الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لماذا لم يصلح علي عليه السلام ما افسده الخلفاء ؟!

نص الشبهة: 

ينقل الكليني : أن بعض أنصار الإمام علي ـ «رضي الله عنه» ـ طالبه بإصلاح ما أفسده الخلفاء الذين سبقوه ، فرفض محتجّاً بأنه يخشى أن يتفرق عنه جنده (الروضة للكليني ص29)، مع أن التهم التي وجهوها للخلفاء قبله (أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ) تشمل مخالفة القرآن والسنة. فهل ترك علي لتلك المخالفات كما هي يُناسب «العصمة» التي يدَّعونها له ؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
هناك نوعان من المخالفات التي تجب معالجتها :

النوع الأول : ما يرتبط بوظائف وتصرفات الخليفة والحاكم نفسه ، مثل إجراء سنن العدل في الرعية ، والقسمة بالسوية ، وأخذ الحق من غير أهله ، وإعطائه لأهله ، وتوفير الفيء على المسلمين ، وإصلاح شؤونهم ، والقضاء بينهم بشرع الله ، وإجراء الحدود ، وتعليم الناس أحكام دينهم ، وتربيتهم ، وإشاعة الفضائل والقيم والأخلاق الرفيعة بينهم ، وإحياء السنن ، وإماتة البدع ، ودفع أعدائهم ، وتقوية سلطانهم و . . و . . الخ . .
فيجب على الحاكم في جميع ذلك : العمل بشرع الله ، ورعاية حدوده . من دون أي محاباةٍ ، أو تهاون ، أو مخالفة مهما كانت . .

النوع الثاني : ما يرتبط بتكاليف الناس أنفسهم ، وما يرتبط بمذاهبهم واعتقاداتهم ، فالواجب على الحاكم أن يرشدهم إلى الحق ، وأن يدعوهم إلى العمل به ، وأن يعمل على إزالة الشبهة عنهم ، وليس له أن يتوسل بالقوة ، فإنه لا إكراه في الدين ، إلا إذا فرضت الظروف تجاوز هذه المرحلة ، فيما إذا زالت الشبهة وأصبحت المخالفة والتعامل معها داخلة في سياق الضوابط ، ووفقاً لما يتوفر من شرائط وحالات ، تؤسس لمراحل الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

ولذلك تلاحظ : أن علياً « عليه السلام » لم يحاب ولم يصانع أحداً في كل ما يرتبط بالنوع الأول ، بل طبق أحكام الله بحذافيرها . . رغم أن ذلك قد كلفه غالياً ، حيث تمرد عليه الناكثون ونقضوا بيعته ، وجمعوا الجيوش لحربه ، وتسببوا بقتل عشرات الآلوف من المسلمين .
وأما فيما يرتبط بالنوع الثاني ، فقد كان « عليه السلام » يعمل على إزالة الشبهة عن الناس ، ولم يمارس العنف ضد أحد ، لأن الشبهة كانت لا تزال قائمة ، وكان التعلل بها يمنع من اتخاذ أي إجراء ، لأن الناس سيرون أنفسهم مظلومين معه ، فإنهم كانوا يرون أنهم قد أخذوا تلك الأمور عن صحابة رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . وعليهم أن يحسنوا الظن بهم ، وأن يلتمسوا لهم الأعذار ، ولا يرون مانعاً من تقليدهم والأخذ عنهم . .
وشاهدنا على ذلك : أنه « عليه السلام » لما أراد منع الناس من صلاة التراويح ، صاح الناس : وا سنة عمراه 1 .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 2.

  • 1. راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 2 ص 283 وج 1 ص 269 والصراط المستقيم ج 3 ص 26 والكافي ج 8 ص 63 وتلخيص الشافي ج 4 ص 58 وراجع : الجواهر ج 21 ص 337 ووسائل الشيعة ، باب (10) من أبواب نوافل شهر رمضان ، كتاب الصلاة ، وكشف القناع ص 65 ـ 66 وسليم بن قيس (ط مؤسسة البعثة) ص 126 وتلخيص الشافي ج 4 ص 58 وبحار الأنوار ج 31 ص 7 و 8 وج 34 ص 181 و (ط قديم) ج 8 ص 284 والشافي في الإمامة ج 4 ص 220 وتقريب المعارف ص 347 وكتاب الأربعين للشيرازي ص 562 وإحقاق الحق (الأصل) ص 247 .
  • 2. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، السؤال رقم (188) .