نشر قبل 16 سنة
تقيمك هو: 3. مجموع الأصوات: 114
القراءات: 40578

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

هل القرآن خاص بالعرب ، أم هو لجميع أفراد البشر ؟

لا شك في أن القرآن الكريم هو كتاب الله عَزَّ و جَلَّ الذي أنزله ليكون دستوراً لجميع أفراد البشر على مختلف لغاتهم و ثقافاتهم و ألوانهم من دون تمييز ، و هذا الأمر ليس إدعاءً ، بل هو حقيقة تؤكده الكثير من آيات القرآن الكريم .
القرآن كتاب مُرسل إلى البشرية :
بالتدبر في كثير من آيات الذكر الحكيم نعرف أن كثيراً من الآيات القرآنية تدل صراحة على أن القرآن الكريم ليس ـ كما يتصور البعض ـ كتاباً خاصاً بالعرب ، بل هو كتاب عام خاطبَ به الله عَزَّ و جَلَّ جميع أفراد النوع الانساني ، و هو المنهج الإلهي الكفيل بإسعاد الإنسان أسوده و أبيضه ، عربيِّه و أعجميِّه ، شرقيِّه و غربيِّه ، حيث أننا نجد الخطاب الإلهي في كثير من الآيات خطاباً عاماً و شاملاً ، و غير محدود بحدود إقليمية أو لغوية أو قومية أو عرقية ، و لا محصور داخل أُطر ضيقة .
نعم أننا نجد ـ خلافاً للتصور المذكور ـ أن الصبغة العامة للخطابات القرآنية هي عمومية الخطاب و شموليته في الغالب ، فكثيراً ما نجد القرآن الكريم يخاطب العقلاء جميعاً من دون استثناء أو تمييز كما في توجيهه الخطاب لأولي الألباب من دون التعرض للغتهم ، و كذلك لدى توجيهه الخطاب للإنسان ، أو للناس ، أو للعالمين ، بل نجده يتخطى افراد النوع الانساني و يوجِّه خطابه الى الجن أيضاً في آيات عديدة سوف نشير إليها .

نماذج من الخطابات القرآنية العامة :
الخطابات القرآنية العامة كثيرة جداً نُشير إلى نماذج منها في ما يلي :
1. خطاب القرآن للعقلاء :
لقد وجَّه الله تعالى خطابه للعقلاء في كثير من آيات القرآن الكريم ، و لم يتعرض للغتهم أبداً ، و هذه الآيات كثيرة نُشير إلى بعضها :
قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ 1 .
و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 2 .
2. خطاب القرآن للإنسان :
كما و أن الله عَزَّ و جَلَّ وجَّه خطابه للانسان في كثير من الآيات و لم يتعرض للغة هذا الإنسان ، و اليك بعض الامثلة على ذلك :
قال جَلَّ جَلالُه : ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ 3 .
و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ 4 .
و قال سبحانه و تعالى : ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى 5 .
3. خطاب القرآن للناس :
كما و وجَّه خطابه إلى الناس في عدد من الآيات القرآنية الكريمة ، و لم يخص فئة دون أخرى ، و هذه بعض الأمثلة :
قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 6 ، و ليس في هذه الآية ذكرٌ للغةٍ خاصة أو قوم خاص ، بل الآية تصرح بأن القرآن منزل ليكون وسيلة لإخراج الناس جميعاً من دون تمييز من الظلمات إلى النور .
و كذلك قوله جَلَّ جَلالُه : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ 7 .
و لو تأملنا الخطاب القرآني خاصة في المسائل العامة كالدعوة إلى عبادة الله و التوحيد و غيرهما لوجدناه خطاباً عاماً ، حيث يكون الخطاب فيها بـ " يا أيها الناس " ، و مثال ذلك هو سورة الحج ، فإن فيها خطابات متعددة للناس جميعاً ، كما في قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ 8 .
و كما في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ 9 .
و كما في قوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ 10 .
هذا مضافاً إلى الخطابات الكثيرة الأخرى الموجودة في غير سورة الحج ، أمثال قوله تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 11 .
و قوله جَلَّ جَلالُه : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ 12 .
و قوله سبحانه : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ 13 .
4. خطاب القرآن للعالَمين :
تبين مما ذكرنا بأن الله عَزَّ و جَلَّ أنزل القرآن للناس عامة و ليس للعرب خاصة ـ كما قد يُتَصوَّر ـ ، و هنا نريد التأكيد على أن القرآن الكريم ليس للناس جميعاً فحسب ، بل هو كتابٌ مرسل إلى العالمين الذي هو أعم من الناس ، و يشهد على ذلك عدد غير قليل من الآيات التي تصرح بهذا الأمر ، و من تلك الآيات :
قال الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ 14 .
و قال تعالى : ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ 15 .
قال ابن منظور : العالَمُ : الخَلْق كلُّه‏ ، و قال الزجاج : معنى العالمِينَ‏ كل ما خَلق الله ، كما قال : و هو ربُّ كل شي‏ء ، و هو جمع عالَم 16 .
إلى غيرها من الآيات الدالة على عمومية القرآن الكريم و الرسالة الإسلامية و أنها غير مختصة بمكان أو زمان معين أو فئة و جماعة خاصة .
5. خطاب القرآن للجن :
و هناك آيات أخرى تصرح بأن الجن أيضاً هم ممن يستمعون القرآن و يتعاملون معه ككتاب و خطاب إلهي يشملهم كغيرهم من العالمين .
و الجن طائفة من الموجودات غير المرئية ، فلا يستطيع الإنسان مشاهدتها إلا إذا أظهرت الجن نفسها للإنسان ، و قد خلقها الله تعالى قبل أن يخلق الإنسان ، و بعث إليهم الأنبياء ، و هم كالناس يدينون بالأديان و المذاهب ، فمنهم يهود و نصارى و مسلمون ، و منهم مؤمنون بالله و رسوله و الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، كما أنهم كانوا يأتون إلى النبي ( صلى الله عليه و آله ) و الأئمة ( عليهم السلام ) يسألون عن معالم الدين و أحكامه ، و قد كانوا يخدمون المعصومين و يأتمرون بأوامرهم إذا ما أمروهم بذلك .
قال جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 17 .
عالمية القرآن و الاسلام :
هذا و من يتدبر القرآن الكريم يجد التأكيد القرآني على عالمية الدين الإسلامي و الرسالة المحمدية قوياً جداً ، إلى جانب ما تؤكده الأحاديث الشريفة من أن الله عَزَّ و جَلَّ قد أرسل رسوله النبي محمد المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ـ كما أرسل القرآن ـ إلى العالمين أيضاً ، و ليس للبشر خاصة ، و إليك نماذج من هذه النصوص :
قال الله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ 18 .
و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا 19 .
و قال جلَّ جلاله مخاطباً الرسول ( صلى الله عليه و آله ) : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 20 .
و قال جلَّ و علا مخاطباً رسوله الكريم أيضاً : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 11 .