الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل هناك إرتباط بين ما يحصل في سوريا واحاديث علامات الظهور؟

ما من شك أن الذي يجري في سوريا هو فتنة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فالذي يجري ليس مجرد نزاع عسكري على هذه المنطقة او تلك، كما اعتدنا أن نراه في النزاعات العسكرية، ولا يمكن أن نسميه بانه مجرد نزاع سياسي، فما يجري فيه لم نألف له مثيلاً في النزاعات السياسية، خاصة حينما نرى نزعات الاستئصال والحقد التي تضرب بصورها على المشهد السوري، ويبدو أننا لم نشهد تحالفاً على الكذب والخداع في أي نزاع جرى في تاريخنا المعاصر كما نشهده في هذا النزاع، ولذلك فهو فتنة بكل ما للكلمة من معنى، ومن المحقق أن روايات الشيعة والسنة على حد سواء تحدّثت عن الفتنة الممهدة لمجيئ السفياني عليه لعائن الله، وهذا ما يضعنا أمام معطيات يجب أن تثير اهتمامنا البالغ بها، لأن هذه الفتنة قد تكون هي نفس الفتنة الموصوفة في رواياتنا.

وحتى نتأكد من ذلك لا بد لنا من إيجاد عملية تقريب مستمرة ما بين معطيات الروايات الشريفة وما بين معطيات الواقع، ولكن شريطة أن نحذر تمام الحذر في هذا المجال، لأن الهوى ورغبات النفس ومحاولات الخروج بنتائج سريعة على طريقة السلق قد تضللنا عن الوصول إلى ما نصبو إليه من هدى وما نرنو إليه من ثبات واستقامة على طريق حسن العاقبة، واعتقد أن المقاربة المطلوبة هي مراقبة الخارطة الزمانية والمكانية التي رسمتها الروايات الشريفة، فهذه الخارطة أوضحت أن هناك تسلسلاً في الأحداث، وقد وصفت الروايات هذا التسلسل بأنه نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، وهذا التسلسل ينحصر في بقعة جغرافية وفي زمان محدد، وعليه فإننا مطالبين بعمليتين في وقت واحد، أولهما دراسة العلامة بما تحدّثت لعنه الروايات الشريفة بما له من خصوصيات تختلف عن بقية العلامات، وثانيهما ربط هذه العلامة مع بقية العلامات وفق التسلسل الذي ذكر في الروايات، وأي دراسة للعلامة الواحدة بمعزل عن بقية ما تقدمه العلامات من معطيات سيعطينا نتائج تجريدية في أحسن الحالات بمعنى أننا لن نستطيع المقاربة بها مع الواقع الذي نحياه، ولكن إسقاط أي علامة على الواقع الذي نحياه من دون بقية العلامات، ومن دون مراعاة وجود العلامات الأخرى ومعطياتها هو الآخر سوف يوصلنا إلى نتائج لا تتسم في احسن الحالات إلا بالتخمين وبالتالي تخرج العلامات من حراك الواقع، وذلك لأننا قد نجيد قراءة العلامة بمفردها وبمعزل عن غيرها، فنجد أن مثل هذه العلامة يمكن أن تكون حصلت، أو أنها مماثلة، أو قابلة للتماثل مع عشرات او مئات الأحداث التي تمر على التاريخ، ولذلك دوماً كان يجابه المتابع لهذه الطريقة بأن هذا الأمر وإن تشابه مع الرواية، ولكن من الذي يقول بأن هذا هو عين الذي قصده الإمام صلوات الله عليه في روايته؟ فحينما تتحدث الروايات عن خراب الشام وتدرس هذه الرواية بمعزل عن بقية الروايات، سنجد أنفسنا أمام احتمال واقعي وهو أن هذا الخراب قد لا يكون هو المقصود، ومن الواضح أن الطريقة السليمة في المتابعة هي تقليص دائرة الاحتمالات التي تطرح هنا، ولا مجال لعملية التقليص وصولاً إلى الحصر المطلوبة هنا، إلا من خلال أخذ العلامة بمعية بقية العلامات في عملية التحليل، ومن نعم التوجيه الذي أصدره الإمام الباقر عليه السلام في هذا المجال أنه تحدّث عن نظام الخرز لكي يدلّنا على وضع العلامة ضمن بيئتها الزمانية والمكانية، وعدم أخذها بمفردها، وهو نفس النظام الذي نجد جدّه أمير المؤمنين عليه السلام يتحدّث به كما هو الحال في حديثه عن رجفة الشام فقد تحدث عن تسلسل في الأحداث وأرّخ لها بهذه الطريقة: احتدام القتال ما بين جيشي الشام، ثم الرجفة، ثم نزول الرايات الصفر من مغرب الشام بمعية الدبابات أو الراجمات الصاروخية (البراذين المحذوفة) في ظروف وصفت بأنها (الموت الأحمر والجزع الأكبر)، ثم الخسف بحرستا، ثم ظهور السفياني، ولذلك فإن الرجفة يجب أن تدرس بلحاظ ما يسبقها وما يلحق بها، وهكذا وجود الرايات الصفر يجب أن يلاحظ تزامنه من بعد الرجفة وفي ظروف أمنية وسياسية قاسية جداً، ثم يراقب ما بعده وأعني حصول الخسف بحرستا عند ذلك وحده نستطيع أن نعطي نتائج تقريبية للوصل ما بين ما نحياه وما بين ما طرحته الروايات.

إن هاتان العمليتان في الوقت الذي تؤشر على دقة المطلوب، فإنها في نفس الوقت تؤشر بشكل جدي على أحد أهم الأسباب التي أطاحت بتحليلات عديدة في فهم العلامات وربطها بغيرها من العلامات.

وعليه فإن دراسة أحداث الشام المعاصرة ومحاولة إيجاد الربط بينها وبين ما سبق للروايات أن طرحته يجعلنا بحاجة إلى التساؤل أولاً هل نحن أمام فتنة في الشام، ولئن كان الجواب بأن ظروف سوريا المعاصرة هي أصدق الأمثلة على الفتنة، فهي ليست مجرد صراع سياسي، وإنما هو تداخل لعناصر عديدة ومتشابكة لا تجتمع في العادة بسهولة في أحداث العالم، عندئذ علينا ان نستحضر بقية العناصر المتعلقة بها، وهي التالي: ان تكون سوريا في أزمة مع جيرانها، وقد بات هذا الأمر واضحاً، وأن تكون تركيا هي احد الأطراف الأشد ضراوة في أزمة سوريا مع هؤلاء الجيران لأنها ستحتل لاحقاً أجزاء كبيرة من الشرق السوري مما يجعلها حتماً في درجة عالية من التأزم بينها وبين السوريين، وما عاد هذا الأمر مورد جدل بين المحللين لوضوحه، وأن تكون الفتنة مؤدية إلى تشعبات وانقسامات في الداخل السوري بحيث يؤدي إلى ما سنلاحظه لاحقاً باسم معركة الكور الخمس والتي هي المناطق السورية التي تنسلخ من سيطرة الحكم، وهذا الأمر هو الآخر قد بات قصة حقيقية، وأن يكون هناك ظرف سياسي يسمح للأكراد السوريين بالإنفصال الذي يستفز الأتراك، وما عدنا نرتاب بان الأمور تسير بهذا الاتجاه بشكل سريع، وأن كل هذه الأمور تحصل قبل اعتداء خارجي كبير على سوريا تنجم عنه رجفة ذات صوت هائل، ويكون مآلها أن الهلاك سيسرع في صفوف الكافرين بصورة يوصل قتلاهم إلى 100 ألف، وأن مصير هذه الرجفة سيكون رحمة للمؤمنين في معطياتها الميدانية، وقد رأينا أن ضربة 552013 الإسرائيلية لمنطقة جمرايا الدمشقية والتي سبق أن قلنا بأنها كانت نووية، وباتت من مسلمات المتابعين قد أحدثت رجفة شديدة وكان فيها صوت هائل لم يسبق أن سمعت نظيره الشام، وقد أعقبها مباشرة نزول حزب الله براياته الصفراء قادماً من مغرب الشام في الساحة السورية ومعه بدأت المجاميع المناوئة التكفيرية تشهد تراجعاً عسكريا وأمنياً في كل المناطق، ومع حدث الرجفة كانت قصة الدبابات الروسية والصواريخ الروسية SS300  قد طرحت مسألة البراذين الشهباء المحذوفة بشكل دقيق، ولئن رأينا واقع الفتنة السورية أو واقع الهجمة الطائفية الشاملة ضد الشيعة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ أو ما يقبل عليه النظام الدولي من واقع مهما تفاءلنا فيه فإننا لن نبالغ لو قلنا أن حالات الجزع الكبرى يمكن أن تتشكّل مما نحن مقبلون عليه، أو ما وقعنا فيه فعلاً، وهو الأمر الذي ما عاد خفياً على مسامع المحللين السياسيين الاستراتيجيين أن طبول الحرب العالمية إزداد إيقاعها بشكل جاد.

ولو أضفنا إلى ذلك كله وجود قائد في إيران ينتسب بشكل واضح إلى خراسان، ووجود ملك على الحجاز يسمى بعبد الله، وأشفعنا كل ذلك بوجود حكومة عراقية ضعيفة، وبوجود حراك في المناطق الغربية للعراق يمهّد للأقليم أو الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد قد يفضي إلى ما أعربنا عنه سابقاً بالاقليم الذي سيتزعمه قائد من هذه المحافظات تسميه الروايات بعوف السلمي، وكذلك طبيعة الوعي الكبير لدى شيعة أهل البيت عليهم السلام لذاتهم وهويتهم، والتنامي الإستثنائي في القوة الشيعية من الناحية الاستراتيجية.

إن كل ما أشرنا إليه مما هو مطروح بشكل جدي على الأرض، نجد له انعكاس جلي على الكثير من الروايات التي تحدثت عن أن هذه الاحداث ستحصل بصورة متسلسلة زماناً ومكاناً، وبالتالي فإن المؤمن الفطن لا يمكنه أن ينظر إلى كل هذه المعطيات نظرة لا أبالية كأنها مثل بقية الأحداث التي تمر في العالم في كل حين، بل إن هذا الحشد من التطابق أو التقارب ما بين الوصف الروائي وما بين ما نراه على الأرض، لم يحصل ولا مرة بهذا الترتيب، ولس من السهل تصوره في فترة لاحقة، لأن احتمال اندماج علامتين في وقت واحد وفي مكان مشخّص ضمن مقياس نظرية الاحتمالات إنما يقاس بمقياس المتوالية العددية، مما يعني أننا حتى نحصل على تطابق في أحداث ثلاثة، أو أربعة أو إلى الخامس عشر سنصل إلى أرقام خيالية في عمر الزمن.

لا أريد أن أوقّت، ولكن ما أعرفه من الوقائع التاريخية أن التاريخ لم تتجمع أحداثه بهذه الطريقة لتتطابق أو تقترب من المطابقة بهذه الصورة الملفتة وبهذا الحشد الكبير مع الروايات الشريفة بصورة اعتباطية، مما يستدعي بنا إلى القول بأن آمالنا برؤية تلك الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة لمولانا صاحب العصر والزمان صلوات الله عليه، ما عادت مجرد أمنية بل ثمة ما يجري في الواقع يجعلنا منتعشي الآمال بأن القادم القريب سيكون حافلاً في واقع الظهور الشريف، وهذه الآمال مع جلالتها وروعتها، إلا أن ما يكتنفها من أحداث تجعل عملية الاستعداد الجدي لكل الاستحقاقات المترتبة على مرحلة ما قبل الظهور وما بعده أكثر من ملحة، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً 1.

 

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ جلال الدين علي الصغير حفظه الله.