرة من حديث الثقلين ، و فيما يلي نذكر بعض تلك النقاط :
1. التلازم و الاقتران بين القرآن و العترة الطاهرة ، و هم أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .
2. كما أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، فالعترة من أهل البيت ( عليهم السَّلام ) كذلك ، فهم معصومون ، و إلاّ لصدق الافتراق ، و ذلك ما نفاه الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) صراحة حيث قال : " لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض " .
3. التمسك بالقرآن الكريم و العترة الطاهرة ( عليهم السَّلام ) معاً هو العاصم من الضلال ، والضامن لعدم الانحراف عن النهج الإلهي ، و لأن المراد من التمسك بالقرآن هو الأخذ بتعاليمه ، فكذلك التمسك بالعترة الطاهرة من أهل البيت هو الأخذ بتعاليمهم ( عليهم السَّلام ) .

  • 1. الثقلين : إذا قرأ بالتحريك " الثَقَلَين " الذي مفرده " ثَقَل " كان معناه متاع المسافر ، و أما إذا قُرأ " الثّقْلَين " الذي مفرده " ثِقْل " كان معناه ضدّ الخِفّة ، فيقال ثَقُلَ الشيء ثِقْلاً فهو ثَقِيل ، و على هذا فمعنى الحديث هنا أن العمل بهما أي بالثِقْلَين ثَقِيلٌ .
  • 2. تجدر الإشارة هنا إلى أن المتوقَع هو أن يكون رواة حديث الثقلين أكثر من هذا العدد بكثير كما هو واضح لمن راجع نصوص هذا الحديث الكثيرة ، المختلفة من حيث اللفظ ، و المتحدة من حيث المعنى ، مما يدلّ على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أدلى بهذا المضمون في مواطن كثيرة و مناسبات عدّة ، و لعل السبب في انحصار عدد الرواة في هذا المقدار يرجع إلى معارضة الحكام الغاصبين لرواية هذا الحديث ، و يكون نتيجةً للأعمال القمعية التي كانت تُرتكب بحق رواة فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) من قبل أؤلئك الغاصبين .
  • 3. هذا الحديث أخرجه أكابر علماء المذاهب قديماً و حديثاً في كتبهم من الصحاح و السنن و المسانيد و التفاسير و السير و التواريخ و اللغة و غيرها ، للتفصيل راجع رسالة حديث الثقلين : 5 ، إصدار دار التقريب بين المذاهب الإسلامية / القاهرة ، طبعة ، سنة : 1374 هجرية / 1955 ميلادية .
  • 4. روى العلامة السيد مير حامد حسين الهندي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) هذا الحديث عن جماعة تقرب من المائتين من أكابر علماء المذاهب من المائة الثانية و حتى المائة الثالثة عشرة ، و عن أكثر من ثلاثين رجلاً و امرأة من الصحابة و الصحابيات ، يراجع : حديث الثقلين : 9 ، إصدار دار التقريب بين المذاهب الإسلامية / القاهرة ، طبعة ، سنة : 1374 هجرية / 1955 ميلادية .
  • 5. يسمى هذا الحديث بحديث التمسُّك أيضاً .
  • 6. يراجع : رسالة حديث الثقلين المطبوعة سنة : 1374 هجرية / 1955 ، ميلادية ، القاهرة / مصر ، فقد ذكرت الرسالة الحديث عن أربعين مصدرا من المصادر الموثوقة المعتبرة ، هذا و أن العلامة السيد مير حامد حسين الهندي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) قد جمع أسناد هذا الحديث و متونه في ستة أجزاء من أجزاء كتابه المعروف بـ " عبقات الأنوار " .
  • 7. صحيح مسلم : 4/1873 ، برقم 2408 ، طبعة عبد الباقي ، و أيضا طبعة : دار احياء التراث العربي ، و دار القلم ، بيروت / لبنان .
  • 8. مسند أحمد : حديث : 10707 ، و في هامش الكتاب الموجود على c.d الحديث الشريف ، الثقلين : المراد كتاب الله و أهل بيت الرسول ، عترتي : أهل بيتي ، و يراجع الحديث في صحيح مسلم ، إذ أخرجه في : 4 / 1873 ، عن زيد بن أرقم .
  • 9. المِرْط : كساء من صوف أو خزّ أو كتان يُؤتَزر به .
  • 10. مرحل : ضرب من برود اليمن .
  • 11. a. b. c. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
  • 12. صحيح مسلم ( كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل بيت النبي ) : 4 / 1883 حديث 2424 / ، طبعة بيروت .
  • 13. الحاكم النيسابوري : المستدرك على الصحيحين (كتاب معرفة الصحابة ) : 3/146 ، و قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه / طبعة : بيروت / لبنان .
  • 14. صحيح الترمذي ( كتاب تفسير القران ) : 5 / 351 ، حديث : 3105 ، و أخرجه في (كتاب المناقب باب مناقب أهل البيت ) : 5 /663 ، حديث : 3787 / طبعة : بيروت / لبنان .
  • 15. مجمع البحرين : 5 / 330 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
  • 16. مجمع البحرين : 5 / 331 .

5 تعليقات

صورة طارق فتحي

الثقلين في القران الكريم

كل معاجم اللغة في معاني مفردات اللغة العربية وبخاصة لغة القران الكريم اوردت معنى الثقلين بما يفيد الثقل : كما نقول
اثقل الرجل همه - اثقلت المراءة اي انها حامل - اقله الدين تراكمت عليه الديون - اثقله النوم - اثقله المرض . هذا في معاني اللفظة . اما معنى الثقلين في القران الاصوب ان تكون الانس والجن لثقلهما باعمالهم وحسابهم عند الله .
اما القران الكريم فلا يصح ان نقول انه ثقل كثقل الهك والدين والمرض والنوم فلا يصح ذلك مع القران الكريم .
اما عتره اهل بيت النبوة عليهم افضل السلام فلا يصح المعنى بحقهم ايضاً فهم ليسوا ثقل هذه الامة بل هم حاملين امانة الله ورسوله الى يوم الدين .
وقد يكون مثلما تفضلت به ان رسولنا الكريم تتطرق لحديث الثقلين في اكثر من موضع وفهم منه في حينه انهما القران واهل بيته الاطهار ولكني اختلف معك في معنى الثقلين . وفي حيثك قدح للقارن ولاهل البيت من حيث لا تشعر او تقصد . لذلك اقتضى التنويه / والسلام عليكم

صورة صالح الكرباسي (صالح الكرباسي)

معنى الثقلين في حديث النبي صلى الله عليه و آله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اختلافك معنا في معنى الثقلين لا بد و أن يكون مستنداً الى دليل ، و الحال أن النبي صلى الله عليه و آله قد صرَّح بأن مقصوده من الثقلين هو القرآن و أهل بيته عليهم السلام الامر الذي لا يدع مجالاً للاجتهاد و الاستحسان ابداً بعد وجود نص صريح بذلك منه صلى الله عليه و آله ، و قد جاء التصريح بذلك في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال : قام رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُماً بين مكة و المدينة ، فحمد الله تعالى و أثنى عليه ، و وعظ و ذكَّر ، ثم قال :
" أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، و أنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحَثَّ على كتاب الله و رغَّبَ فيه ، ثم قال :
" و أهل بيتي ، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي ، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي ، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي ".
أما الحديث الثاني ففي مسند أحمد حدثنا أبو النَّضر ، حدثنا محمد ـ يعني ابن طلحة ـ ، عن الأعمش ، عن عطيَّة العَوفي ، عن أبي سعيد الخُدْري ، عن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ، قال : " إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب ، و إني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين ، كتابَ اللهِ عَزَّ و جَلَّ ، و عِتْرَتي ، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض ، و عترتي أَهْلُ بيتي ، و إن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض ، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما ".

و الاحاديث موجودة في إجابتنا و قد ذكرناهما في أعلى الصفحة فالرجاء قراءتها مرة أخرى بدقة و تمعن و شكراً على الاهتمام.

وفقك الله