مجموع الأصوات: 11
نشر قبل 8 أشهر
القراءات: 866

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

إثبات الحسن والقبح العقليّين في القرآن الكريم

توجد آيات قرآنية تدل بظاهرها على أنّ العقل البشري قادر بذاته على إدراك حسن وقبح بعض الأفعال ، ومن هذه الآيات :

1 ـ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 1

وجه الدلالة :

تبيّن هذه الآية بأنّ الكفار كانوا يفعلون القبائح مع اعترافهم بقبحها ، ولكنهم يعتذرون عن ذلك بأنّ اللّه تعالى أمرهم بها، فأبطل اللّه تعالى مقالتهم، وبيّن في هذه الآية بأ نّه تعالى لا يأمر بالفحشاء .

تنبيه :

إنّ ظاهر قوله تعالى: هو أنّ اللّه تعالى ينهى عن الفحشاء ، لأنّ الفحشاء قبيحة في نفسها ، لا أنّ الفحشاء تكون قبيحة بعد نهي اللّه تعالى عنها 2.

2 ـ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ... 3

وجه الدلالة :

تبيّن هذه الآية بأنّ الشريعة تحرّم ما يكون قبيحاً في نفسه .

والفاحشة: "هي الفعلة أو الخصلة التي فحش قبحها في الفطر السليمة والعقول الراجحة التي تميّز بين الحسن والقبيح والضار والنافع"4.

تنبيه :

لو كان القبيح ما نهى عنه الشارع فقط ـ كما ذهبت إليه الأشاعرة ـ :

فسيكون معنى قوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ... 3: "قل إنّما حرّم ربي ما حرّم" !

وهذا المعنى بعيد عن الفصاحة والبلاغة .

3 ـ﴿ ... أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ... 5

وجه الدلالة :

إنّ هذه الآية تشبه الآية السابقة في وجه الدلالة .

أي: لو كان القسط عبارة عما أمر به الشارع فقط ـ كما ذهبت إليه الأشاعرة ـ :

فسيكون معنى هذه الآية: "أمر ربي ما أمر به" !

وهذا المعنى بعيد عن الفصاحة والبلاغة .

فنستنتج بأنّ "القسط" حسن بذاته، ولهذا أمر اللّه تعالى به ، وليس "القسط" حسنٌ لأنّ اللّه تعالى أمر به .

4 ـ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ 6

وجه الدلالة :

إنّ تعليل قبح الشرك بأ نّه ظلم عظيم يدل على أنّ قبح هذا الفعل تابع لملاك عقلي وهو قبح الظلم .

فالشرك قبيح، لأ نّه ظلم .

والظلم قبيح، لأ نّه قبيح بذاته، وما هو قبيح بذاته لا يعلّل قبحه بعنوان آخر .

5 ـ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ... 7

وجه الدلالة :

إنّ "المعروف" هو ما تَعرف العقول السليمة حُسنه ، وترتاح له القلوب الطاهرة لموافقته للفطرة الإنسانية .

وإنّ "المنكر" هو ما تَعرف العقول السليمة قُبحه ، وتشمَئزّ منه القلوب الطاهرة لمنافرته للفطرة الإنسانية .

وأمّا تفسير "المعروف" بما أمرت به الشريعة .

وتفسير "المنكر" بما نهت عنه الشريعة .

فهو من قبيل تفسير الماء بالماء !8

وإذا كان "المعروف" هو ما أمرت به الشريعة ، فسيكون معنى:﴿ ... يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... 7 أي: يأمرهم بما أمرهم به ! وهذا المعنى غير صحيح .

وإذا كان "المنكر" هو ما نهت عنه الشريعة ، فسيكون معنى:﴿ ... وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ... 7 أي: ينهاهم عما نهاهم عنه ! وهذا المعنى غير صحيح .

فيثبت وجود ما هو حسن وقبيح قبل أمر الشارع ونهيه .

6 ـ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ 9

وجه الدلالة :

إنّ هذه الآية تحتجّ على منكري القيامة ، وتبيّن لهم بأنّ إنكار القيامة يلزم كونه تعالى عابثاً في خلقه للإنسان .

ولا يتم هذا الاحتجاج إلاّ إذا كان العبث قبيحاً عندهم ، وكونه تعالى منزّهاً عن فعل القبيح .

وبما أنّ هؤلاء المنكرين لم يكونوا من المؤمنين بالرسالة ، فيكشف اعترافهم بقبح العبث أنّ هذا التقبيح نابع من عقولهم .

7 ـ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ 10

وجه الدلالة :

يفيد الاستفهام الاستنكاري في هذه الآية "التأكيد".

ويفيد سياق النفي والاستثناء في هذه الآية "الحصر".

وعليه فالآية تنص على أصل كلّي ثابت في العقول وهو: "حسن جزاء الإحسان بالإحسان" و "قبح جزاء الإحسان بالإساءة" .

8 ـ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ 11

وجه الدلالة :

تفيد هذه الآية قاعدة عقلية ثابتة، وهي حسن التفريق بين المحسن والمسيء وقبح التساوي بينهما .

وقد ترك اللّه تعالى في هاتين الآيتين القضاء والحكم إلى "العقل"، وهذا ما يدل على قدرة "العقل" على التمييز بين الحسن والقبح في هذه القضايا .

9 ـ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ 12

وجه الدلالة :

يشبه وجه الدلالة في هذه الآية ما ذكرناه في وجه دلالة الآية السابقة .

10 ـ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... 13

وجه الدلالة :

تبيّن هذه الآية وجود أُمور توصف بالعدل والإحسان والفحشاء والمنكر قبل تعلّق الأمر والنهي الشرعي بها .

وتفيد هذه الآية بأنّ الإنسان يجد من صميم ذاته ومن دون استعانته بالشرع اتّصاف بعض الأفعال بهذه الأوصاف ، بحيث لا يكون دور الشرع في هذه الحالة سوى تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن والنهي عن القبيح 14.