الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

من كنت مولاه فعلي مولاه

حديث : (من كنت مولاه فعلي مولاه) مشهور متواتر يُعرف بحديث الموالاة ، وقد قاله النبي بعد رجوعه من حجة الوداع في الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام ، في السنة العاشرة من الهجرة ، في موضع يقال له غدير خم ، وهو موضع بين مكة والمدينة ، وهو حديث عظيم يدل على فضيلة عظيمة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ومنقبة باهرة لم ينلها غيره من صحابة رسول الله ، بل إن هذا الحديث دال على أفضلية أمير المؤمنين على من عداه من الصحابة ، وعلى أنه هو المتعين للخلافة بعد رسول الله دون غيره .
وبيان هذه المنقبة يستدعي البحث في هذا الحديث من عدة جهات :

1 ـ طرق الحديث

أخرج هذا الحديث كثير من حفاظ الحديث من أهل السنة والشيعة ، فقد أخرجه الترمذي في سننه 5 / 633 ، وابن ماجة في السنن 1 / 45 ، والحاكم النيسابوري في المستدرك 3 / 109 ، 110 ، وأحمد بن حنبل في المسند 1 / 84 ، 118 ، 119 ، وابن حبان في صحيحه 15 / 375 ، 376 ، والطبراني في المعجم الكبير 3 / 199 ، 200 ، 4 / 17 ، 173 ، 174 ، والنسائي في السنن الكبرى 5 / 45 ، 108 ، وابن أبي شيبة في المصنف 6 / 368 ـ 371 ، 376 ، وعبد الرزاق في مصنفه 10 / 220 ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة 2 / 590 ـ 593 ، وأبو يعلى في مسنده 1 / 257 ، وغيرهم .
وأخرجه من علماء الشيعة : الكليني في الكافي 1 / 287 ، 294 ـ 296 ، 420 ، والشيخ الصدوق في جملة من كتبه ، منها : الأمالي ، ص 12 ، 81 ، 106 ، 107 ، والتوحيد ، ص 212 ، والخصال ، ص 66 ، 211 ، 219 ، 311 ، وغيرها ، ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام 3 / 263 ، ومحمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات ، ص 97 ، والحميري في قرب الإسناد ، ص 57 ، وعلي بن جعفر في مسائله ، ص 145 ، والحر العاملي في وسائل الشيعة 3 / 379 ، 548 ، 7 / 323 ، وغير هؤلاء كثير .

2 ـ صحة الحديث

صحَّح هذا الحديث جمع من أعلام أهل السنة ، منهم : الحاكم في المستدرك ، والذهبي في التلخيص 3 / 109 ، 110 ، وتاريخ الإسلام 2 / 629 ، وعلي القاري في مرقاة المفاتيح 10 / 464 ، وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ، ص 149 وقال : إن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن . وابن عبد البر في الاستيعاب 3 / 36 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 104 ـ 108 ، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة ، والألباني في صحيح الجامع الصغير 2 / 1112 ، وسلسلته الصحيحة 4 / 343 ، وصحيح سنن ابن ماجة 1 / 26 ، وغيرهم .
وعَدَّه من الأحاديث المتواترة : السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة) ، ص 277 ، والكتاني في (نظم المتناثر) ، ص 206 ، والزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة) ، ص 205 ، والحافظ شمس الدين الجزري في (أسنى المطالب) ، ص 5 ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 343 .
وأما الشيعة الإمامية فقد أطبقوا على صحته وتواتره .

3 ـ دلالة الحديث

أهم ما ينبغي معرفته في الحديث هو المراد بكلمة (مولاه) ، فإنها إذا اتضح معناها صار معنى هذا الحديث واضحاً جليًّا ، لأن باقي ألفاظ الحديث واضحة لا نزاع فيها .
والمولى كلمة لها معان كثيرة في لغة العرب ، منها : الرَّب ، والمالك ، والسيِّد ، والعبد ، والمُنعم ، والمنعَم عليه ، والمُعتِق ، والمُعتَق ، والناصر ، والمُحِب ، والتابع ، والجار ، وابن العم ، والحليف ، والعقيد ، والصِّهْر ، والولي الذي يلي عليك أمرك 1 .
قال ابن الأثير بعد تعداد المعاني المذكورة : وأكثرها قد جاء في الحديث ، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه ، وكل مَن ولِيَ أمراً أو قام به فهو مولاه ووَلِيّه .
قال : وقول عمر لعلي : (أصبحتَ مولى كل مؤمن) أي ولِيّ كل مؤمن 2 .
والمراد بالمولى في الحديث هو الولي ، وهو القائم بالأمر الأولى بالتصرف ، كقولهم : ولي الطفل ، وولي المرأة وولي الدم ، فلا يراد بالولي إلا الأولى بالتصرف ؛ لأن هذا هو المعنى المتبادر عند إطلاق الولي ، ولما ورد في كثير من طرق الحديث أن النبي قال : أيها الناس ، ألستُ أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه 3 .
ومع أن المولى له معان متعددة ويعرف المراد من اللفظ بالقرينة ، إلا أن قوله : (ألست أولى بكم من أنفسكم) ، يدل بوضوح على أن المراد بالمولى في الحديث هو الأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ولا يمكن التشكيك في أن هذا هو المعنى المراد في الحديث بعد وجود هذه القرينة الواضحة جداً .
وقد جاء وَصْف أمير المؤمنين بالولي في أحاديث أخر ، منها : ما أخرجه الترمذي في سننه ، والحاكم في المستدرك ، والألباني في سلسلته الصحيحة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تريدون من علي ؟ إن عليًّا مني وأنا منه ، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي 4 .
قال ابن الأثير في النهاية ، وابن منظور في لسان العرب ، والجوهري في الصحاح : كل من ولِيَ أمرَ واحدٍ فهو وَلِيّه .
ومنه يتضح أن معنى (ولِيُّ كل مؤمن بعدي) هو المتولِّي لأمور المؤمنين من بعدي ، وهو تعبير آخر عن الخليفة من بعدي ؛ لأن الخلفاء هم ولاة أمور المسلمين .
والمعاني الأخَر إما أنها لا تصح في حق أمير المؤمنين ، كالرَّب والمالك والسيد والعبد والمُعتِق والجار وابن العم والصِّهْر وغيرها ، وأما أنها غير مرادة في الحديث ، كالمحب والناصر والمنعِم عليه ؛ لأن قوله : (بعدي) دليل على أن المراد بلفظ (الولي) غير ذلك ، لأن هذه الأمور ـ وهي المحبة والنصرة والإنعام ـ كانت ثابتة لعلي حتى في زمان النبي ،فذِكر البعدية حينئذ لغو ، فلا يصح أن يقال : علي مُحِبُّكم أو ناصركم أو منعِم عليكم من بعدي ؛ لأنه عليه السلام كان كذلك في حياة رسول الله .
ولو نظرنا إلى استعمال لفظ الولي في أحاديث أخر ، لوجدنا أنه يراد به ولي الأمر من بعد النبي ، فقد أخرج البخاري 3 / 1127 ومسلم 3 / 1378 في صحيحيهما بسندهما عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر قال : ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر ، فكنت أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيها أبو بكر . . . الحديث .
فقوله : (أنا ولي رسول الله) ، أي المتولي للأمر من بعده ، أي خليفته .
فإذا اتضح ذلك نجد أن بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة في كتبهم تدل على أن ولي رسول الله هو أمير المؤمنين ، لا أبو بكر ولا عمر ، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك حديثاً طويلاً ، جاء فيه : فقال ابن عباس : وقال النبي لبني عمه : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ فأبوا ، فقال لعلي : أنت وليي في الدنيا والآخرة . . . الحديث .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح والإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي 5 .
وفي حديث آخر : فقال علي : أنا أتولاك في الدنيا والآخرة . فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح والإسناد ولم يخرجاه ، ولم يذكره الذهبي في تلخيصه 6 .
وفي حديث آخر أن النبي قال : يا أيها الناس ، إني وليكم . قالوا : صدقت يا رسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها ، وقال : هذا وليي ، والمؤدي عني ، وإن الله موالٍ لمن والاه ، ومعادٍ من عاداه 7 .
وفي قبال هذا الحديث لم نجد بعد التتبع حديثاً واحداً وردت فيه إشارة من رسول الله من قريب أو بعيد إلى أن أبا بكر وليه ، أو مولاه ، أو ما شاكل ذلك .
والنتيجة أن حديث الموالاة يدل بوضوح على خلافة أمير المؤمنين من بعد رسول الله بلا فصل ، ولا سيما أن مقام الولاية أعظم من مقام الخلافة ، فإنه إذا ثبتت لأمير المؤمنين هذه الولاية العظمى الثابتة لرسول الله ، وهي الولاية المقدمة على ولاية الإنسان على نفسه ، ثبتت له الخلافة بالأولوية القطعية ، فإن أهل السنة وغيرهم لا يدعون لخلفائهم ـ بدءاً من أبي بكر وانتهاءً بآخر خلفائهم ـ مثل هذه الولاية ، والحمد لله رب العالمين 8 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. راجع لسان العرب 15 / 409 .
  • 2. النهاية في غريب الحديث 5 / 228 .
  • 3. سنن ابن ماجة 1 / 43 . صحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1 / 26 . مسند أحمد بن حنبل 4 / 370 . صحيح ابن حبان 15 / 375 . سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 331 قال : إسناده صحيح على شرط الشيخين . مجمع الزوائد 9 / 104 وقال : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة . المستدرك 3 / 110 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . وسكت عنه الذهبي . مختصر إتحاف السادة المهرة ج 9 ح 7483 ، 7485 ، قال البوصيري في الأول : رواه إسحاق بسند صحيح .
  • 4. سنن الترمذي 5 / 632 قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . سلسلة الأحاديث الصحيحة 5 / 261 ح 2223 .
  • 5. المستدرك 3 / 143 .
  • 6. المستدرك 3 / 145 .
  • 7. السنن الكبرى للنسائي 5 / 107 ، 134 .
  • 8. سماحة الشيخ علي آل محسن في 14 ذي الحجة 1429هـ و قد نشرت هذه المقالة في الموقع الرسمي لسماحته .