الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عقيدتنا في آباء النبي عليهم السلام

نص الشبهة: 

ما هي العقيدة في آباء وأمهات النبي صلوات الله عليه وعلى آله والأئمة صلوات الله عليهم من ناحية (أنهم يجب أن يكونوا موحدين)؟؟ . . وما قول سماحتكم حفظكم الله في إجابة أحد الأشخاص عن هذا السؤال:

س: إذا قلنا إن والد إبراهيم عليه السلام لم يكن موحِّداً، فهل يضر ذلك بعصمته؟

ج: ما دخل ذلك في عصمته؟! العصمة هي أن يكون النبي حقاً في عقله وفي قلبه وفي كلامه وفي حياته وفي سلوكه، وأما أن يكون أبوه موحداً أو غير موحد فذلك أمر لا يدخل في العصمة، كما أن ذلك لا يضر به، بل ربما يزيد في شأنه بأنه تمرد على كفر أبيه من موقع حرية الفكر في عقله، وليس لخبث الأب علاقة سلبية في شخصية الابن، فقد يخرج الله الطيب من الخبيث ولا يؤثر ذلك في طيبته. والعلماء يقولون إنه لا بد أن يكون آباء الأنبياء موحدين، لكنهم لا يشترطون أن تكون أمهاتهم في امتداد النسب موحدات، فعلى سبيل المثال، فإن أم الإمام الصادق عليه السلام هي فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وقد قال الإمام عليه السلام: «ولدني أبو بكر مرتين» ولما كان آباء أبي بكر غير موحّدين فمن ذلك نعرف أنّه لا اشتراط في كون أمهات الأنبياء أو الأئمة في امتداد النسب موحدين. وهذا يوحي بأنّ الإيمان بالتوحيد في امتداد النسب ـ للأب والأم ـ لا علاقة له بالجانب القيمي للنبي، لأن ذلك يتصل بطهارة المولد ونقاء النسب، فالوارد عندنا أن آباء الأنبياء لا بد أن يكونوا طاهرين بنكاح غير سفاح، وهذا ما وردت فيه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام. علماً أن مسألة أن يكون آباء الأنبياء موحّدين ليست من العقائد الأساسية التي تدخل في صلب العقيدة، بل هو من الموضوعات النظرية المثيرة للجدل في فهم الكتاب والسنة.

تحياتي وخالص دعائي لكم..

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنه لا شك في أن آباء النبي صلى الله عليه وآله إلى النبي آدم عليه السلام مؤمنون موحدون، وقد أجمع الشيعة على هذا الأمر.. ودلت عليه الروايات الكثيرة. وهي مروية في كتب الشيعة والسنة.
وهناك خمس رسائل بعنوان: الرسائل التسع، مطبوعة في حيدر آباد الدكن ـ الهند سنة 1380 هـ من تأليف السيوطي، تتحدث كلها عن هذا الأمر، وقد ساق فيها روايات كثيرة حول هذا الموضوع، فراجع..
وما نريد أن نشير إليه هنا هو الأمور التالية:
1 ـ قوله: إن الإيمان بالتوحيد في امتداد النسب للأب وللأم لا علاقة له بالجانب القيمي للنبي..
وكذا قوله: إن كفر أبيه ربما يزيد في شأنه.. غير دقيق..
أولاً: لأنه إن كانت هذه فضيلة ـ كما ذكر هذا البعض ـ فيجب عندها أن يكون آباء الأنبياء كافرين منذ النبي آدم عليه السلام.. لأن الله يريد لأنبيائه أن يكونوا حائزين على الفضائل والكمالات الذاتية، والعارضية..
ولكن يبقى النبي آدم المسكين!! محروماً من هذه الفضيلة.. كما أن المصيبة الأعظم تقع على إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، لأن أباهما كان نبياً..
ثانياً: إن لصفاء الأعراق من ظلمات الشرك، ومن الصفات الذميمة، أثراً في طهارة نفوس الذرية، وقد ثبت أن العرق دساس، وهكذا الاعتقاد الفاسد، فإن له تأثيره على نفس المعتقد، من حيث إيجابه ظلمات وأدواءً فيها، كما أن له آثاره السلبية على كل نسله، وها نحن نقرأ في زيارة الأئمة عليهم السلام:
«أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة»..
ثالثاً: إن من يكون وضيعاً في نسبه، أو من سلالة كافرة، فإن ذلك سوف يترك أثره على نفسه، ويثير فيه شعوراً غير حميد، وسيتضاءل لديه الشعور بالعزة والكرامة.. ويعتبر أن ذلك يمسه ويعنيه.. كما أن الآخرين سوف يعتبرون أن لهم تميزاً عليه، ولديهم خصوصية يفقدها.. وسوف يجد من يعيّره بكفر الآباء والأجداد، ويطعن عليه بهم وبسببهم..
2 ـ أما قوله: فالوارد عندنا أنه لا بد من طهارة آباء الأنبياء بنكاح غير سفاح. فهو يوحي بأن هذا فقط هو ما ورد الحديث به، وذلك بملاحظة قوله: فالوارد عندنا..
وبملاحظة: أنه قد نسب القول بلزوم توحيد آباء الأنبياء إلى العلماء، ولم يشر إلى وجود أية رواية فيه..
وهذا بطبيعة الحال يدخل في دائرة التدليس على الناس العاديين، الذين لا يعلمون ماذا هناك، وهو عمل ينافي الأمانة والأخلاق، وما أشد وقع الخيانة إذا كانت تتعلق بأمر ديني، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك..
3 ـ وأما الحديث عن أن إيمان آباء الأنبياء عليهم السلام ليس من الاعتقادات، بل هو موضوع نظري مثير للجدل في فهم الكتاب والسنة.. فهو أغرب وأعجب.. فإنه إذا ثبت إيمانهم بإخبار المعصوم عنهم بذلك، فلماذا يثور الجدل في الكتاب والسنة، بسبب الاعتقاد بصحة ما أخبر عنه المعصوم؟!.. وما هو وجه الربط بين هذا وذاك؟!
وعلى كل حال.. فإننا نذكر القارئ هنا بلزوم المراجعة إلى ما ذكرناه في كتاب «خلفيات مأساة الزهراء» 1.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 2.

  • 1. خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام، ج1 ص451 ـ 455 ط سنة 1422 هـ.
  • 2. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة التاسعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (486).