الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حرمة الاستمناء العادة السرية

من الواضح جداً في الشريعة الإسلامية أنّ الزنا محرّمٌ تحريماً قطعيّاً لا ريب فيه ولا شك، وليس أدلُّ على ذلك من قوله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ 1.

وكما حرّم الإسلام الزّنا، حرَّم كذلك كلّ فعلٍ جنسيّ خارج إطار الضّوابط الشّرعيّة المقرّرة في هذا المجال كالنّظر أو اللمس للمرأة الأجنبيّة بشهوة، أو أن يمارس الإنسان ما يسمّى بـ"العادة السريّة" وفق العُرف، وبالإصطلاح الشّرعي بـ"الإستمناء". وسوف نقف عند موضوع الإستمناء نظراً لحرمته أولاً، ثمّ نظراً لآثاره السلبيّة على صحة ونفسيّة الشّاب ثانياً، ثمّ نطرح الحلول النّاجحة لعلاج المُبتلين بهذه الآفّة المحرّمة شرعاً.

أولاً: حرمة الإستمناء

ورد في السيرة عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قد أُحضِرَ إليه رجلٌ كان قد عبث "بذكره" أي "الآلة الجنسيّة" عنده حتى أنزل، أي "حتى حصلت لديه الشّهوة وخرج السائل المنويّ منه". ثمّ تقول الرواية بأن الإمام (عليه السلام) ضربه على يده حتى احمرَّت، ثمّ زوَّجه من بيت المال. فالمفهوم من هذه الرواية أنّ الإستمناء "حرامٌ" شرعاً، وتعريفه: هو عبارةٌ عن أن يلعب الإنسان بآلته الجنسيّة بمفرده حتى ينزل المني، أو أن يقوم بتخيُّل الفعل الجنسيّ حتى يحصل معه ذلك، أو عبر أيّ فعل كالنّظر أو اللمس للأجنبية بشهوةٍ وإلى ما هنالك من أمثلةٍ في هذا المجال يمكن أن تؤدّي إلى إنزال المني بغير صورة مشروعة. وقد رتَّب الفقهاء على حرمة الإستمناء أحكاماً شرعيةً، ومن أهمها اعتبار الصّوم باطلاً فيما لو مارس الصّائم هذا الفعل أثناء النّهار واعتبروه من المفطرات عمداً ومن موجبات الكفّارة الكبيرة أي "صيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً"، كما رتّبوا عليه الحكم بوجوب التعزير من جانب الحاكم الشرعي كما تشير الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) التي ذكرناها، والتعزير هو: عبارةٌ عن العقوبة الشرعيّة غير المحدّدة والتي يقرّرها الحاكم الشّرعيّ أو المندوب من طرفه للجنح أو الجرائم غير المنصوص على عقوبتها بالتّحديد في الإسلام، وقد رأينا في الرواية أنّ الإمام وجد أنّ العقوبة هي ضرب الفاعل على يده حتى يحصل الإحمرار، وكما تشير الرواية في دلالتها إلى أنّ فاعل هذا الأمر المُنكر إذا كان قد مارسه وهو غير قادرٍ على الزواج، فعلى الدولة الإسلاميّة إذا كانت حاكمةً ومُسيطرةً ومبسوطة اليد أن تساعد هذا الإنسان وأمثاله على الزواج عبر إداراتٍ مُخصّصةٍ لذلك، أو أموالٍ مرصودةٍ لهذا الأمر.

وأمّا خروج المني فهو غير حرامٍ في ثلاث حالات:

أ – بين الزوج وزوجته: هنا يجوز القيام بهذا الفعل بيد الزوجة، لكنّ شرط قيام الزوج بهذا الفعل أن تكون الزوجة حاضرة معه وليس بمفرده ولو كانا معاً في المنزل الزوجي، لأن العلاقة الجنسية بين الزوجين ليس لها كيفيّة محددة طالما أنّها لا تخرج عن إطار الضوابط والأحكام الشرعية.

ب – ما يسمى بـ"الإحتلام"، وهو عبارة عن خروج "المني" بمفرده أثناء النوم أو اليقظة ولكن من دون إرادة ممّن خرج منه هذا السائل. ولا يبطل به الصوم كما أفتى الفقهاء بذلك وليس عليه عقابٌ أبداً، لأنّ العقاب مخصوصٌ بالفعل الإراديّ غالباً.

ج – الضرورة الصحيّة أو الطبيّة مع عدم توفّر وسيلةٍ أخرى، كما لو فرضنا أنّ إنساناً ما يريد فحص "الحيوان المنوي" لديه لعلاج مرضٍ معينٍ ولم يكن متزوّجاً، ولا يتسنّى له أن يحصل على هذا االغرض بطريقٍ شرعي، وكان العلاج ضرورياً عليه، ففي هذه الحالة يجوز للإنسان فعل "الإستمناء" للضرورة، وقد رفعت الآية القرآنية كما الحديث الشريف الحكم الشرعي عن المضطر: ﴿ ... فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ... 2، أو: (رفع عن أمتي ما لا يعلمون.... وما اضطروا إليه...).

ثانياً: آثاره الصحية والنفسية السلبية

إنّ ممارسة العادة السرية "الإستمناء" تؤدّي مع إستمرار المداومة على هذا الفعل إلى إصفرارٍ عند الإنسان، وهذا دليلٌ على الأثر السلبي الصحي الذي تُحدثه هذه العادة، مُضافاً إلى أنّ الإعتياد عليها قد يُضعف القوة الشهوانية عند الإنسان، خصوصاً إذا علمنا أنّ أكثر المُبتلين بهذه العادة السيئة هم البالغون حديثاً، ومن هم في سنّ المراهقة غالباً، وكذلك فإنّ ممارسة هذه العادة قد تحدث عند الإنسان نوعاً من الكبت والإبتعاد والإنزواء، وهو لا شك مرضٌ نفسيٌّ خطيرٌ له مضاعفاته على حياة الإنسان وتوجهاته وتركيزه. وهنا يحاول البعض من المتشدّقين والمنبهرين بالثقافة الغربية القول بأن "الإستمناء" "هو خطوة على طريق الحياة الجنسية"، أو إنّ عدم القيام بهذا الفعل يؤدّي إلى "إضطرابات نفسية" أو "ضغوطات جسدية" وما شابه ذلك من كلامٍ لا يدعمه دليلٌ شرعيٌّ أو علميّ، ونحن نعتبر أنّ أمثال هؤلاء هم الأبواق التي تسعى لترويج الثقافة الغربية الإنحلالية والإباحية في مجتمعاتنا الإسلامية لإبعادها عن أصالتها الدينية والروحية والإيمانية والأخلاقية، ولو أنّ الإسلام – هذا الدين المنفتح على الحياة من أوسع أبوابها – يعلم بأنّ في هذا الفعل مصلحةً لما حرَّم ذلك بل لكان قد أباحه بل أوجبه أيضاً. وهناك مسألةٌ مهمّةٌ في تحريم الإستمناء لا بدّ من إلفات النّظر إليها وهي: (أنّ المادّة الخارجة وهي "المني" هي الأساس وفق القانون الطبيعي لتلقيح البويضة عند المرأة ثمّ الإنجاب، فقد يكون التّحريم ناتجاً عن أنّ الله عزّ وجلّ لا يريد لهذه المادة أن تضعف من خلال مزاولة الإستمناء من أجل الحفاظ على القيمة المعنوية الكبيرة للإنسان من جهة، ولأنّ هذا الأمر قد يؤدّي دوراً سلبياً في المستقبل على مستوى نشوء الإنسان وتكوينه في رحم أمّه، بينما تكون المحافظة على هذه المادة تبقيها سليمةً من أيّ عيبٍ أو نقصٍ ماديٍّ أو روحيّ).

ثالثاً: علاج "الإستمناء المحرّم"

لا شك أنّ الإسلام عندما يحرِّم فعلاً ممّا يمكن الإبتلاء به، فهناك حلول شرعية روحية ومادية يمكن الإستناد إليها لعدم الوقوع في فعل ذلك الحرام، ومنه ما نحن فيه، حيث يمكن علاج "الإستمناء" بما يلي من الوسائل الروحية والمادية:

أ – الوسائل الروحية

1 – الدعاء

وهو سلاحٌ فعّالٌ في كل الحالات، وخاصة في مجالات محاربة فعل الحرام حتى ورد في الحديث: (الدعاء سلاح المؤمن)، و(مخ العبادة الدعاء)، وقال الله تعالى: ﴿ ... إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ 3 حيث فسر المفسرون "العبادة" هنا بـ"الدعاء"، فهو يورث طمأنينة النّفس وراحة البال التي تقوّي إرادة الإنسان لعدم فعل الحرام الذي فيه غضب الجبّار وسخطه وعقابه.

2 – الصوم

وقد قال تعالى في سورة النور: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... 4، حيث فُسِّر "الإستعفاف" بـ"الصبر"، ولا شكّ أنّ الصوم من أبرز مفردات المساعدة على الصّبر لأنه يُضعِفُ الشّهوة عند الإنسان الصّائم، مُضافاً إلى الحرمة المضاعفة لارتكاب هذا الفعل أثناء الصّوم، وقد ورد في تفسير هذه الآية ما يشير إلى أنّ الصوم هو أحد أنواع العلاج لمن ليس بقادر على الزواج لتأمين حياته الجنسيّة، بدلاً من عدم الصّبر وسلوك طُرق الحرام الشهوانيّة ومنها "الإستمناء".

3 – قراءة القرآن

ولها نفس مفعول الدعاء وأكثر، لأنّ القرآن علاجٌ لكلّ داءٍ ودواءٌ شافٍ لأمراض الروح التي هي الأساس المحرّك للبدن كما يقول القرآن نفسه: ﴿ ... أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 5، ولا شكّ أنّ مرتبة القرآن متقدمةٌ على مرتبة الدعاء، لأنّ القرآن كلام الله مباشرةً، بينما الدعاء هو كلام المعصوم التالي لكلام الله في الأهمية.

ب – الوسائل الماديّة

1 – الزواج الدائم

فمن كان مُبتلاً بهذه العادة السريّة السيّئة أو بغيرها من الأمور المحرّمة في عالم الحياة الجنسيّة فالحلّ الأساسيّ والنّافع والنّاجح والذي له الأولويّة في وسائل العلاج هو "الزواج الدائم" الذي يستطيع أن يشبع حاجة الإنسان الجنسيّة، وهو ما شجّع عليه الإسلام ورغَّب فيه كثيراً، ونهى عن بقاء الشّباب خصوصاً بلا زواج لما لذلك من مخاطر ومفاسد، ليس أقلها إلاّ ما نحن فيه من الإبتلاء بهذه العادة المنحرفة، ولذا ورد في الحديث: (من تزوّج أحرز نصف دينه...)، أو (... ثلثا دينه) في رواية أخرى، فالزواج حصنٌ منيعٌ لعدم الإنحراف والإنجرار وراء الشّهوة المحرّمة بكلّ أشكالها وكيفيّاتها.

2 – الزواج المؤقت

والمعروف بـ"عقد المتعة"، وهذا علاجٌ لكلٍّ من الرجل و المرأة إذا كانت أرملةً أو مطلّقةً، فالرجل بحاجةٍ لقضاء حاجته الجنسيّة كما لو فرضنا أنّه ليس بقادرٍ على تأمين مستلزمات الزواج الدائم، والمرأة المطلّقة أو الأرملة إنسانٌ لديه شهواتٌ أيضاً، فيمكن لكلّ من الطرفين إشباع حاجة الآخر في الحد الأدنى حتى لا يُبتلى لا الرجل ولا المرأة بسلوك طرقٍ منحرفةٍ، وهذا العقد يحدّ كثيراً بل يمنع من إنتشار الزّنا وسائر العادات الجنسيّة السيّئة الذكر أيضاً.

3 – الرياضة البدنيّة أو الهوايات بشكلٍ عام

وهذه في حال تعذّر الحلّين الأوّلين أو في موازاتهما لمن قدر عليهما أو على أحدهما أن يعوِّد نفسه على ممارسة أنواعٍ معيّنةٍ من الرياضات تملأ أوقات فراغه حتى لا يُبتلى بالعادة السيئة، مُضافاً إلى أنّ ممارسة الرياضة صحّةٌ للبدن وقوةٌ للإنسان، أو عبر هواياتٍ أخرى كالقراءة أو الكتابة أو أيّ شيءٍ آخر كالزيارات للأخوة والأهل والأقارب والأصدقاء، وبالجملة أن يعوِّد الإنسان نفسه على ملء وقت الفراغ لديه.

4 – الإجتناب عن الإختلاء بنفسه

لأنّ ضعيف الإرادة إذا اختلى بنفسه قد تُسوِّل له نفسه ممارسة العادة السريّة، وليَسْعَ غالباً إلى عدم توافر هذه الخلوة، لأنّ الشيطان يمكن أن يتسلّل إلى الإنسان في مثل هذه الحالة ليُزيّن له فعل الحرام، ولو فرضنا أنّه اختلى بنفسه وأحسّ منها الضعف فليبادر إلى الخروج والقيام بأيّ فعلٍ يمنعه من سيطرة شيطان الشّهوة على نفسه ولو داخل بيته أو محلّ إقامته وما شابه.

وحتى لا نطيل القراءة على الأخوة والأخوات يمكنهم مراجعة كتاب "أجوبة الإستفتاءات"/الجزء الأول/العبادات/فصل الصوم/من صفحة "239 إلى صفحة 241/ للإطلاع على الأسئلة والأجوبة الموجّهة للقائد الإمام الخامنئي "دام ظله" تحت عنوان (الإستمناء حال الصوم وغيره). ومن نماذج تلك الإستفتاءات نختار ما يلي:

1 – س – 796: إذا علم المكلَّف أنّ الإستمناء مُبطلٌ للصوم وتعمَّده، فهل يجب عليه كفّارة الجمع، وإذا لم يكن عالماً بأنّه يُبطِل الصوم واستمنى فما هو حكمه؟

جواب: في كلتا الصورتين إذا استمنى عمداً فعليه كفّارة الجمع أيّ "صيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً".

2 – س – 799: هل يجوز للزوج الإستمناء بيد زوجته، وهل هناك فرق بين كونه أثناء عمليّة الجماع أم لا؟

جواب: لا مانع من ملاعبة الزوج لزوجته، ومسّ بدنه ببدنها إلى أن يُمني، كما لا مانع من لعب الزوجة بآلة الزوج حتى يُمني، وهذا ليس من الإستمناء المُحرَّم.

3 – س – إبتُلي شخصٌ ولسنواتٍ عديدةٍ بممارسة العادة السريّة في شهر الصّيام وغيره، فما هو حكم صلاته وصيامه؟

جواب: يحرم الإستمناء مُطلقاً، وإذا أدّى إلى خروج المني فهو موجب للجنابة، ولو كان ذلك منه في حال الصوم كان بحكم الإفطار على المحرم، ولو صلّى أو صام وهو مُجنب من دون غُسل ولا تيمُم فصلاته وصومه باطلان ويجب عليه قضاؤهما. وأخيراً نعوذ بالله من الإبتلاء بهذا الفعل الحرام وغيره والحمد لله رب العالمين6.

2 Comments