ما هي كيفية السلوك الى الله ؟ و ما هي اطوار السالكين ؟

لا بُدَّ و أن نعرف أولاً بأن معنى " السُّلُوك " من حيث اللغة هو الدخول ، و قد وَرَدَ ذكر السلوك بهذا المعنى في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها قول الله عزَّ و جل : ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 1 ، أي أدْخِل يدك ، و منها أيضا قوله الله تعالى : ﴿ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ 2 ، أي ما أدخلكم في نار جهنم .
ثم أننا لا بد و أن نعرف بأن السلوك إلى الله ـ على حد التعبير المصطلح ـ إنما يكون بإتخاذ النهج الإلهي طريقاً للوصول الى مرضاة الله و التقَرُّب إليه ، و هو ما لا يحصل إلا بالطاعة المطلقة لله عَزَّ و جَلَّ من خلال الإمتثال لأوامر الله و إجتناب نواهيه .
إذن فالسلوك و السير إلى الله ـ حسب المصطلح في العرفان الإسلامي الصحيح ـ ليس إلاَّ ما أشرنا إليه ، لا كما يتوهمه بعض الناس بأنه مجموعة أوراد و أذكار يرددها الإنسان فيتوصل من خلالها إلى مقام القُرب الإلهي .
لكن ينبغي التنبيه على أن الأذكار و الأدعية المأثورة تُعَدُّ من العوامل المؤثرة في إيجاد حالة التَّذكر و التوجه إلى الله بشرط أن لا يتعامل الإنسان معها كمجرد ألفاظ و نصوص سِحريَّة يتلفظها حتى تتحقق أمانيه دون أن يعرف القصد من إنشاء تلك النصوص أو أن يتعرَّف على معانيها السامية ، بل لا بد و أن يكون تعامله مع تلك الألفاظ تعاملاً واعياً معبراً عن الإيمان القلبي و الإلتزام العملي لدى الفرد المسلم .
من أين نبدأ ؟
يُعتبر الورع عن محارم الله و الإلتزام بأوامره هو المسلك الأول الذي يجب أن يبدأ الإنسان بدخوله ، فبدون الورع يَقِلُّ تأثير عمل الإنسان بل ينعدم في بعض الأوقات ، ذلك لأن الورع و التقوى هما الملاك و المقياس لتقييم العمل ، قال الله عز و جل : ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 3 .
و رُوي عَنْ الإمام أمير المؤمنين عَلِيٍّ ( عليه السلام ) أنه قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ ... 4 .
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) فَقُمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ؟
فَقَالَ : " يَا أَبَا الْحَسَنِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ " 5 .
فمن أراد سلوك طريقٍ قصيرٍ و مضمونٍ يؤدي إلى مرضاة الله فما عليه إلا ترك المحرمات و أداء الواجبات التي حدَّدَتها الشريعة الإسلامية ، و هو أمر سهل و هيِّن ، و صعب و عسير في وقت واحد ، سهل لمن يتمتع بإرادة قوية و عزم قوي و نية صادقة ، و صعب بل مستحيل لمن أراد الجمع بين مرضاة الله و السير وراء الأهواء و الشهوات .
فقد رُويَ عَن النبي عيسى بن مريم ( عليه السَّلام ) أنه قالَ : " النومُ على الحصيرِ و أكلُ خُبْزِ الشَّعيرِ في طلبِ الفردوسِ يَسير " 6 .

  • 1. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 389 .
  • 2. القران الكريم : سورة المدثر ( 74 ) ، الآيات : 40 - 42 ، الصفحة : 576 .
  • 3. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 27 ، الصفحة : 112 .
  • 4. الخطبة طويلة إقتطفنا محل الشاهد منها .
  • 5. وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 10 / 313 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
  • 6. مجموعة ورَّام : 2 / 230 ، لورَّام بن أبي فارس ، المتوفى سنة : 605 هجرية بالحلة / العراق ، طبعة الأوفست عن طبعة دار صعب و دار التعارف ، بيروت / لبنان ، سنة : 1376 هجرية .