الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الجفر والجامعة ومصحف فاطمة

نص الشبهة: 

هل أنزلت كتب أخرى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير القرآن واختص بها علي «رضي الله عنه»؟! إن قلتم: لا، فبماذا تجيبون عن رواياتكم التالية:

  1. الجامعة: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟! قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟. قال: صحيفة طولها سبعون ذارعاً بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش إلخ.. (انظر: «الكافي»:1 / 239.). تأمل: «وفيها كل ما يحتاجه الناس». فلماذا أخفيت إذن، وحُرمنا منها ومما فيها؟! ثم: أليس هذا من كتمان العلم؟!
  2. صحيفة الناموس: عن الرضا «رضي الله عنه» في حديث علامات الإمام قال: «وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة» (انظر: «بحار الأنوار»: 25 / 117.). نقول: أية صحيفة هذه التي تتسع لأسماء الشيعة إلى يوم القيامة؟! ولو سجل فيها أسماء الشيعة في إيران مثلا في يومنا هذا لاحتجنا إلى مائة مجلد على أقل تقدير!!
  3. صحيفة العبيطة: عن أمير المؤمنين رضى الله عنه قال: وأيم الله إن عندي لصحفاً كثيرة قطائع رسول اللهصلى الله عليه وآله، وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها: العبيطة. وما ورد على العرب أشد منها، وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، مالها في دين الله من نصيب («بحار الأنوار»: 26 / 37.). نقول: إن هذه الرواية ليست مقبولة ولا معقولة، فإذا كان هذا العدد من القبائل ليس لها نصيب في دين الله، فمعنى هذا أنه لا يوجد مسلم واحد له في دين الله نصيب! ثم لاحظوا تخصيص القبائل العربية بهذا الحكم القاسي الذي يشم منه رائحة الشعوبية.
  4. صحيفة ذؤابة السيف: عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضى الله عنه: أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف. قال أبو بصير: قال أبو عبد الله: فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة («بحار الأنوار»: 26 / 56.). نقول: وأين الأحرف الأخرى؟! ألا يفترض أن تخرج حتى يستفيد منها شيعة أهل البيت؟! أم أنها ستبقى مكتومة حتى يقوم القائم؟؟! وتهلك الأجيال تلو الأجيال والدين محبوس في السرداب..؟!
  5. صحيفة علي: وهي صحيفة أخرى وجدت في ذؤابة السيف: عن أبي عبد الله رضى الله عنه قال: وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة، فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمدصلى الله عليه وآله، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً («بحار الأنوار»: 27 / 65.).
  6. الجفر: وهو نوعان: الجفر الأبيض، والجفر الأحمر: عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله رضى الله عنه يقول: إن عندي الجفر الأبيض. قال: فقلت: أي شيء فيه؟! قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام، والحلال والحرام.. وعندي الجفر الأحمر. قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟! قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل. فقال له عبد الله بن أبي اليعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟! فقال: أي والله كما يعرفون الليل أنه ليل، والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم («أصول الكافي»: 1 / 24.). نقول: تأمل: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم الله، والحلال والحرام، كلها في هذا الجفر! فلماذا تكتمونه؟!
  7. مصحف فاطمة: ألف: عن علي بن سعيد، عن أبي عبد الله «رضي الله عنه» قال: وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله بخط علي «رضي الله عنه» بيده («بحار الأنوار»: 26 / 41.). ب: وعن محمد بن مسلم عن أحدهما رضى الله عنه: (وخلفت فاطمة مصحفاً، ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول اللهصلى الله عليه وآلهوخط علي «رضي الله عنه») («البحار»: 26 / 41.). ج: عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله رضى الله عنه: (وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام، أما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول اللهصلى الله عليه وآلهوخط علي) («البحار»: 26 / 48.). فإذا كان الكتاب من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي، فلماذا كتمه عن الأمة؟! والله تعالى قد أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يبلغ كل ما أنزل إليه، قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... . فكيف يمكن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد هذا أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن؟! وكيف يليق بعلي رضى الله عنه والأئمة من بعده أن يكتموه عن شيعتهم؟! أليس هذا من خيانة الأمانة؟!
  8. التوراة والإنجيل والزبور: عن أبي عبد الله رضى الله عنه: أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية (انظر: « أصول الكافي »: 1 / 227.). نقول: وماذا يفعل أمير المؤمنين والأئمة من بعده بالزبور والتوراة والإنجيل، يتداولونها فيما بينهم ويقرؤونها في سرهم؟! ونصوص الشيعة تدعي أن علياً وحده حاز القرآن كاملاً، وحاز كل تلك الكتب والصحائف الأخرى على حد زعمكم. فما حاجته إلى الزبور والتوراة والإنجيل؟! وبخاصة إذا علمنا أن هذه الكتب قد نسخت بنزول القرآن؟!

بعد كل هذا نقول: نحن نعلم أن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم، وأما تعدد الكتب فهذا من خصائص اليهود والنصارى كما هو واضح في كتبهم المتعددة.

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإن هذا السؤال قد اشتمل على أمور كثيرة تحتاج إلى بعض التوضيح، فلاحظ ما يلي:
أولاً: إن الكتب التي أشار إليها في السؤال: الجامعة، والجفر، ومصحف فاطمة وغير ذلك.. ليست من الكتب المنزلة من عند الله، ولا هي حتى من الأحاديث القدسية.. وفي الأحاديث التي أوردها دلالات عديدة على ما نقول..
ثانياً: إن وجود هذه الكتب عند أهل البيت «عليهم السلام» لا يعني أن الناس قد حرموا منها، إذ المفروض أن يكون الأئمة هم الذين يوصلون مضامينها للناس، كلما أمكنهم ذلك.. إذ لا شيء يدلُّ على أنهم «عليهم السلام» قد كتموا العلم الذي في تلك الكتب.
وقد نقل نفس هذا السائل النص الذي تضمنته الصحيفة التي أسماها «صحيفة علي». فأين هو الكتمان ؟!
كما أن سائر ما أخبر به الأئمة «عليهم السلام» على مدى قرنين ونصف من الغيوب وغيرها، مما لم يكن متداولاً بين الناس، ألا يعد ذلك نشراً لمضامين تلك الكتب، أو على الأقل شطراً منها مما احتاج الناس إليه.
ونشر هذه الغيوب ما هو إلا إسهام في تربية الأمة، وفي تعليمها، وترسيخ يقينها، في الوقت الذي كان فيه غيرهم قد جمع ما كتبه الصحابة من حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأحرقه..
ثالثاً: بالنسبة للصحيفة التي فيها أسماء الشيعة، وأسماء أعدائهم، وأنها لا تتسع لأسمائهم الكثيرة، نقول:
ألف: إن هذا الإشكال لم يعد له مورد، فإن قدرة الله تعالى على إعطاء من شاء من خلقه القدرة على جمع معلومات كثيرة في نطاق صغير لا يمكن المراء فيها. وأصبح بإمكان أصحاب هذه الشبهات أن يتأكدوا من هذه الحقيقة بعد أن اتسع القرص الكامبيوتري، لآلاف المجلدات مع مساحة صغيرة جداً، ولعل بعضه لا يتجاوز في حجمه رأس الأنملة..
ب: ربما يكون التدوين قد اقتصر على أسماء الخلَّص، والكبار الأخيار، والرؤساء والقادة من شيعتهم.. ورموز الطغيان، والفتك والعدوان من أعدائهم.
رابعاً: إن قبائل العرب تعد بالمئات والآلاف، وقد انتدب في ليلة الغار عشرة أشخاص من عشرة قبائل من قريش وحدها للفتك برسول الله «صلى الله عليه وآله»، لكي يضيع دمه في القبائل، فلا يستطيع بنو هاشم المطالبة بدمه.. فوجود ستين قبيلة من بين تلك الآلاف من القبائل ليس لها في دين الله نصيب، ليس أمراً غريباً، ولا خارقاً للعادة.
خامساً: إن وجود ستين قبيلة في العرب ليس فيها مسلم واحد ليس فيه شعوبية، لأنه لم يذكر عدد القبائل غير العربية التي ليس فيها أحد له نصيب في دين الله تعالى.. فلعلها تبلغ آلاف القبائل، فيكون حال العرب أهون حال. مع أن هذا النص قد يشير إلى أن المفروض بالعرب هو أن لا يطيقوا أن يكون حتى هذا المقدار من الكفرة بينهم.
سادساً: الصحيفة التي يفتح كل حرف فيها ألف حرف هي الأخرى ليست من الأعاجيب ولا الغرائب، فقد روي عن علي «عليه السلام» قوله:
«علمني رسول الله «صلى الله عليه وآله» ألف باب من العلم، يفتح لي من كل باب ألف باب» 1.
ولعل ما أخرجه علي «عليه السلام» من هذه العلوم لم يبلغ حد فتح باب واحد من العلم الذي عنده.
سابعاً: إن الكلام حول كتمان هذه الأحرف، أو تعليمها للناس ليس دقيقاً، وهناك علوم تحتاج إلى علوم مقدماتية، قادرة على إعداد الناس لتلقي بعض العلوم التي تكون أرقى منها، بل تكون هذه العلوم مقدمة وممهدة لتلك.. فلعل الناس كانوا غير قادرين على تحصيل هذه العلوم التمهيدية.
فقد ورد الأمر بأن نكلم أيضاً الناس على قدر عقولهم.
ومن المعلوم أيضاً: أن بعض الأمور إنما يصح بيانها حين يأتي وقتها، فقد قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ... 2
بل لقد ورد في الحديث الشريف ما يدل على مطلوبية كتمان العلم عن غير أهله..
ثامناً: أما الحديث عن حبس الدين في السرداب، فيقصد به التشنيع الذي هو سلاح من لا يملك حجة.. والحقيقة هي: أنه لا مانع من أن تكون هناك أحكام لا تجد موضوعاتها إلا في آخر الزمان.. فمثلاً كان الحكم في الناس منذ بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالأيمان والبينات والأقارير، ولكن إذا خرج الإمام «عليه السلام» حكم بالواقع كحكم آل داود، لأن البينة قد تغلط، أو تكذب، والحالف والمقرّ قد يكذبان أيضاً..
تاسعاً: أما كتمان ما في الجفر، فهو أيضاً غير ظاهر من الروايات، فلعل الأئمة ينشرون تلك العلوم والمعارف بحسب ما يحتاجه الناس، وربما تكون قد بقيت أمور لا تناسب إلا عصر ظهور الإمام المهدي «عليه السلام».. أو لا يصح إظهارها لغير أهلها، وقد يكون منها ذكر ما يجري على من تبقى من ذرية الزهراء «عليها السلام» في زمن الغيبة، فلعل إفشاء هذه الأمور قبل أوانها يكون مضراً بهم أو بالناس.
عاشراً: أما الرواية التي ذكرها عن محمد بن مسلم عن أحدهما: «وخلفت فاطمة مصحفاً، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله وخط علي «عليه السلام»..».
فيرد عليه:
ألف: إن العبارة في المصدر هكذا: «وخلفت فاطمة مصحفاً، ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله وخط علي «عليه السلام»..» 3.. والدليل على ذلك: أنه لا معنى لكلمة «ولكنه»، لأنها استدراك من لا شيء.
ب: كيف يكون من كلام الله أنزل عليها، ثم يكون رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي يمليه ؟! فإن المفروض هو أن تمليه هي، وليس رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأنه إنما أنزل عليها لا عليه، ألا يدلُّ ذلك على أن الرواي قد خلط الكلام إلى الحد الذي يسقطه عن الإعتبار ؟!
أو يكون المراد: أنه أنزل على أبيها، لها ولأجلها..
ج: وإذا كان من كلام الله، فإن ذلك لا يعني أنه قرآن، بل يكون من قبيل الأحاديث القدسية، وقد أوحي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من أجل فاطمة «عليها السلام»، وبذلك ينسجم قوله: أنزله عليها، مع قوله: إملاء رسول الله.
حادي عشر: لا معنى لقول السائل عن مصحف فاطمة: «إذا كان من إملاء رسول الله، فلماذا كتمه الأئمة» ؟! لأن الموجب للكتمان هو حساسية المضمون، وترتب المفسدة على إفشائه، سواء صدر من رسول الله أو صدر من غيره..
ثاني عشر: بالنسبة لآية:﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... 4 . لا تدلُّ على لزوم إفشاء كل المضامين، بل هي خاصة بإبلاغ ولاية أمير المؤمنين «عليه السلام».. فلعل في إفشاء بعض مضامين مصحف فاطمة ما يكون خاصاً بها، أو ما لا مصلحة في إفشائه، مثل ذلك الذي يتعلق بما يجري على ذريتها، أو ما يتعلق بوصيتها، فإنهما معاً كانا في مصحف فاطمة.
ثالث عشر: قال السائل: كيف يمكن لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد هذا (أي بعد نزول قوله:﴿ ... مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... 4) أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن..
ونجيب:
بأن مصحف فاطمة «عليها السلام» ليس قرآناً، وليس فيه شيء من القرآن. كما صرحت به الروايات التي أوردها السائل نفسه، ولعل بعضه قد أخبر الله تعالى به رسوله «صلى الله عليه وآله» من أجلها «عليها السلام»، كما في بعض الأحاديث القدسية.. وبعضها الآخر: مما كان الملك يحدثها به..
رابع عشر: لا خيانة للأمة في كتمان ما في مصحف فاطمة، فإن ما فيه قد لا يكون مرتبطاً بالأمة، لأن فيه وصيتها، وفيه تسليتها عن أبيها بذكر ما يجري على ذريتها من بعدها..
ولو سلم أن فيه بعض ما يرتبط بالأمة، فليس كل ما كان كذلك يجب إفشاؤه في كل حين، فلعل له وقتاً لو أفشي في غيره لأضر بالأمة.. ويكون إفشاؤه في وقته أمانة، وإفشاؤه في غير وقته خيانة.
خامس عشر: أما حاجة علي «عليه السلام» إلى الزبور والتوراة والإنجيل.. فلأنه «عليه السلام»:
ألف: يحتج على كل ملة بكتابها.
ب: إنه «عليه السلام» وارث علم الأنبياء، كما كان النبي «صلى الله عليه وآله»، وارثاً لعلومهم، ولكتبهم، وكانت عنده «صلى الله عليه وآله» عصا موسى، وخاتم سليمان، وصحف إبراهيم وموسى، والتوراة والإنجيل والزبور، وغير ذلك..
ونسخ تلك الكتب بالقرآن معناه: نسخ أحكامها الشرعية لا نسخها كلها، أما سائر العلوم والمعارف والأخبار فيها فليست مورداً للنسخ. ولذلك ذكر لنا القرآن بعض حِكم لقمان، ومواعظه لابنه، لأن الحكم والمواعظ لا تنسخ.
ومن السياسات القرآنية الثابتة: أنه كان يؤكد على أهل الملل الأخرى أنه عارف بأدق دقائق كتبهم، ومختلف تفاصيلها، ويجعل ذلك من وسائل إقناعهم، ولم تنتف الحاجة إلى ذلك منهم بوفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل هي قائمة إلى يوم القيامة.
على أن من الواضح: أن المنسوخ لا يحذف، ولذلك بقي في القرآن ناسخه ومنسوخه، والنبي «صلى الله عليه وآله» وأوصياؤه هم الذين يميزون هذا عن ذاك.
سادس عشر: قول السائل: إن الإسلام ليس إلا كتاب واحد، وأن تعدد الكتب من خصائص اليهود والنصارى.. فهو غير مقبول، لسببين:
ألف: إن وجود مواريث الأنبياء عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعند أوصيائه لا يعني أنه قد ضاهى اليهود والنصارى..
ب: إن القرآن مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل.. لأن التوراة والإنجيل كلام الله بلا ريب. ونسخ بعض أحكامه لا يجعله من كلام غير الله تعالى..
كما أن فيه: أمثال، وحكم، وتربويات، ومواعظ، وأخلاق، وقيم، وغير ذلك.. وهذا ليس مما ينسخ..
وأدنى فوائده: أنه يساعد على إيمان أتباع الأديان السالفة من خلال الإحتجاج به عليهم. كما كان يحدث في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله».. كما أن هذا كان ديدن الأئمة «عليهم السلام» أيضاً، فإنهم كانوا يحتجون على أهل الملل والنحل بكتبهم، فلم يكن يسعهم إلا البخوع والتسليم.
وهذا من فوائد نزول عيسى «عليه السلام» في آخر الزمان، ليكون ذلك آية لليهود وللنصارى على حد سواء..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 5.

  • 1. الخصال ص 572 و 652 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج 3 ص 165 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص 211 و 330 و 420 و 431 و 435 و 462 ودلائل الإمامة (ط مؤسسة البعثة) ص 235 و (مؤسسة المهدي) ص 131 والإحتجاج ج 1 ص 223 والفصول المهمة لابن الصباغ ج 1 ص 571 ومدينة المعاجز ج 5 ص 69 وبحار الأنوار ج 22 ص 463 وج 31 ص 425 و 433 وج 40 ص 216 وج 69 ص 183 وج 89 ص 42 والتفسير الصافي ج 1 ص 42 والدر النظيم ص 285 و 606. وراجع ايضاً: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج 10 ص 16 و 17 وغاية المرام ج 5 ص 224 وج 6 ص 107 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 7 ص 600 وج 23 ص 452 وتنزيه الشيعة الاثني عشرية عن الشبهات الواهية للتبريزي ج 1 ص 156 و 163.
  • 2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 101، الصفحة: 124.
  • 3. بصائر الدرجات ص 176 وراجع ص 178 وبحار الأنوار ج 26 ص 41 وراجع ص 48 و ج 47 ص 271.
  • 4. a. b. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 67، الصفحة: 119.
  • 5. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (47).