الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

العفو و الحلم

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله عز وجل:﴿ ... فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ 1 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة له: ألا أخبركم بخير خلائق(جمع الخليقة وهى الطبيعة والمراد هنا الملكات النفسانية الراسخة) الدنيا والآخرة: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والاحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك.‏

وقال صلى الله عليه وآله: من أحب السبيل إلى الله عز وجل جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة مصيبة تردها بصبر.‏

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة.‏

وعن محمد بن عبيد الله قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما، وإن الرجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين.‏

جزاؤه

﴿ ... وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ... 2.

عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم ينادي مناد: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس (أي جماعة من الناس والرؤساء) فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلما، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة.‏

كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه.‏

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: إن الله عز وجل يحب الحيي الحليم.‏

عن سعيد بن يسار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت (التكرار لبيان كثرة الشتم وقول الباطل) وأنت أهل لما قلت، ستجزي بما قلت ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك، قال: فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان.‏

تعلم الحلم

﴿ ... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 3.

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ 4.

﴿ ... وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 5.

قال أبوعبدالله عليه السلام: إذا لم تكن حليما فتحلم.‏

العفو والعز

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:عليكم بالعفو، فان العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فتعافوا يعزكم الله.‏

عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزا: الصفح عمن ظلمه، وإعطاء من حرمه، والصلة لمن قطعه.‏

قال أبوعبدالله عليه السلام: ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عزوجل عزا في الدنيا والآخرة ; وقد قال الله عز وجل:﴿ ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 6 وأثابه الله مكان غيظه ذلك.‏

الرضا والأمن

حدثني من سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول: من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه.‏

عن أبي جعفر عليه السلام قال: من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة.‏

عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا زيد اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه، يا زيد إن الله اصطفى الإسلام واختاره، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل أتاه: ألا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أنل مما أنالك الله(أي أعط المحتاجين مما أعطاك الله تعالى) قال: فان كنت أحوج ممن أنيله؟ قال: فانصر المظلوم، قال: وإن كنت أضعف ممن أنصره؟ قال: فاصنع للأخرق(الخرق بالضم: الجهل والحمق، والأخرق: الجاهل بما يجب أن يعمله ومن لا يحسن التصرف في الأمور) يعني أشر عليه(أرشده للخير) قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟ قال: فاصمت لسانك إلا من خير، أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة؟.‏

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رأيت ليلة أسري بي قصورا مستوية مشرفة على الجنة، فقلت: يا جبرئيل لمن هذا ؟ فقال: الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.‏

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: من كثر عفوه مد في عمره.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض.‏

قصة في العفو

كان مالك الأشتر رحمه الله ماراً في سوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة من خام‏

أيضاً.. فرآه شخص يغلب عليه الطيش فاحتقره لثيابه العادية هذه.. ورماه ببندقة طين فلم يلتفت إليه الأشتر ومضى.‏

فقيل له: هل تعرف من رميت؟‏

قال: لا.. قيل: هذا مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام)

وقد كان حديث مالك بين الناس على كل شفة ولسان.‏

فارتعد الرجل، وتبع الأشتر ليعتذر إليه، فوجده قد دخل مسجداً، وهو قائم يصلي.‏

فلما فرغ من صلاته وقع الرجل على قدميه يقبلهما قائلا للأشتر: أعتذر إليك مما صنعت.‏

قال الأشتر: والله مادخلت المسجد إلا لأستغفر لك7.‏