الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مؤيدات أخرى لولاية فاطمة الزهراء

ويؤيد استفادة ولايتها من الآيات والروايات المتقدمة أمور أخرى منها:

كون ولاية زواجها بيده تعالى خاصّة، دون الرسول صلى الله عليه وآله ودون الإمام المعصوم، مع أن مقتضى قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... 1 هو ولايته على كل أفرادالمؤمنين مقدمة على ولايتهم على أنفسهم، ومن ثَم زوّج النبي صلى الله عليه وآله من زيد بن حارثة مولاه، مع أنها كانت كارهة لذلك، فضلًا عن كراهية أهلها، فنزل في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ 2.
وكذلك الحال في الإمام المعصوم حيث يرث مقام الرسول فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في شؤونهم الفردية كما هو وليهم في امورهم العامّة.

إلا أنّ في خصوص الزهراءعليها السلام قد ورد من طريق الفريقين 3  أنّ ولي امرزواجها هو اللّه تعالى خاصّة. وهذا مما يقتضي كون مقامها ذو شأن خطير، وانّ لهانحو من الولاية لبلوغها تلك الدرجة التي تضطلع بأهلية خاصّة، تتقيد قيمومته صلى الله عليه وآله بما هو الرسول عليها.
وهذا الاقتضاء مطرد في باب الولاية وماهيتها، فانّ انحسار ولاية الولي على المولى عليه مع فرض واجدية الولي وأهليته للقيمومة لا يكون إلا ببلوغ المولىعليه درجة من الكمال يضطلع بها بشؤون الولاية، كما في سائر موارد المولى عليهم.

منها: ما ورد من نصوص الفريقين- التي مرت في المقام الثاني وعن طرق الشيعة ما رواه في كشف الغمّة- كما في البحار 43: 141- قول رسول اللّه صلى الله عليه وآله لأبي بكر عندما خطب فاطمة عليها السلام أمرها إلى ربّها، وقال لعمر مقالته لأبي بكر كذلك. وقوله صلى الله عليه وآله لأشراف قريش عندما خطبوهافردّهم: إنّ امرها إلى ربّها، إن شاء أن يزوّجها زوّجها.
- من أنه لم يكنلها كفو- لولا علي 4- من آدم فما دونه، اذ مقتضى عنوان الكفو، المشاركة والمعادلة في الجملة، ونظير ما ورد من الرواية في تفسير قوله تعالى» مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان «انّ البحرين هما علي وفاطمة، والبرزخ هو النبي صلى الله عليه وآله وأنه لايطغي أحدهما على الاخر فقد روي في تفسير البرهان عن الكليني والصدوق وتفسير محمد بن عباس وغيره من كتب الاصحاب المعروفة احدى عشر طريقاً لهذه الرواية وكذا من طرق أهل السنّة، ففي رواية يحيى بن سعيد العطار قال:» سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان، قال: علي وفاطمة عليهما السلام بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين عليهما السلام «، وفي رواية أخرى فُسر البرزخ الذي بينهما برسول الله صلى الله عليه وآله 5.
ومفاد هذه الروايات المتقدمة دال على نحو مشاركة لها عليها السلام في الولاية لما هومقرر من تلازمها مع المقام العلمي اللدني ونحوه من المقامات الغيبية، وبهذا التقريب يستشهد لولايتها العامّة بروايات اشتقاق النور.

منها: ما رواه المجلسي في بحاره مسنداً الى سلمان الفارسي قال: سفيان الثوري وسعيدبن جبير.
دخلت على رسول صلى الله عليه و آله فلما نظر اليّ قال: يا سلمان انّ الله عزوجل لم يبعث نبياً ولا رسولًا إلا جعل الله له اثني عشر نقيباً قال: قلت يا رسول الله قد عرفت هذا من الكتابين، قال: يا سلمان فهل علمت نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للامامة من بعدي؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا سلمان خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعته وخلق من نوري علياً فدعاه الى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي عليه السلام فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي ومن فاطمة، الحسن والحسين فدعا هما فأطاعاه فسمانا الله عزوجل بخمسة أسماء من أسمائه فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله فاطرو هذه فاطمة والله الاحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين 6.

اذ من الواضح أن مفاد اشتقاق النور هو بيان لمقاماتهم عليهم السلام بحسب التكوين المترتب عليها الولاية بحسب التكوين والتشريع.
ومنها الروايات المتقدمة في مصحف فاطمة عليها السلام 7.

ومنها: ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا باسناده عن علي بن موسى الرضا عليه السلام في حديث تزويج الله تعالى لفاطمة من علي عليهما السلام، الى أن قال: فقال الله عزوجل: يا راحيل ان من بركتي عليهما علي وفاطمة اني أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجتي على خلقي وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقاً ولأنشأنّ منهما ذرّية مباركة طاهرة أجعلهم خزاني في ارضي ومعادن لحكمي بهم احتج على خلقي بعدالنبيين والمرسلين ... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولقد اخبرني جبرئيل عليه السلام: انّ الجنّة وأهلها مشتاقون اليكما ولولا أن الله تبارك أراد أن يتخذ منكما ما يتخذ به على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة واهلها .. 8.

ومنها: الروايات المتقدمة في أن الله تعالى يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها، مما يدل على حجيتها كما تقدم من دون تقييد لذلك بالعلوم التي صدرتمنها أي ليست حجيتها بالوساطة العلمية فقط بل يعمّ رضاها في الامور العامّةوغضبها فيها. كما تجلى ذلك واضحاً في موقفها عليها السلام بُعيد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في رسم الخلافة الاسلامية لكل الاجيال، ومن ثَمَ دارت اربعين ليلة على المهاجرين والانصار تستحثهم على مناصرة علي وتجديد البيعة له، مما يدل على اشرافها ومسا همتها في تدبير أس الامور العامة وهي الخلافة.
ونظير ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عند احتضاره صلى الله عليه وآله: يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل عليه السلام 9. فانّ مقتضى مادة الامرثبوت نحو ولاية للآمر، وان كان علي عليه السلام اماماً لفاطمة عليه السلام.

وفي رواية العباس عن ابي جعفر الاحول قال: قال ابو عبدالله عليه السلام: ما تقول قريش في الخمس قال: قلت انها (أنه) لها، قال: ما انصفونا والله، لو كانت مباهلة لتباهلن بنا وان كانت مبارزة لتبارزن بنا، ثم يكون هم وعلي سواء 10.
وتقريب دلالتها، أنه عليه السلام جعل الملازمة بين من يباهل بهم، ومن له الولاية على الخمس والذي هو أهم الضرائب المالية الكبرى في الشريعة الاسلامية.

ومقام المباهلة كما تقدم هو مقام الاحتجاج أي من يكون حجة على حقانية الدين وله هذا المقام هو الذي يكون صاحب ولاية في الخمس، وهذا الحال سيان في الفيء والانفال لأن العنوان هو ذوي القربى، وأحد مصاديق من قامت بهالمباهلة، هو الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام.
ومنها: ما تقدم تقريبه في آية المودة ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... 11 فإن مفاد هذه الآية ولاية ذوي القربى المعصومين منهم خاصّة على الامة، وإن كان مطلق ذوي القربى لهم مطلق المودة، وحيث تقرر ذلك:

فذوي القربى كما عرفت فيما تقدم أول مصاديقه فاطمة عليها السلام، وقد فُسرت آيةالمودة في آيات اخرى كقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 12 وكقوله تعالى:  ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ 13 وقوله تعالى:  ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ ... 14 وقوله تعالى﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ 15 أي عائد نفعه لكم، لأن مودة ذوي القربى سبيل هدايةالى الله وذكرى للعالمين، فمودة ذوي القربى نفعه عائد للعالمين أنفسهم، وهذامما يعضد أن مودتهم هي بدرجة الولاية لهم والاهتداء بهم كسبيل الى الله تعالى، وحجيتهم على الخلائق، فيكون كل ذلك ثابت لها عليها السلام. وكيف لا تكون هي أبرز من يندرج في مودة ذوي القربى وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وآله عن طرق الفريقين:» انّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها 16.

 

  • 1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
  • 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 36، الصفحة: 423.
  • 3. فقد ورد عن طرق أهل السنة ما تواتر من قوله صلى الله عليه وآله- عندما خطب أبا بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فاطمةعليها السلام فقال:» أنتظر لها القضاء «ثم خطب اليه عمر، فقال:» أنتظر لها القضاء «الخبر وقد روى ذلك الطبراني في المعجم الكبير 10: 156، كنز العمال 11: 600 ميزان الاعتدال 2: 671، ينابيع المودة 2: 89، الجامع الصغير للسيوطي 1: 258، الكشف الحثيث: 174، تاريخ مدينة دمشق 37: 13، ذخائر العقبى للطبري: 29، المنتقى من اتحاف السائل بما لفاطمة منالمناقب والفضائل للشافعي القلقشندي: 66، المختار من مسند فاطمة الزهراء للسيوطي: 157 وابن شاهين المروزي في كتاب فضائل فاطمةعليها السلام والبلاذري في تاريخه عنهما البحار 107- 43.
  • 4. لاحظ ما تقدم، ولاحظ البحار: 43 فقد أورد المجلسيرحمه الله عدّة روايات.
  • 5. البرهان 266- 4: 265. وكذا ما رواه الثعلبي في تفسيره يرويه برواية .
  • 6. البحار 43: 6، ومنها ما رواه في الجزء 30: 67، وج 35: 27 و 28،وج 37: 83، وج 40: 44، وج 47: 167، وج 43: 17، وج 202- 57: 192.
  • 7. مرّ في المقام الثاني: حجيتها على حجج الله المعصومين عليهم السلام .
  • 8. عيون اخبار الرضاعليه السلام للصدوق: 176، ورواه الصدوق باسناد اخر عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ورواه باسناد ثالث في الامالي عن الصادق عليه السلام وفي البحار 103- 43: 101.
  • 9. البحارج 22: 484 .
  • 10. الوسائل باب قسمة الخمس ح 15.
  • 11. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
  • 12. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 57، الصفحة: 365.
  • 13. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 90، الصفحة: 138.
  • 14. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 47، الصفحة: 433.
  • 15. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 104، الصفحة: 248.
  • 16. المصدر: كتاب مقامات فاطمة الزهراء تحرير سماحة السيد محمد علي الحلو رحمه الله.