الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الامام الثاني عشر

الخلف الصالح المهدي صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه)
هو أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري الحجّة، الخلف الصالح، ولد عليه السلام بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وله من العمر عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه اللّه الحكم صبيّا كما حدث ليحيى قال سبحانه: ﴿ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ 1 وجعله إماماً وهو طفل، كما جعل المسيح نبيّاً وهو رضيع قال سبحانه: ﴿ ... إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 2 وقد تواتر النص عليه من النبيّ الأكرم وآبائه الكرام .
اتّفق المسلمون على ظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم، والجور، ونشر أعلام العدل وإعلاء كلمة الحق، وإظهار الدين كلّه ولو كره المشركون، فهو بإذن اللّه ينجي العالم من ذلّ العبودية لغير اللّه، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة، ويبطل القوانين الكافرة الّتي سنّتها الأهواء، ويقطع أواصر التعصّبات القومية والعنصرية، ويمحي أسباب العداء، والبغضاء الّتي صارت سبباً لاختلاف الاُمّة، وافتراق الكلمة، ويحقق به سبحانه بظهوره، وعده الّذي وعد به المؤمنين بقوله:
  1. ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ 3.
  2. ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ 4.
  3. ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ 5.
ويأتي عصر ذهبي لا يبقى فيه على الأرض بيت إلاّ ودخلته كلمة الإسلام ولا تبقى قرية إلاّ وينادى فيها بشهادة «لا إله إلاّ اللّه» بكرة وعشيا .
  1. روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ولو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا 6.
  2. أخرج أبو داود عن عبداللّه بن مسعود أنّ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: لا تنقضي الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي 7.
  3. أخرج أبو داود عن اُمّ سلمة ـ رضى الله عنها ـ قالت: سمعت رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة 8.
  4. أخرج الترمذي عن ابن مسعود أنّ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي 9.
إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة الّتي بلغت أعلى مراتب التواتر على وجه يقول الدكتور عبدالباقي: إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين أو راو أو راويين انّها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريبا، اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح 10.
هذا هو المهدي الّذي اتّفق المحدّثون والمتكلّمون عليه، وانّما الاختلاف بين الشيعة والسنّة في ولادته، فالشيعة ذهبت إلى أنّ المهدي الموعود هو الامام الثاني عشر الّذي ولد بسامراء عام 255 هـ واختفى بعد وفاة أبيه عام 260 هـ ، وقد تضافرت عليه النصوص من آبائه، على وجه ماترك شكّاً ولا شبهة 11ووافقتهم جماعة من علماء أهل السنّة، وقالوا بأنّه ولد وأنّه محمّد بن الحسن العسكري.
نعم كثير منهم قالوا بأنّه سيولد في آخر الزمان، وبما أنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، فمن رجع إلى روايات أئمّة أهل البيت في كتبهم يظهر له الحق، وأنّ المولود للامام العسكري هو المهدي الموعود.
وممّن وافق من علماء أهل السنّة بأنّ وليد بيت الحسن العسكري هو المهدي الموعود:
  1. كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد القرشي الشافعي في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل رسول». وقد أثنى عليه من ترجم له مثل اليافعي في «مرآة الجنان» في حوادث سنة 650. قال بعد سرد اسمه ونسبه: «المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر، فأمّا مولده فبسرّ من رأى، وأمّا نسبه أبا فأبوه الحسن الخالص» ثمّ أورد عدّة أخبار واردة في المهدي من طريق أبي داود، والترمذي، ومسلم والبخاري وغيرهم ثمّ اعترض بأنّها لا تدل على أنّه محمّد بن الحسن العسكري وأجاب بأنّ الرسول لمّا وصفه وذكر اسمه ونسبه وجدنا تلك الصفات والعلامات موجودة في محمّد بن الحسن العسكري علمنا أنّه هو المهدي.
  2. أبو عبداللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي في كتابيه: «البيان في اخبار صاحب الزمان» و «كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب».
  3. نور الدين علي بن محمّد بن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمّة.
  4. الفقيه الواعظ شمس الدين المعروف بالسبط ابن الجوزي «في تذكرة الخواص».
إلى غير ذلك من علماء وحفّاظ ذكر أسماءهم وكلماتهم السيد الأمين في أعيان الشيعة وأنهاه إلى ثلاثة عشر، ثمّ قال: والقائلون بوجود المهدي من علماء أهل السنّة كثيرون وفيما ذكرناه منهم كفاية ومن أراد الاستقصاء فليرجع إلى كتابنا «البرهان إلى وجود صاحب الزمان» و رسالة «كشف الأستار» للشيخ حسين النوري 12.
وقد كان الاعتقاد بظهور المهدي في عصر الأئمّة الهداة أمراً مسلّماً حتّى أنّ دعبل الخزاعي ذكره في قصيدته الّتي أنشدها لعلي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ فقال:
خروج إمام لا محالة قائم *** يقوم على اسم اللّه والبركات
يميز فينا كل حق وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات
ولمّا وصل دعبل إلى هذين البيتين بكى الرضا ـ عليه السلام ـ بكاءً شديداً ثمّ رفع رأسه، فقال له: يا خزاعىّ نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم؟، فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد، ويملأها عدلا كما ملئت جوراً، فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمّد ابني (الجواد) وبعد محمّد ابنه علي (الهادي) وبعد علي ابنه الحسن (العسكري) وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا، وأمّا متى؟ فاخبار عن الوقت، ولقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي ـ عليه السلام ـ إنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قيل له: يا رسول اللّه متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلاّ هو. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة 13.
ثمّ إنّ للمهدي ـ عجّل اللّه تعالى فرجه ـ غيبتين صغرى وكبرى، كما جاءت بذلك الأخبار عن أئمّة أهل البيت، أمّا الغيبة الصغرى فمن ابتداء إمامته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء وعدم نصب غيرهم، وقد مات السفير الأخير علي بن محمّد السمري عام 329 هـ ، ففي هذه الفترة كان السفراء يرونه وربّما رآه غيرهم ويصلون إلى خدمته وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في اُمور شتّى .
وأمّا الغيبة الكبرى فهي بعد الاُولى إلى أن يقوم بإذن اللّه تعالى .
وأمّا من رأى الحجّة في زمان أبيه وفي الغيبة الصغرى وحتّى بعد الكبرى، فحدّث عنه ولا حرج فقد اُلف في ذلك كتب أحسنها وأجملها: كمال الدين للصدوق والغيبة للشيخ الطوسي .
ثمّ إنّ حول الامام المهدي أسئله وشبهات ربّما يتجاوز العشرة، وقد ذكرها المحقّقون من علماء الإمامية في كتبهم وأجابوا عنها بوضوح 14 15.
  • 1. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 12، الصفحة: 306.
  • 2. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 30، الصفحة: 307.
  • 3. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 55، الصفحة: 357.
  • 4. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 5، الصفحة: 385.
  • 5. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 105، الصفحة: 331.
  • 6. مسند أحمد 1 / 99، 3 / 17 ـ 70.
  • 7. جامع الاُصول 11 / 48 برقم 7810.
  • 8. المصدر نفسه برقم 7812.
  • 9. المصدر نفسه برقم 7810.
  • 10. الدكتور عبدالباقي: بين يدي الساعة 123.
  • 11. اقرأ هذه النصوص في كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق 306 ـ 381 ترى فيه النصوص المتضافرة على أنّ المهدى الموعود هو ولد الامام أبو محمّد الحسن العسكري وانّ له غيبة.
  • 12. أعيان الشيعة 2 / 64 ـ 75.
  • 13. الصدوق: كمال الدين وتمام النعمة 2 / 372.
  • 14. لاحظ محاضراتنا: الإلهيات: بقلم الشيخ الفاضل حسن مكّي 2 / 641 ـ 653 وفي كتاب منتخب الأثر في الامام الثاني عشر لشيخنا: لطف الله الصافي ـ دام ظله ـ غنى وكفاية لطالب الحق.
  • 15. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني