الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تاسيس الدولة الصفوية الشيعية

الحركة الصفوية نتيجة طبيعية لموجات التشيع

يحاول بعض الكتاب أن يفصل الحركة الصفوية عن التأثير الواسع لموجة التشيع التي أحدثها نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي قُدِّس سرهما ، في العالم الإسلامي ، وخاصة في العراق وإيران .
فبعض خصوم الشيعة يريد أن يجعل التشيع مذهباً ابتدعته الدولة الصفوية في مقابل الدولة العثمانية التي تمثل الخلافة ! ولذلك تراه يكذب ويقول إن إيران كانت كلها سنية قبل الصفوين فأجبروها على التشيع !


ويزيده إصراراً على ذلك أنه يرى أن كل ما عند المذاهب أو جله من الإيرانيين ، فيرى لكذبته وجهاً من الصحة !
وبعضهم شيعة ، لكنه بسبب ثوريته وحرصه على الوحدة الإسلامية ، يرى الصفويين متعصبين ، وأنهم قدموا مصلحة المذهب أو البلد على مصلحة وحدة الأمة الإسلامية ، وأنهم أخطأوا في كثير من سياساتهم.

وأول من طرح انتقادهم في إيران الدكتور علي شريعتي ، فقد اتهمهم بأنهم انحرفوا عن منطق التشيع الذي هو منطق الثورة دائماً ( ! ) وتبنَّوا منطق الدولة وسخَّروا المذهب وعلماءه لتأييد دولتهم وسلطانهم ، كما اتهمهم بأنهم قدموا مصلحة إيران والمذهب على المصلح الإسلامية العليا ، ففتحوا معركة مع السلطان سليم العثماني في حين كان مشغولاً بحربه مع الغربيين البرتغاليين ، وستعرف أنها تهمٌ باطلة وأن السلطان سليم هادن الغربيين وأعطاهم إمتيازات !
ومع أن الدكتور شريعتي أخذ ما كتبه عن الصفويين وجدهم الشيخ صفي رحمه الله من أقوال خصومهم أتباع خلافة بني عثمان جق ، إلا أن مؤيديه في إيران ما زالوا ينتقدونهم بنفس انتقاداته المنسوخة عن المتعصبين لبني جق !
لكن المتأمل في تاريخ إيران والعالم الإسلامي لا تصرفه هذه المقولات عن واقع الموجة الشيعية الجديدة الزاخرة التي ملأت آفاق الأمة وأذهانها لأكثر من قرنين ، واتخذت أخيراً شكل مراسيم سلطانية بتبني مذهب أهل البيت عليهم السلام وكتب المرجعان الشيعيان العبقريان لها كتباً انحنت لها هامات العلماء ودوخت أذهانهم ، وكانت عاصمة هذا الموجة وسلطانها وعلماءها ، في جوار أردبيل مركز الشيخ صفي الدين !
إن الحركة الصفوية نتيجة طبيعية لتلك الموجة المباركة ، في نشأتها وهدفها على السواء ، والذين يريدون أن يفصلوها عن تأثير نصير الدين والعلامة لم يطلعوا على التاريخ ، ولا فكروا في منطق الأحدث ، حتى أنهم نسوا أن أردبيل جارة السلطانية ، عاصمة هذه الموجة وفوارتها .

الشيخ صفي الدين التقى بالعلامة الحلي

سألني بعض الأصدقاء عما أكتب فعلاً ؟ فقلت أكتب في كيفية رد نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي لموجة الغزو المغولي ، وذكرتُ أني وجدتُ جديداً في امتداد موجة التشيع التي أحدثها نصير الدين والعلامة إلى الحركة الصفوية ، وأن العلامة قد التقى بالشيخ صفي الأردبيلي جد الصفويين !
فقال الباحث المؤرخ الشيخ رسول جعفريان : الشيخ صفي كان شافعياً ، قال ذلك صاحب نزهة الخواطر ، فأجابه آية الله الميلاني : هذا مثل قول السبكي إن الشيخ الطوسي كان شافعياً ! فقال الشيخ رسول : لعله سني اثنا عشري !
فقال السيد الميلاني : ما هذا التعبير ؟! لا يوجد عندنا ( سني إثنا عشري ) غاية الأمر أن يكون سنياً يحترم الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، فهو سني وليس شيعياً ، فإذا اعتقد إمامتهم من الله تعالى فهو شيعي وليس سنياً .
فقال الشيخ رسول : هذا وصف لنوع من الناس كانوا موجودين يومها .
قلت للشيخ جعفريان : كلام السيد الميلاني منطقي ، وحساسيته من التسمية التي تسبب خلط المفاهيم العقدية ، وأول من نفى تشيع الشيخ صفي النهروالي غير الثقة !
وللمناسبة فعندما يقول هذا السيد الجليل : لا يوجد الشئ الفلاني في مذهبنا فإني أحترم رأيه ، فذات يوم ذكرت أمامه ( العصمة الجائزة ) فقال : ليس عندنا عصمة جائزة! العصمة واحدة ، إما أن تكون أو لا تكون ! وبحثت بعدها طويلاً عن العصمة الجائزة فوجدت أنهم ابتكروها من أجل عمر ، عندما تحير شراحهم في حديث الطبراني : إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه ، وحديث بخاري : 4 / 96 : ( والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك ) ! قالوا : ما دام الشيطان يهرب من عمر فهو معصومٌ بدرجة أفضل من عصمة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم رووا أن شيطان النبي لا يهرب منه ! وقد أجاب عن ذلك ابن حجر في فتح الباري : 7 / 38 بقوله : ( لأنها في حق النبي صلى الله عليه وآله واجبة ، وفي حق غيره ممكنة ) !
أما قول السبكي إن شيخ الطائفة الطوسي قدس سره كان شافعياً ، فهو في طبقات الشافعية : 3 / 51 وطبعة : 4 / 126 ، قال : إن أبا جعفر الطوسي كان ينتمي إلى مذهب الشافعي قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي . واحتذى حذوه شمس الدين الذهبي في كتابه مناقب الشافعي وطبقات أصحابه ، وحاجي خليفة في كشف الظنون : 1 / 452 و : 2 / 1581 ) 1.
وهذا من جهلهم أو كذبهم فالشيخ الطوسي قدس سره شيخ الشيعة المشهور ، وصاحب كرسي الكلام في بغداد ، وقد وصفه السبكي نفسه بأنه فقيه الشيعة !

تشيع الشيخ صفي الدين الصفوي

أشار الشيخ البهائي قدس سره الى أن مذهب صفي الدين الأردبيلي رحمه الله هو التشيع ، فقال في رسالته توضيح المقاصد : ( قطب الأقطاب صفي الدين إسحاق الأردبيلي ، وحالاته وكراماته مشهورة ، وصنف في ذلك كتبٌ منها كتاب صفوة الصفا لابن البزاز ، وهو كتاب مشهور ) . انتهى . ونص عليه المحقق البحراني في كشكوله فقال : ( كان من علماء الشريعة الحقة وكبراء مشايخ الطريقة والحقيقة ، وقد جمع من علوم البواطن والظواهر ، وهو من أجلة سادة آل الإمام الهمام موسى بن جعفر عليه السلام ) . انتهى .
وقال المولى أمين أحمد الرازي في كتاب هفت إقليم : ( إن السلطان محمد خدابنده الملقب بالجايتو المعاصر للعلامة الحلي لما بنى مدينة سلطانية بين تبريز وقزوين وجمع الأكابر والأشراف والعلماء والفضلاء والمشايخ ، واستضافهم فيها ، يوم شروعه في بنائها أو كمالها ، كان في جملتهم الشيخ صفي ) . انتهى .
أورد ما قدمناه ذلك السيد الأمين في أعيان الشيعة : 3 / 267 ، وقال : ( ورأيت في مكتبة الحسينية بالنجف الأشرف سنة 1352 كتاباً كتب عليه أنه كتاب المقالات المنسوبة إلى شيخ المحققين الشيخ صفي الدين إسحاق . . . . ثم نقل قول المحقق البحراني : وقد رأيت بخط المولى الفاضل مولانا حسين بن عبد الحق الإلهي الأردبيلي المعاصر للسلطان الغازي الشاه إسماعيل الصفوي ما هذا لفظه : إنه بعد ما مضى من عمره أربع عشرة سنة سار في طلب المرشد ست سنين وأخذ الشريعة من خدمة العالم رضي الملة والدين ، ثم استخبر بشيراز عن علم الطريقة من مشايخها حتى دلوه على الشيخ الكبير الشهير بالزاهد فرحل اليه وله عشرون سنة وواظب على صحبته سبع سنين وتلقى تلقينه وتربيته ، فأجازه الشيخ بإظهار الدعوة والتلقين وإرشاد المسلمين فأرشد أربع عشرة سنة في حياته وتسعاً وثلاثين سنة بعد وفاته ) .
أقول : المقصود بقوله : ( وأخذ الشريعة من خدمة العالم رضي الملة والدين ) ، غير السيد ابن طاووس قدس سره لأنه توفي 664 والشيخ صفي سنة 635 ، ولا يبعد أن يكون المقصود النحوي المشهور شارح الشافية رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي النجفي المتوفى سنة 686 2 ، فهو مشهور بلقب الرضي : ( وإذا قيل الفاضل الرضي أو الشارح الرضي ، فهو محمد بن الحسن الأسترابادي شارح الكافية والشافية في النحو ) 3 .
أما أمين أحمد الرازي فقد ترجم له في أعيان الشيعة : 3 / 497 ، وقال : ( نزيل الهند كان حياً سنة 1021 ، من مؤلفاته كتاب هفت إقليم أي الأقاليم السبعة . في كشف الظنون : هفت إقليم فارسي في مجلدين لأمين أحمد الرازي ألفه سنة 1010 ، ) 4 .
كما ينبغي مراجعة كتاب المقالات المذكور تاليف الشيخ صفي الدين ، وقد ذكره في الذريعة : 21 / 387 : ( المقالات ، للشيخ صفي الدين إسحاق بن أمين الدين جبرئيل الأردبيلي ، جد السلاطين الصفوية ، المتوفى 12 محرم سنة 730 ، ينقل عنه المير محمد أشرف في فضائل السادات ) .
وكذلك الكتب المؤلفة في سيرة الشيخ صفي ، خاصة قبل الحركة الصفوية السياسية ، فلا بد أنها تتضمن أدلة أكثر قوة على مذهبه ، ففي الذريعة : 15 / 49 : ( صفوة الصفاء ، فارسي في أحوال الشيخ أبي إسحاق صفي الدين جد الصفوية لمير أبي الفتح بن مير مخدوم الحسيني الشريفي المتوفى 976 . . . صفوة الصفاء ، فارسي في مناقب الشيخ صفي الدين جد السلاطين الصفوية لابن البزاز . قال الشيخ البهائي في توضيح المقاصد : في ثاني عشر محرم 735 توفي قطب الأقطاب صفي الدين إسحاق الأردبيلي وحالاته وكراماته مشهورة ، وصنف في ذلك كتب منها صفوة الصفاء لابن البزاز وهو كتاب مشهور . . . . وقد بحث عنه مفصلاً المستشرق بازل نيكيتين وترجمه بالفارسية الدكتور أميرخاني ونشره في مجلة دانشكدهء أدبيات تبريز لسنة 1339 ش . العدد 3 / 273 ، والنسخة بخط المؤلف موجودة في الخزانة الغروية فرغ من تصنيفها جمادى الثانية 787 . قال سيدنا صدر الدين : رأيت النسخة على ما ذكرت بخطه في التاريخ في الخزانة المرتضوية . ونسختان عند ( الملك ) .
وفي الذريعة : 15 / 48 : ( صفوة الأنبياء . . . وفي الذريعة : 23 / 239 : المواهب السنية ، مر في : 5 / 49 ، بعنوان صفوة الصفا ، وهو لأبي بزاز التوكلي المتوفى 800 ، في مقدمة ذات فصلين وبعدها12باباً في حياة صفي الدين إسحاق السنجاني الأردبيلي . . .نسخة الأصل في ديوان الهند ، 1842 كتبت في 759 ، ونسخة أخرى في لندن Wran 465 ، كتبت في 890 وصورتها الفتوغرافية في دانشگاه ، وأخرى في إلهيات 489 د ، سميت ب‍صلة الفقيه ، وأخرى في سپهسالار / 1512 . أوله : الحمد لله الولي الحميد والصلاة . . . ) . وفي الذريعة : 9 ق 1 / 60 : ( ديوان أحمد المداح السلماسي ، له في مدح الشيخ صفي الأردبيلي جد الصفوية مائة وأربع عشرة قصيدة . ترجمه في دجا / 35 ، نقلاً عن صفوة الصفا ) . الخ .

اول من نفى تشيع اجداد الصفويين

يظهر أن تشيع الصفويين وجدهم الشيخ صفي الدين كان أمراً مفروغاً عنه ، حتى جاءت حملة دعاية أتباع السلطان العثماني ضد الشاه إسماعيل وكان منها قولهم إنه هو الذي فرض التشيع على إيران وكانت قبله سنية ، وأن أباه وأجداده كانوا سنيين !
ومن أمثلة ذلك المؤرخ النهروالي الهندي المعاصر للسلطان سليم ، مؤلف كتاب البرق اليماني في الفتح العثماني وكتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام 5 ، وقد فرغ من تأليف كتابه الثاني سنة 922 ، أي قبل وفاة الشاه إسماعيل بثمان سنوات ، وفرح به المتعصبون قديماً وحديثاً ، ونشروا أفكاره وأقواله كأنها أحاديث نبوية !
وعندما تقرأه يأخذك العجب من جرأة هذا الشيخ على الكذب والإفتراء ! وهذه نماذج منه ، قال : ( وتوفي الشيخ صفي الدين في سنة 735 وهو أول من ظهر منهم بطريق المشيخة والتصوف وأول ما اختار سكنى أردبيل ، وبعد موته جلس في مكانه ولده الشيخ صدر الدين موسى ، وكانت السلاطين تعتقد فيه وتزوره ، وممن زاره والتمس بركته تيمور لما عاد من الروم وسأله أن يطلب منه شيئاً فقال له : أطلب منك أن تطلق كل من أخذته من الروم سركنا ، فأجابه إلى سؤاله وأطلق السركن جميعهم فصار أهل الروم يعتقدون الشيخ صدر الدين وجميع المشايخ الأردبيليين من ذريته إلى الآن . . . .ثم تحدث النهروالي عن أولاد الشيخ صفي وحربهم لفتح جورجيا ، ووقوف ملك شروان ( كنجة ) الى صف الجورجيين وانتصاره على أولاد الشيخ صفي ، وأسر من بقي منهم ، وكان الشاه إسماعيل صبياً فهرب من الأسر . . . قال :
( وكان شاه إسماعيل في لاهيجان في بيت صائغ يقال له نجم زرگر ، وبلاد لاهيجان فيها كثير من الفرق الضالة كالرافضة والحروفية والزيدية وغيرهم ، فتعلم منهم شاه إسماعيل في صغره مذهب الرفض ، فإن آباءه كان شعارهم مذهب السنة السنية وكانوا مطيعين منقادين لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يظهر الرفض غير شاه إسماعيل . وتطلَّبه من أمراء ألوند بيك جماعة وطلبوه من سلطان لاهيجان ، فأبى أن يسلمه لهم فأنكر وحلف لهم أنه ما هو عندي وورَّى في يمينه ، وكان مختفياً في بيت نجم زركر وكان يأتيه مريدوا والده خفية ويأتونه بالنذير ( النذور ) ويعتقدون فيه ويطوفون بالبيت الذي هو ساكن فيه ، إلى أن أراد الله بما أراد وكثرت داعية الفساد واختلفت أحوال البلاد باختلاف السلاطين وكثرة العناد بين العباد ، ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( يقصد بآلهة : دولة ! ) وحينئذ كثر أتباع شاه إسماعيل فخرج هو ومن معه من لاهيجان وأظهر الخروج لأخذ ثار والده وجده في أواخر سنة 905 وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة ، وقصد مملكة الشروان لقتال شروان شاه قاتل أبيه وجده ، وكلما سار منزلاً كثر عليه داعية الفساد واجتمع عليه عسكر كثير ، إلى أن وصل إلى بلاد شروان ، فخرج لمقاتلته شروان شاه بعساكره وقاتلهم وقاتلوه ، فانهزم عسكر شروان وأسر شروان شاه ، وأتوا به إلى شاه إسماعيل أسيراً فأمر أن يضعوه في قدر كبير ويطبخوه ويأكلوه ، ففعلوا كما أمر وأكلوه ! وكان ذلك أول فتوحه ، ثم توجه إلى قتال ألوند بيك فقاتله وانهزم منه واستولى على خزائنه وقسمها في عسكره ، وصار يقتل من ظفر به . . . وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره ! وقتل خلقاً لا يحصون ينوف على ألف ألف نفس ، بحيث لايعهد في الإسلام ولا في الجاهلية ولا في الأمم السابقة من قتل من النفوس ما قتله شاه إسماعيل . . . وقتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق أحداً من أهل العلم في بلاد العجم ، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم لأنها مصاحف أهل السنة . . . وكلما مر بقبور المشايخ نبشها وأخرج عظامهم وأحرقها . . . وإذا قتل أميراً من الأمراء أباح زوجته وأمواله لشخص آخر . . . وسقط مرة منديلٌ من يده إلى البحر وكان في جبل شاهق مشرف على البحر المذكور ، فرمى نفسه خلف المنديل من عسكره فوق ألف نفس ، تحطموا وتكسروا وغرقوا . . . وكانوا يعتقدون فيه الألوهية . . .
فلما وصلت إخباره ( أي الشاه إسماعيل ) إلى السلطان سليم خان ، تحركت فيه قوة العصبية ، وأقدم على نصر السنة الشريفة السنية ، وعد هذا القتال من أعظم الجهاد ، وقصد أن يمحو من العالم هذه الفتنة وهذا الفساد ، وينصر مذهب أهل السنة الحنيفية على مذهب أهل البدع والإلحاد ، ويأبى الله إلا ما أراد ، فتهيأ السلطان سليم بخيله ورجله وعساكره المنصورة ورحله ، وسار لقتاله وأقدم على جلاده وجداله .
ثم تحدث النهروالي عن معركة جالديران وانتصار السلطان سليم ودخوله مدينة تبريز ، ثم رحيله عنها ، وقال : ( وأراد أن يقيم في تبريز للإستيلاء على إقليم العجم والتمكن من تلك البلاد على الوجه الأتم ، فما أمكنه ذلك لكثرة القحط وإستيلاء الغلاء بحيث بيعت العليقة بمائتي درهم وبيع الرغيف الخبز بمائة درهم ، وسبب ذلك أن القوافل التي كان أعدها السلطان سليم لتتبعه بالمبرة والعليق والمؤن تخلفت عنه في محل الاحتياج إليها ، وما وجدوا في تبريز شيئاً من المأكولات والحبوب لأن الشاه إسماعيل عند انكساره أمر بإحراق أجران الحب والشعير وغير ذلك ، فاضطر السلطان سليم خان إلى العود من تبريز إلى بلاد الروم وتركها خاوية على عروشها . ثم تفحص عن سبب انقطاع القوافل عنه فأخبر أن سبب ذلك سلطان مصر قانصوه الغوري فإنه كان بينه وبين شاه إسماعيل محبة ومودة ومراسلات ، بحيث أن كان السلطان قانصوه الغوري يتهم بالرفض في عقيدته بسبب ذلك . فلما ظهر للسلطان سليم خان أن الغوري هو الذي أمر بقطع القوافل عنه صمم على قتل السلطان الغوري أولاً وبعد الإستيلاء عليه وعلى بلاده يتوجه إلى قتال شاه إسماعيل ثانياً ) 6 .
وقال السيد الأمين عن النهروالي في مستدركات أعيان الشيعة : 4 / 18 : ( الشيخ محمد بن أحمد النهروالي ، نسبة إلى نهروالة وهي بلدة صغيرة من كجرات تسمى اليوم بتن . . . هاجر إلى الحجاز وهو ما يزال صغيراً دون البلوغ وتعلم على والده ثم اتصل برجاله الدولة العثمانية ، وكانت قد استولت على الحجاز بعد هجرته إليها وتوثقت صلته بهم . . . وتعلم التركية وأتقنها حتى صار يؤلف وينظم بها . . . وكانت صلاته بالحجازيين سيئة في الغالب وقد احترق بيته واحترقت مكتبته ، وكان الحريق مدبراً كما يقولون . أما صلاته بالأتراك فكانت على أحسن ما يرام : غمروه بالعطاء وخصصوا له راتباً سنوياً يوازي راتب شيخ الحرم المكي . . . .قابل إحسانهم هذا بالتفاني في حبهم والمغالاة في الدعوة إليهم والاشادة بذكرهم ، فطفحت مؤلفاته بالمبالغة في مدح سلاطينهم ورجال دولتهم ، وهو ما تجب ملاحظته عند قراءة كتبه وخاصة كتابه البرق اليماني الذي يزخر بالتحامل الشديد على العرب وذمهم في أغلب الأحيان . . . ) .
كما ناقش السيد الأمين بعض افتراءاته وتناقضاته ، وقال في : 2 / 64 : ( وصفه المؤرخ علي التاجر في / 541 من المجلد الخامس من مجلة العرب ، بعد أن نقل وصفه لبعض الأحداث : لست بحاجة بعد كل هذا إلى تفصيل ما في حديث النهروبي من تخليط وتخبط ، فذلك أوضح من أن يحتاج إلى بيان .
ثم يقول عن رواية النهروالي : بغض النظر عما في هذه الأسطورة من خلط وتشويش واضطراب وأخطاء تاريخية وجغرافية . . . .
ويقول في / 460 : والنهروالي إلى قيل الإهتمام بتحري الحقيقة عديم العناية بصحة ما يكتب وخاصة بالنسبة إلى التاريخ .
ويقول في / 638 : الواقع أن النهروالي كان يتحدث عن موضوع يجهل ملابساته كلها جهلاً تاماً ، فلفق وخلط كما هي عادته ) . انتهى 7 .

  • 1. مجلة تراثنا : 5 / 264 ، والموسوعة البريطانة .
  • 2. الذريعة : 13 / 313 .
  • 3. مستدركات رجال الحديث : 8 / 534 ، وراجع : هامش وقاية الأذهان للأصفهاني / 162 ، ومعجم رجال الحديث : 16 / 212 ، وكشف الظنون : 2 / 1370 ، وفي رياض السالكين : 1 / 238 ، أنه توفي في النجف رحمه الله .
  • 4. وتفصيل ذلك في كشف الظنون : 2 / 2044 ، والذريعة : 25 / 229 ، و4 / 52 ، وفيه : ألفه سنة 1002 .
  • 5. الأعلام : 6 / 6 .
  • 6. مستدركات أعيان الشيعة : 1 / 18 .
  • 7. كيف رد الشيعة غزو المغول ( دراسة لدور المرجعين نصير الدين طوسي و العلامة الحلي في رد الغزو المغولي ) ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز الثقافي للعلامة الحلي رحمه الله ، الطبعة الأولى ، سنة 1426 ، ص 401 ـ 412 .