نشر قبل 6 سنوات
تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 58
القراءات: 6867

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عصمة النبي يوسف في كتاب تنزيه الانبياء

نص الشبهة: 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أتقدم إليكم بهذا السؤال، حول مقطع من كتاب تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه.. حيث يقول في تفسير آية:﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ . قلنا: إنما أراد الدعاء والمنازعة والشهوة، ولم يرد العزم على المعصية، وهو لا يبرئ نفسه مما لا تعرى منه طباع البشر.. وما معنى قوله: وهو لا يبرئ نفسه مما لا تعرى منه طباع البشر؟

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن الشريف الرضي رحمه الله قد ذكر في تفسير هذه الآية وجوهاً:
أحدها: ما أشار إليه الحسن البصري، وحاول السيد الشريف توضيحه وشرحه، إلى أن قال في آخره العبارة التي ذكرتموها في السؤال..
وهو جواب يحتاج ـ لكي يصبح مقبولاً ـ إلى المزيد من التوضيح والبيان، والتأكيد على أن هذا كقول أمير المؤمنين عليه السلام: لست ـ في نفسي ـ بفوق أن أخطئ إلا أن يتداركني الله بلطف منه. وكتعليق النبي إسماعيل عليه السلام صبره على مشيئة الله سبحانه، حين قال لأبيه:﴿ ... سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 1
أي أنه عليه السلام، إذا انقطع عنه التسديد والتأييد، وحجبت عنه الألطاف، وحرم من المعرفة الحقيقية بالله تعالى، ووكله الله إلى نفسه، وإلى طبيعته البشرية، فإنه سيكون ضعيفاً في المواجهة، ولأجل ذلك ورد في الدعاء: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً».. فإن جعل زمام أمره بيد نفسه، لن يكون في صالحه، لأن نفسه لن تحصنه من المآثم، بل هي قد تدعوه إليها..
والذي يحصنه منها هو معرفته بالله وإيمانه، وتعلقه به تعالى..
الثاني من أجوبة السيد المرتضى قوله: «وفي ذلك جواب آخر اعتمده أبو علي الجبائي واختاره، وإن كان قد سبق إليه جماعة من أهل التأويل وذكروه، وهو: أن هذا الكلام، الذي هو:﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ... 2.. إنما هو من المرأة، لا من كلام النبي يوسف عليه السلام، واستشهدوا على صحة هذا التأويل بأنه منسوق على الكلام المحكي عن المرأة بلا شك»..
إلى أن قال:
«.. وعلى هذا التأويل يكون التبرؤ من الخيانة الذي هو﴿ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ... 3من كلام المرأة، لا من كلام النبي يوسف عليه السلام.
ويكون المعنى المكنى عنه في قوله:﴿ ... أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ... 3هو يوسف عليه السلام، دون زوجها، لأن زوجها قد خانته في الحقيقة بالغيب.
وإنما أرادت: أني لم أخن يوسف عليه السلام وهو غائب في السجن، ولم أقل فيه لما سئلت عنه، وعن قصتي معه، إلا الحق..
ومن جعل ذلك من كلام يوسف عليه السلام جعله محمولاً على: أني لم أخن العزيز في زوجته بالغيب..
وهذا الجواب كأنه أشبه بالظاهر، لأن الكلام معه لا ينقطع عن اتساقه وانتظامه» 4.
فالشريف المرتضى يرى إذن: أن هذا الوجه هو الأنسب بسياق الكلام..
الثالث: الجواب الذي يؤكد فيه رحمه الله، على أنه يلتزم بعدم صدور الهم بالمعصية من قِبَل النبي يوسف عليه السلام حتى على مستوى خطورها بباله، فضلاً عن الدعاء والمنازعة، والشهوة، وهو أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، أي: لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، فهو كقولك: «لولا أن تداركتك، لهلكت»..
وإذا جاز عندهم حذف جواب «لولا» لئلا يلزم تقدم جوابها عليها، فلماذا لم يجز: تقديم الجواب، لئلا يلزم حذفه من الكلام؟! 5.
وبذلك يعلم: أنه رحمه الله إنما أراد أن يجيب بأجوبة مختلفة، يجري بعضها على مشربه في تنزيه الأنبياء عليهم السلام، ويجري بعضها الآخر على مشرب غيره..
وفي جميع الأحوال نقول:
إن عصمة الأنبياء هي الأصل الأصيل، الذي لا مجال للتنازل عنه، ولا للمجاملة فيه..
وقد تكون للجواد كبوة، ولكن المهم هو النظر إلى الأصول التي يعتمد عليها العالم ويتبناها، وليس المعيار هو بعض الهفوات والكبوات التي قد تحصل في مجال التطبيق، حتى إذا نبهته إليها، وعرَّفته وجه الخلل فيها، تراجع عنها، ولم يصر عليها، بل هو يتبرأ منها معترفاً شاكراً..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله 6..

  • 1. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآية: 102، الصفحة: 449.
  • 2. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 53، الصفحة: 242.
  • 3. a. b. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 52، الصفحة: 241.
  • 4. تنزيه الأنبياء ص 51 و52.
  • 5. راجع: تنزيه الأنبياء ص 52 ط سنة 1250 هـ.
  • 6. مختصر مفيد.. ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة )، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الثامنة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (450).