الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الاعراف الاسلامية بين الامس واليوم

من المعلوم أنّ شعبنا المسلم في لبنان وغالبية دول عالمنا الإسلامي تأثّرت كثيرا بالثقافة الغربية كبديلٍ عن ثقافتنا الإسلامية الأصلية، وتبع ذلك تبدّل كبير في العادات والتقاليد والأعراف كدليلٍ وبرهان من شعوبنا على اللحاق بالقوي المنتصر المتقدّم صناعياً وتقنياً وحضارياً كما كان البعض من المنظّرين للثقافة الغربية يروّج لذلك.
وكانت النتيجة أنّه ضاعت أجيال كثيرة واحتارت في أنواع الفكر الوضعي الذي سيطر على جامعاتنا ومعاهدنا ومؤسساتنا التعليمية والتربوية وانسحب ذلك على السلوكين الفردي والإجتماعي لشرائح كبيرة من المجتمع خصوصاً التي كانت على تواصلٍ مباشر مع ثقافة المستعمر وأفكاره الوضعية.
وسبب الضياع هو التخلّي عن الإسلام بحجّة أنّه العائق الأساسي أمام التقدّم والتطوّر العلميين، وأنّه السبب في تخلّفنا وتقهقرنا وانهزامنا أمام العدو الأقوى المتسلّح بالعلم والسلاح ووسائل الإتصال والمواصلات.

وانطلقت أجيالنا تبحث عن نفسها في هذا المسار الجديد بدأً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بكلّ الأحزاب والفلسفات الوضعية فيما بينهما، وصار الإسلام منسياًَ ومهملا ًولا يكاد يُذكر إلاّ في حالات الموت كشعار لا أكثر ولا أقل منه دون أن يكون له تأثير على مسار حياتنا.

واجتاحتنا موجة التقليد للغرب في كلّ شيء في سفور المرأة وظهورها شبه عارية في الشارع والبيت والأماكن العامّة، وفي.. ظهور شبابنا بمظهر الشباب الغربي في المظهر واللباس ونوعية المأكولات التي راجت في بلادنا كالوجبات السريعة للمطاعم الأمريكية بالخصوص، وفي.. الإختلاط.. في الجامعات والمعاهد العلمية مع ما ترتّب على ذلك من انحرافٍ إجتماعي وأخلاقي في السلوك لدى هذه الفئة التي كانت تتصوّر أنّ تطوّرها مرهونٌ بهذا الأسلوب المتّبع في الغرب كلّه.

وكان لانسحاب الإسلام من الحياة العامّة واقتصاره على المساجد التي كان يرتادها كبار السن غالبا ممّن تجاوزت أعمارهم السن التي تتأثّر بسرعة، أثر سلبي كبير على انتشار مظاهر الحياة الغربية، حتّى وصلت الجرأة ببعض منتجي الأفلام إلى إظهار المرأة المسلمة عارية كلياً وكأنّ هذا الأمر مظهر من مظاهر التقدّم والتمدّن والرقي الحضاري.

ونتج عن هذا التخلّي عن الإسلام أن تحوّل اهتمام المسلمين من دينهم بالدرجة الأولى إلى أمور دنياهم باعتبار أنّها الواقع الذي يعيشونه وهو الكفيل برفع مستواهم المادي والإجتماعي، وصار جمع المال سواء من طرق الحلال أو الحرام وسيلة متّبعة ومشروعة بنظرهم من دون نظرٍ إلى أنّ هناك قيودا في الإسلام تمنع المسلم من تجاوزها والتعدّي عليها حتّى لا يقع في المحذور وفعل الحرام.

وكان من الظواهر السلبية اللافتة للنظر في ذلك الوقت التخلّي عن نظام العبادات في الإسلام من غالبية فئة الشباب والفتيات، اللهم إلاّ في إجراء عقد الزواج على الطريقة الإسلامية لأنّ القوانين حتّى في الدول الخاضعة للأحكام الوضعية أبقت على الأحوال الشخصية في كثيرٍ من جوانبها وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، لولا هذا لانتشر الزواج المدني غير الشرعي، والعلاقات غير الشرعية التي انتشرت كبديلٍ عن الإرتباط الشرعي برباط الزواج المقدّس في تقليد مقيت وكرمزٍ للغرب المستهتر بكلّ القيم الإنسانية والأخلاقية والسلوكية والإجتماعية.

ولهذا كنّا نرى الإنتهاك العلني لحرمة شهر رمضان المبارك في الشوارع والساحات والبيوت، وكأنّ هذا التعرّض تعرّض عادي ولا غبار عليه ولا مشكلة فيه.

وما أدّى إلى كلّ هذا الإنحراف أيضا هو عدم تصدّي رجال الدين لموجة التغريب الفكري والسلوكي تلك، توهماً منهم أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يستطيعان الوقوف في وجه تلك الموجة الثقافية التي أخذت في طريقها كلّ مفاهيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية، حتّى أنّ السعي لإقامة دولة إسلامية في بلدٍ إسلامي ما لم تعد مدرجة على جدول أعمال رجال الدين من مراجع وعلماء كبار، لأنّ الفساد قد ذرّ بقرنه ولم يعد هناك إمكانية للإصلاح في ظلّ الأوضاع التي عاشتها الشعوب والأجيال الإسلامية إلى ما قبل أكثر من عقدين من الزمن.

هذا بشكلٍ مختصر حال الأمّة الإسلامية قبل بزوغ فجر الصحوة الإسلامية التي سنتحدّث عنها في مقالةٍ أخرى إن شاء الله تعالى.

والحمد لله ربّ العالمين1.

  • 1. نقلا عن موقع سبل السلام لسماحة الشيخ محمد التوفيق المقداد (حفظه الله).