الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لماذا لم تذكر ولاية علي في القرآن ؟!

نص الشبهة: 

إذا كانت ولاية علي بن أبي طالب « رضي الله عنه » وولاية أبنائه من بعده ركناً لا يتحقق الإيمان إلا به ، ومن لم يؤمن بذلك فقد كفر واستحق جهنم ، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، وحج بيت الله الحرام ـ كما يعتقد الشيعة ـ؛ فلماذا لا نجد التصريح بهذا الركن العظيم في القرآن الكريم ؟! إنما نجد القرآن قد صرح بغيره من الأركان والواجبات التي هي دونه ؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج ، بل صرح القرآن الكريم ببعض المباحات كالصيد مثلاً . . . فأين الركن الأكبر من الثقل الأكبر . . . ؟! .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
سيأتي سؤال آخر بهذا المضمون برقم 63 .
ولكننا نجيب هنا بما يلي :
أولاً : إن الإمامة والولاية قد ذكرت في القرآن الكريم في العديد من الآيات ، ومنها آية : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 12 . لكن اسم الإمام علي والأئمة الاثني عشر « عليهم السلام » لم يصرِّح بها فيه ، كما لم يصرِّح بعدد ركعات الصلاة ، وبأنصبة الزكاة ، وكثير من التفاصيل الأخرى ، مع أن الله قد ذكر آية كتابة الدين . . وهي أطول آية في القرآن ، مع أن كتابته مستحبة ، وذكر موضوع استئذان الأبناء على آبائهم في أوقات معينة ، بل ذكر بعض المباحات كما اعترف به السائل .
فدلَّنا ذلك : على أن الذكر في القرآن ليس على أساس أهمية الموضوع ، وإنما له أسباب أخرى يعلمها الله سبحانه .
ثانياً : إن الله تعالى أعرف من كل أحد بما ينبغي التصريح به في القرآن ، وما لا ينبغي ، وليس لأحد الإعتراض عليه ، وما يقوله رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، يجب العمل به ، تماماً كالذي ذكره في القرآن . . فإنه « صلى الله عليه وآله » لا ينطق عن الهوى .
ثالثاً : إن ما جرى يوم عرفة وفي منى من ضجيج ، وصراخ وعجيج ، منع الناس من سماع كلام رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، ولا سيما حين شرع « صلى الله عليه وآله » بالحديث عن الأئمة الاثني عشر ، يدلُّنا : على أن ثمة موانع عظيمة ، وعقبات كبيرة أمام رسول الله « صلى الله عليه وآله » في موضوع إمامة علي « عليه السلام » . .
وقد أكد ذلك : أن النبي « صلى الله عليه وآله » حين طلب كتفاً ودواة ، ليكتب للناس كتاباً لن يضلوا بعده ، خشي عمر أن يقول « صلى الله عليه وآله » شيئاً عن أمر الخلافة بعده ، فبادر إلى قطع الطريق على النبي « صلى الله عليه وآله » بقوله : إن النبي ليهجر ، أو غلبه الوجع .
فذلك كله يدلُّ : على أنه « صلى الله عليه وآله » لو كتب شيئاً عن هذا الأمر لتعرضت حياة أهل البيت « عليهم السلام » ، للخطر الشديد ، بل الأكيد . وربما تطور الأمر إلى إيذائه نفسه « صلى الله عليه وآله » جسدياً بشكل مباشر ، ورغم ذلك لم يسلم أهل البيت « عليهم السلام » من الأخطار ومن التعرض للأذى إلى حد القتل . ولعل إعلان ولاية علي « عليهم السلام » يوم الغدير ، والذي جعل اليهود ييأسون من النيل من دين المسلمين كما قال تعالى : ﴿ ... الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ... 3قد دعا اليهود إلى التعجيل في دس السم للنبي « صلى الله عليه وآله » . .
ثم كان العرق اليهودي هو الذي دعا ابن ملجم إلى قتل علي « عليه السلام » بعد ذلك . . فإن حاضنة ابن ملجم كانت يهودية أيضاً . .
فما بالك لو أن التصريح باسمه قد ورد في القرآن الكريم!! ألا ترى معي أن هذا سوف يعرِّض سلامة القرآن للخطر ، أو فقل : إنه سيفسح المجال لإطلاق الشبهات والتشكيكات حول سلامته .
رابعاً : بالنسبة لكفر منكر ولاية علي « عليه السلام » نقول :
إن الشيعة ـ كما تدلُّ عليه سيرتهم عبر القرون ـ يعاملون أهل السنة جميعاً على أساس أنهم مسلمون ، فيتزوجون منهم ويزوجونهم ، ويأكلون ذبائحهم ، ويتوارثون معهم و . . و . . الخ . .
وهذا يكذب مقولة تكفير الشيعة لمنكري ولاية علي « عليه السلام » ، وولاية أبنائه . .
وأما عدم قبول الأعمال ، فله أسبابه الخاصة به ، ولا يلزم من القول بعدم قبول الأعمال التكفير ، لأن الرياء مثلاً يبطل العمل ، ولكنه لا يوجب الكفر . . بل قد يكون الإنسان مسلماً حتى لو لم يقم بكثير من الأعمال . فإن من لا يحج وهو مستطيع ، ومن لا يؤدي زكاة ماله طمعاً بالمال لا يحكم بكفره .
خامساً : أما استحقاق جهنم ، فقد يكون بارتكاب بعض الكبائر ، كقتل النفس المحترمة عمداً حتى لو شهد أن لا إله إلا الله ، وان محمداً رسول الله ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام شهر رمضان ، وحج البيت الحرام . .
فترك الولاية إن كان عن تقصير ، وتعمّد لتركها ، فهو معصية كبيرة . . وإن كان عن جهل وقصور ، فله أحكام الجاهل القاصر . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 4 .

  • 1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
  • 2. الغدير ج 3 ص 156 ـ 162 .
  • 3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
  • 4. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (55) .