مجموع الأصوات: 23
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1261

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

أهداف الأنبياء عليهم السلام

قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ 1.
تشير الآية الكريمة إلى الأسباب العامة التي تدعو إلى بعث الانبياء وإرسالهم للبشر، ونعزو ذلك إلى ما يلي:
أولاً : تلاوة الآيات الإليهة على البشر من الخارج ومن أنفسهم .

ثانياً : تزكية نفوسهم مما علق بها وأدى إلى تراكمها على الفطرة السليمة وعلى العقل .

ثالثاً : تعليمهم الكتاب المتضمن قواعد السير والسلوك في الدنيا .

رابعاً : تعليمهم الحكمة التي تعينهم على كيفية التدبر والتصرف في الأمور .

وهذه الأسباب التي تذكرها الآية الكريمة هي التي يمكن أن ندرجها تحت عنوانين كبيرين يعتبران الجامع الأساس وهما :

الأول : إزاحة كل الشبهات والمعوقات من أمام العقل والفطرة المودعين عند الانسان.

الثاني : تسخير الطاقات الإنسانية المبدعة لإيجاد الحياة الاجتماعية السائرة نحو الخالق العظيم بالاستناد إلى التشريع الإلهي.

ثم تشير الآية إلى أن الواقع الذي كان قائماً وأدّى إلى إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو الضلال ..، ولا ريب أنه المقابل للهدى، وإذا أردنا أن نصوغه ضمن مفرداته، لنتج عندنا الكثير من الأمور المتقابلة بين ما يدعو إليه الأنبياء، وبين ما هو الواقع القائم .

فالإيمان مقابل الكفر .

والخير مقابل الشر .

والسلام مقابل الحرب .

والإصلاح مقابل الإفساد .

والبناء مقابل الهدم .

والتهور مقابل التدبير .

والانضباط مقابل الفوضى .

والحوار مقابل العصبية والتحجر .

والعقل مقابل الشيطنة .

والاستقامة مقابل الانحراف .

وإلى ما هنالك من عناوين تندرح تحت ما دعى إليه الأنبياء من جهة، وبين ما هو الضلال .

ومن الواضح أن إمكانية التلاقي والتفاعل بين نموذجين مما لا يمكن أن يتحقق إلا على حساب دعوة الأنبياء، لأن المقابل لهم لن يتخلوا عن ما هم عليه بسهولة ويسر، خاصة إذا كانوا في المواقع القوية التي يتوهمون أنهم يخسرون فيما لو سمحوا للأنبياء عليهم السلام أن ينشروا كل تلك المفردات الإلهية الصافية التي تتعامل مع الإنسان من موقعيته الإنسانية، لأنها ترى فيه المؤهلات والاستعدادات التامة للتلقي والاستماع لما ينسجم مع أصل الفطرة والعقل السليم، بينما الواقع يخاطبه وفق الموازين والأسس التي بحسبها ينقسم الناس إلى فئات وطبقات .

فالصراع على هذا هو بين دعوة تحمل في ذاتها العدالة والخير والاحترام للإنسان وتبقى قادرة على العطاء والإنتاج، وبين الواقع الذي يأخذ من الإنسان الكثير ليعطيه القليل فقط، ويعطل فيه بالتالي الطاقات والقدرات لمجرد أنه خلق بوصف معين أو بحالة محدودة .

لأجل هذا كنّا نجد على الدوام سرعة الاستجابة مع دعوات الأنبياء من جانب الفئات التي كانت تعيش على هامش المسيرة الإنسانية كالمستضعفين والفئات المحرومة والمسحوقة بسبب التقسيم الظالم والمنطلق من الحفاظ على مصالح الأقوياء في مقابل الضعفاء .

ولهذا نجد أن الآية تعبر عن الذين أرسل الله إليهم النبي بأنهم " الأميون " باعتبار أن الطريقة التي يسلكونها في الحياة بعيدة عن الطريقة السليمة ولا تحقق الغايات والأهداف الإلهية بسبب العجز الإنساني في صوغ مثل ذلك القانون المتكامل من كل النواحي المحتاجة إليه الحياة مادياً ومعنوياً .

ولأجل أن الواقع الأمي بالمعنى القرآني لا يزيد المسيرة الإنسانية الا بعداً وانحرافاً وتخبطاً في التيه والضلال، كان لا بد من بعث الأنبياء على الدوام ليكونوا عناصر الإنارة والهداية بما هم عليه من سلوك وقواعد للحياة ليطبقوها في خضم ذلك الواقع، وبما هم حاملون له من الأمانة الإلهية لإيصالها للمجتمعات البشرية كونهم الأكثر صدقية وانسجاماً مع الطروحات التي جاؤوا بها .

وفي هذا الزمن ، حيث لم يعد من الممكن إرسال الأنبياء، إلا أن تراث المسيرة الإلهية العامة في المجتمع في " الإسلام " هو القادر على تغيير هذا الواقع الظالم والأسود و " الأمي " بالتعبير القرآني، ولعل العالم الإسلامي هو المؤهل بالدرجة الأولى لكي يتولى عملية التغيير هذه، كونه المتصف بوصف الملتزم بالرسالة الإلهية الخاتمة.

لهذا نحن نعتبر أن الدعوة إلى الله لإنقاذ البشرية مما تعاني لا تختص بزمن أو فئة، لأن عناصر الإثبات لهذه الدعوة ما تزال قائمة ومنتشرة في عالم اليوم بأوضح ما كانت عليه في الأزمنة السابقة التي أخبر القرآن عنها والتاريخ كذلك، وواجبنا أن نبلّغ هذه الرسالة ونعلمها للناس على طريقة الأنبياء عليهم السلام وعلى رأسهم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم. 2