الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حرمة التبذير

قال الله تعالى في محكم كتابه:﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا 1.
في الآية الكريمة حثّ للقادرين على الإنفاق مالياً بالنحو الذي يرغب به الإسلام من أجل رفع الفقر والحاجة والحرمان عن الأصناف المذكورة التالية وهم: (ذوو القربى) الذين يتصلون بالمنفق بصلة الرحم كونهم الأقرب إلى الإنسان وهو عادة ما يقدمهم على غيرهم في مثل هذه المجالات لتعدد العناوين الموجبة للإحسان إليهم أكثر من غيرهم، وقد أوضح القرآن ذلك بقوله:﴿ ... وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ... 2، و(المساكين) وهم الذين يوصفون عادة بالفقر الشديد، أي أن حالتهم المادية أسوأ من حالة الفقير، بحيث يعجزون عن تحصيل المال لتأمين احتياجاتهم الضرورية للمعيشة، و(أبناء السبيل) وهم الذين افتقروا في بعض المناطق البعيدة عن بلدانهم وأماكن إقامتهم بحيث يحتاجون للمساعدة العينية ليتمكنوا من الرجوع والعودة.

وبالجملة فالآية تدعو الموسرين من أبناء الأمة لأن ينفقوا من أموالهم وممتلكاتهم فيما يؤدي إلى توازن الأوضاع المادية لجميع الأفراد، حتى لا يكون هناك طبقة متميزة بشكل فاضح جداً في مجتمع المسلمين مما قد يترتب على ذلك مفاسد اجتماعية وأخلاقية تصيب بضررها وخطرها أمن المجتمع المسلم وسلامه.

وفي موازاة الحث والتشجيع على الإنفاق في المجالات المذكورة تنهى الآية الكريمة عن التبذير وهو: الإسراف في صرف المال خصوصاً في المجالات التي لا تنفع ولا تعود بالمصلحة على الفرد أو المجتمع، كصرف المال في الملاهي والموبقات والمحرمات وأمور اللغو وغير ذلك مما قد يتفتق عنه ذهن المفسدين من البشر لإيجاد مثل هذه الأجواء التي تغري أصحاب الأموال بصرفها في تلك المجالات.

وهذا النهي عن الإسراف مهم من الناحيتين الشرعية منها والاجتماعية على حد سواء حفاظاً على دين الإنسان من جهة، وعلى مصالحه الدنيوية من جهة أخرى، لأنه يحدد للإنسان المجالات التي ينفق فيها المال بالنحو الذي يعود عليه بالنفع الأخروي أو الدنيوي أو هما معاً.

ثم تصف الآية أن هؤلاء المبذرين هم إخوان الشياطين لأنهم بإسرافهم هذا يكونون ممن يشجعون بعملهم هذا كل الذين يسعون إلى تدمير الحياة الاجتماعية الصالحة، ولأنهم قد يدفعون بإسرافهم من لا يجد المال الكافي لتأمين احتياجاته المادية إلى الانحراف عن الصراط القويم عبر سلوكه مختلف الطرق والأساليب لتحصيل المال، وفي هذا التوجه خطر كبير جداً على دين الناس والتزامهم بالشريعة وبما تفرضه من سلوك متزن.

ثم توضح الآية أن الشيطان كافر بربه، وبسبب ذلك فإنه يسعى بكل قواه مع أتباعه إلى نشر أجواء الفساد والانحراف بين الناس ليعيشوا واقع الكفر في حياتهم، سواء آمنوا بالإسلام لفظاً أو لم يؤمنوا لأن غايته هو الوصول بالناس إلى النهاية التي ينشدها ليكونوا على هيئته وشاكلته يمارسون فعل المعصية والاجتراء على الله عزوجل.

وبما أن المال يشكّل أحد أهم العوامل وأخطرها في هذا المجال، نرى أن الإسلام يريد للإنسان أن يستغل هذا العامل في جانبه  الإيجابي الذي يعود بالنفع الخاص والعام، وعدم هدره في الجوانب السلبية بسبب الضرر على المسرف خاصة وعلى الأجواء العامة.

لهذا نقول إن ما نراه هو إسراف من جانب مجتمعاتنا في الأمور اللغوية التي لا يترتب عليها أية فائدة كحفلات الغناء التي تدفع الناس من أجل حضورها الأموال الطائلة التي تذهب إلى جيوب المستثمرين أو غيرها من أمور اللهو والفساد كالمسابح المنتشرة على شواطئنا مع ما يصاحب التواجد فيها من المحرمات الشرعية، في الوقت الذي نجد فيه الكثيرين من أبناء أمتنا يعانون من الفقر والحاجة ولا يجدون ما يعينهم على تحصيل احتياجاتهم ولو في حدودها الدنيا التي تؤمن لهم استمرارية العيش بكرامة وعزة نفس.

لهذا نحن مدعوون لنعيش أجواء هذه الآية الكريمة حتى نعيش حالة المواساة من جهة، والتوازن الاجتماعي من الجهة الأخرى، وبذلك تستقيم حياة المجتمع فينعم الموسر بماله ويقنع المعسر بواقعه.

والحمد لله رب العالمين3.