الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رسالة الحقوق التي وضعها الإمام زين العابدين

1. المنظومة الحقوقية لرسالة الحقوق

بمناسبة الحديث عن الإلتزامات الذاتية التي يرتبها الإنسان المتمتع بحق الحرية على نفسه بمحض حريته و إختياره ، و يعتبرها حقوقاً مترتبة عليه نحو الجميع ، تشمخ أمام العقل و القلب و الروح الرسالة العظمى المسماة « رسالة الحقوق » و التي وضعها حفيد النبي و فاطمة و علي ، الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليهم السلام ) ، و أودعها كافة الحقوق المترتبة على الإنسان المسلم نحو أخيه الإنسان المسلم الآخر ، و الإنسان الآخر غير المسلم في جميع أوضاعه و حالاته ، بعد أن استخلصها من روح الدين و مقاصده و أحكامه ، و من عصارة علمي النبوة و الكتاب ، و وضعها تحت تصرف الإنسان أي إنسان ، ليعرف ما له و ما عليه ، و ليمهد الطريق إمام إيجاد مجتمع إنساني على مستوى الكرة الأرضية ، يعيش بمحبة و انسجام و سلام ، و يحصل كل إنسان على حقه كاملاً غير منقوص ، و يتنافس فيه الأفراد و الجماعات بروح رياضية على فعل الخير ، و العمل الصالح و عمارة الكرة الأرضية و نشر العدل ، في مجتمع إنساني على مستوى العالم ، يتم فيه اقتسام موارد الكرة الأرضية بالتساوى بين سكانها ، بهدف تحقيق الرخاء و الكفاية لجميع بني الإنسان ، و بهدف تحرير الإنسان من الظلم و من الحاجة ، لتعيش البشرية ماتبقى من عمرها بحرية و عدل و كفاية و سلام .

إن رسالة الحقوق بمثابة بشرى حقوقية لهذا المجتمع ، وفيض تربوي لإعداد الإنسان لبلوغ هذه المرحلة .
لقد أجمل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) هذه الحقوق جميعاً بخمسين حقاً ، غطت سلوك الإنسان في‏كل أوضاعه و حالاته ، و حددت الحقوق المترتبة نحو الجميع بدءاً من ربه و مروراً بنفسه و جوارحه و أفعاله ، و أمه و أبيه ، و انتهاء بحقوق أهل ملته ، و أهل الملل الأخرى و هي :

لقد أجمل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) هذه الحقوق جميعاً بخمسين حقاً ، غطت سلوك الإنسان في‏كل أوضاعه و حالاته ، و حددت الحقوق المترتبة نحو الجميع بدءاً من ربه و مروراً بنفسه و جوارحه و أفعاله ، و أمه و أبيه ، و انتهاء بحقوق أهل ملته ، و أهل الملل الأخرى و هي :
1 ) حق الله . 2 ) حق النفس . 3 ) حق اللسان . 4 ) حق السمع . 5 ) حق البصر . 6 ) حق الرجلين . 7 ) حق اليد . 8 ) حق البطن . 9 ) حق الفرج . 10 ) حق الصلاة . 11 ) حق الصوم . 12 و 13 ) 1 14 ) حق السائل بالسلطان . 15 ) حق لسائل بالعلم . 16 ) حق السائس بالملك . 17 ) حقوق الرعية بالسلطان . 18 ) حق الرعية بالعلم . 19 ) حق الرعية بملك النكاح . 20 ) حق الرعية بملك اليمين . 21 ) حق الأم . 22 ) حق الأب . 23 ) حق الولد . 24 ) حق الأخ . 25 ) حق المنعم بالولاء . 26 ) حق الجارية . 27 ) حق ذي المعروف . 28 ) حق المؤذن . 29 ) حق إمام الصلاة . 30 ) حق الجليس . 31 ) حق الجار . 32 ) حق الصاحب . 33 ) حق الشريك . 34 ) حق المال . 35 ) حق الغريم « الدائن » . 36 ) حق الخليط . 37 ) حق الخصم المدعي . 38 ) حق المدعى عليه . 39 ) حق المستشير . 40 ) حق المشير . 41 ) حق المستنصح . 42 ) حق المسؤول . 43 ) حق البشير « من سرك الله به و على يديه » . 48 ) حق النذير « من ساءك القضاء على يديه » . 49 ) حق أهل ملتك عامة . 50 ) حق أهل الذمة 2 .
و لا غنى لكل باحث في حقوق الإنسان من الإطلاع على هذه الرسالة الخالدة ، و التمهيد لها بيسر ليفهمها عامة الناس ، و يتمكن الإنسان من الإستفادة من عبقرية هذا الإمام العظيم في معرض بحثه الدءوب عن الحل .

2. نماذج من منظومة الإلتزامات الذاتية للإنسان الحر

الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية ملتزم ذاتياً تجاه المجتمع الذي يعيش فيه ، و تجاه أبناء العائلة الإنسانية بشبكة أو منظومة من الإلتزامات الذاتية التي يشعر و يحس بأنه ملتزم بها ذاتياً و بدون ضغط و لا إكراه من أية جهة ، لأن هذه الإلتزامات نابعة من الفطرة الإنسانية التي فطر الله الإنسان عليها ، المجبوله على التكامل و التعاطف والتعاضد مع الآخرين من بني جنسه ، فكما يعرف الإنسان بالفطرة أن هذا الفعل أو ذاك أو هذا الشئ أو ذاك نافع أو ضار ، فهو يعرف كذلك أنه ملزم بأداء الإلتزامات التي رتبها ذاتياً على نفسه من تلقاء نفسه للآخرين .
و قد رسم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) و حدد الدائرة العامة لهذه الإلتزامات الذاتية و سماها حقوقاً ، و هي بالفعل حقوق أو التزامات مترتبة بذمة الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية ، و يشعر ذاتياً بأنه ملزم بأدائها ، و إذا لم يؤدها إلى أصحابها يبقى مثقل الضمير بها ، و يعتبر نفسه مقصراً و مازال ملزم بأدائها .
و من المدهش حقاً أن كافة هذه الحقوق أو الإلتزامات تتفق تماماً مع جوهر و مقاصد الشرائع الإلهية جميعاً و خاصة الشريعة الإسلامية الإلهية الخاتمة ، و لا عجب في ذلك لأن الله الذي خلق الإنسان يعرف ما يصلحه و يتلاءم مع فطرته ، لذلك وضع الشرائع المتلائمة مع هذه الفطرة و القادرة على إبقاء الإنسان في دائرة الصواب .
و المثير للدهشة حقاً أن الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية يعترف في قرارة نفسه بشرعية هذه الإلتزامات الذاتية و أنها مناسبة و ضرورية و أنه ملزم ذاتياً بأدائها كاملة غير منقوصة ، بدون ضغط و لا إكراه من أية جهة ، و هو مزود فطرياً بالرقابة الذاتية التي تضمن دقة تنفيذها حتى في غياب السلطة .
و كما سبقت الإشارة فإن ما أشرنا اليه آنفاً لا يقتصر على الذي يتمتع بحق الحرية ، إنما يشمل كل إنسان ، و لكن الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية هو وحده القادر على أداء و تنفيذ هذه الإلتزامات الذاتية على الوجه الأكمل ، لأنه حر و مختار ، أما المستعبد أو الذي صودر حقه بالحرية ، فتبقى هذه الإلتزامات مشاعر نبيلة حبيسة في نفسه ، لافتقاره إلى الحرية و الإختيار .
و سأقوم باستعراض هذه الإلتزامات الذاتية كما ذكرها الإمام زين العابدين بإيجاز فهي تساعد في استكشاف آفاق جديدة و نافعة لحقوق الإنسان .
1 . حق الله أو الإلتزام الذاتي نحو الله : الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية يحس ذاتياً بحقوق الله عليه ، و يقوم ذاتياً بتأدية حق الله الذي وهبه الحرية ، و يمكن إجمال هذا الإلتزام » بأن يعبد الله باخلاص و لا يشرك به شيئاً و يمتثل أمره و يتجنب نهيه » .
2 . و الإنسان الحر يلتزم ذاتياً بتادية حق نفسه عليه ، و ذلك بإبقائها ضمن دائرة الحق و الصواب . و يساعده على تحقيق ذلك سبع : لسانه ، و سمعه ، و بصره ، و يده ، و رجله و بطنه و فرجه ، من الوقوع فيما حرم الله ، فإن كف أذى هذه الجوارح السبع فقد أدى حقه و أعدها و هيأها لتأدية هذه الحقوق التي رتبها بنفسه على نفسه ، نحو مجتمعه الذي يعيش فيه ، و نحو الأسرة البشرية التي ينتمى إليها » 3 .
3 . و الإنسان الحر ملتزم ذاتياً بأداء الحقوق المترتبة عليه نحو أمه . قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في معرض تأصيله لهذا الإلتزام و تبريره لهذا الحق : « حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، و وقتك بسمعها و بصرها و يدها و رجلها و شعرها و بشرها و جميع جوارحها مستبشرة فرحة ، محتملة لما فيه مكروهها و ألمها و ثقلها و غمها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، و أخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع و تجوع هي ، و تكسوك و تعرى ، و ترويك و تظمى ، و تظلك و تضحى ، و تنعمك ببؤسها ، و تلذذك بالنوم بأرقها ، و كان بطنها لك وعاء ، و حجرها لك حواء ، و ثديها لك سقاء ، و نفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا و بردها لك و دونك ، فتشكرها على قدر ذلك ، و لا تقدر عليه إلا بعون الله و توفيقه » 4 .
4. و الإنسان الحر ملتزم ذاتياً بأداء الحقوق المترتبة عليه نحو أبيه . قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في معرض تأصيله لهذا الإلتزام : « و أما حق أبيك فتعلم أنه أصلك ، و أنك فرعه ، و أنك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك ، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك ، فاحمد الله و اشكره على قدر ذلك » 5
5 . و الإنسان الحر ملتزم ذاتياً نحو ولده و ملتزم بأداء الحقوق المترتبة له بذمته : قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في معرض تأصيله لهذا الإلتزام : « و أما حق ولدك فتعلم أنه منك ، و مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره ، و أنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب و الدلالة على ربه عزّ و جلّ ، و المعونة له على طاعته ، فيك و في نفسه ، فمثاب على ذلك و معاقب ، فاعمل بأمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربه فيما بينك و بينه بحسن القيام عليه و الأخذ له منه ، و لا قوة إلا بالله » 6 .
6. و الإنسان الحر ملتزم ذاتياً نحو أخيه . و ملزم بأداء الحقوق المترتبة بذمته لهذا الأخ قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « و أما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها ، و ظهرك الذي تلتجئ إليه ، و عزك الذي تعتمد عليه ، و قوتك التي تصول بها ، فلا تتخذه سلاحاً على معصية ، و لا عدة للظلم بحق الله ، و لا تدع نصرته على نفسه و معونته على عدوه و الحول بينه و بين شياطينه ، و تأدية النصحية إليه ، و الإقبال عليه في الله ، فإن انقاد لربه و أحسن الإجابة له ، و إلا فليكن الله أثر عندك وأكرم عليك منه » 7 .
7 . الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية يتكون لديه إحساس و التزام ذاتي نحو زوجته ، و جميع أرحامه و أقاربه فهو ملتزم ذاتياً و فطرياً نحو زوجته و أحفاده و نحو عمه ، و عمته و خاله ، و خالته و أولاد عمه ، و أولاد عمته و أولاد خاله ، و أولاد خالته ، و يمتد هذا الإلتزام الذاتي ليشمل أبناء عشيرته جميعاً على اعتبار أنهم قرابته ، و تتسع دائرة هذا الإلتزام بالأصهار ، أو بأبناء البلدة أو الإقليم الذي ينتمي له هذا الإنسان فيحس بأنهم أولى من غيرهم بإحسانه ، و تتسع دائرة هذا الإلتزام لتشمل الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أوعرقه أو إقليمه ، فلو رأى الإنسان الحر أي إنسان يوشك على الغرق لاندفع ذاتياً و حاول إنتشاله ، و الإنسان في هذه الأحوال يستند إلى نداء الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، و حقه بالحرية التي منحته القدرة على الإختيار .

و هذه الإلتزامات الذاتية النبيلة للإنسان تتفق مع جوهر التوجيهات الإلهية التي أوجبت تعميم فعل المعروف على الجميع ، و تخصيص ذوي القربى ، و تتفق مع الفطرة النقية التي لم تتلوث ، و مع سلوك الإنسان الذي يعرف عظمة الحرية .
و تختلف درجات هذا الإلتزام بحسب درجة قربهم منه وموقعهم من نفسه . قال تعالى : ﴿ ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى ...  8﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا  9﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ...  10﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى ...  11﴿ ... قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...  12﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ...  13 . و قال تعالى : ﴿ ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...  14 . فالتزام الإنسان الذاتي نحو أقاربه و أرحامه و الجار الجنب و الصاحب بالجنب ، يتفق مع مضامين هذه الآيات الكريمات و أمثالها ، سواء أقصد الإنسان ذلك أو لم يقصده ، فهو يحس بأن لهؤلاء جميعاً حقوقاً عليه يجب أن يؤديها لهم . و أبسط هذه الحقوق أن يقول لهم حُسناً و يحسن معاملتهم ، و يصلهم و يتعاطف معهم ، و يعطيهم إن كانت له سعة ، و يكف أذاه عنهم ، و ينصرهم على الحق إن استنصروه ، و ينهاهم عن الباطل إن وقعوا فيه .
8 . الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية ملتزم ذاتياً تجاه من يُسدي له المعروف ، لأنه يرتب له حقاً على الإنسان الحر يستوجب أداؤه قال الإمام ( عليه السلام ) « تشكره ، و تذكر معروفه ، و تنشر له المقالة الحسنة ، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله سبحانه و تعالى . . . ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته و إلا كنت مرصداً له . . . » 15 .
9 . و يلتزم الإنسان الحر التزاماً ذاتياً نحو جليسه ، فيؤدي له حق المجالسة ، قال الإمام : » تلين له كنفك ، وتطيب له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تفرق في نزع اللحظ... ولاتقوم إلا بإذنه » 16 .
10 . و يلتزم الإنسان الحر التزاماً ذاتياً نحو جاره ، فيؤدي له حق الجيرة قال الإمام في بيان هذا الحق : « تحفظه غائباً ، و تكرمه شاهداً ، و تنصره و تعينه في الحالين جميعاً ، و لا تتبع له عورة ، و لا تبحث له عن سوءة ، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك و لا تكلف كنت لما علمت حصناً حصيناً و ستراً ستيراً . . . لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، و لا تسلمه عند شديدة ، و لا تحسده عند نعمة ، تقيل عثرته ، و تغفر زلته ، و لا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك . . . » 17 .
11 . و يلتزم الإنسان الحر التزاماً ذاتياً نحو صاحبه ، فيؤدي له حق الصحبة ، قال الإمام في معرض بيانه لهذا الحق « تصحبه بالفضل ما وجدت اليه سبيلاً ، و إلا فلا أقل من الإنصاف ، و أن تكرمه كما يكرمك ، و تحفظه كما يحفظك ، و لا يسبقك فيما بينك و بينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ، و لا تقصر به عما يستحقه من المودة و تلزم نفسك نصيحته و حياطته و معاضدته . . . » 18 .
12 . و يلتزم الإنسان الحر ذاتياً نحو شريكه ، فيؤدي له حق الشراكة طوعياً قال الإمام في بيان هذا الحق : " و أما حق الشريك فإن غاب كفيته ، و إن حضر ساويته ، و لا تعزم على حكمك دون حكمه ، و لا تعمل برأيك دون مناظرته ، و تحفظ عليه ماله ، و تنفي عنه خيانته فيما عز أو هان ، فقد بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ".
13 . و الإنسان الحر يلتزم ذاتياً بمراقبة ما يكسبه من المال : ( فلا تأخذ المال إلا من حله ، و لا تنفقه إلا في حله ، و لا تحرفه عن مواضعه ، و لا تصرفه عن حقائقه ... ) .
14 . و يلتزم الإنسان الحر ذاتياً تجاه دائنه ، أو الغريم الذي يطلب دينه ، فيؤدي لهذا الدائن حقه عليه . قال الإمام في معرض بيانه حق الدائن على المدين : « فإن كنت موسراً أوفيته و كفيته و أغنيته، ولم تردده و تمطله ، فإن رسول الله قال : « مطل الغني ظلم » و إن كنت معسراً أرضيته بحسن القول و طلبت اليه طلباً جميلاً ، و رددته عن نفسك رداً لطيفاً ، ولم تجمع ذهاب ماله و سوء معاملته ، فإن ذلك لؤم » 19 .
15 . و يلتزم الإنسان الحر ذاتياً تجاه من يخالطه ، قال الإمام في معرض بيان حق الخليط : « لا تغره و لا تغشه و لا تكذبه و لا تغفله و لا تخذعه ، و تتقي الله تبارك و تعالى في أمره ، و لا تعمل في انتقاصه عمل العدو الذي لايبقي على صاحبه ، و إن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك . . . » 20 .
16 . و يلتزم الإنسان الحر ذاتياً نحو من ينصحه ، قال الإمام ( عليه السلام ) : « تلين له جناحك ، ثم تشرأب له قلبك ، و تفتح له سمعك حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها ، فإن كان وفق فيها للصواب حمدت الله على ذلك ، و قبلت منه و عرفت له نصيحته ، و إن لم يكن وفق فيها رحمته ولم تتهمه ، و علمت أنه لم يألك نصحاً إلا أنه أخطأ . . . » 21 .
17 . و يلتزم الإنسان الحر ذاتياً تجاه كبير السن ، فيحس أن له عليه حقوقاً ، قال الإمام : « فإن من حقه توقير سنه ، و اجلال إسلامه ، إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه ، و ترك مقابلته عند الخصام ، و لا تسبقه إلى طريق ، و لا تؤمه في طريق ، و لا تستجهله و إن جهل عليك ، تحملت و أكرمته ‏بحق إسلامه مع سنه ، فإن حق السن بقدر الإسلام » 22 .
18 . و يلتزم الإنسان الحر نحو الصغير بالسن ، قال الإمام ( عليه السلام ) : « فرحمتُه و تثقيفه و تعليمه و العفو عنه ، و الستر عليه ، و الرفق به و المعونة له ، و الستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة و المداراة له ، و ترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده » 23 .
19 . و يلتزم الإنسان الحر ذاتياً تجاه السائل ، و يشعر أنه له حقاً عليه ، و هو ملزم بأدائه ، قال الإمام ( عليه السلام ) : ( فإعطاؤه إذا تيقنت صدقه ، و قدرت على سد حاجته ، و الدعاء له فيما نزل به ، و المعاونة له على طلبته ، و إن شككت في صدقه ، و سبقت اليه التهمة ولم تعزم على ذلك... تركته بستره و رددته رداً جميلاً » 24 .
20 . و يلتزم الإنسان ذاتياً تجاه أهل ملته ، فيحس أن لهم عليه حقوقاً خاصة ، قال الإمام ( عليه السلام ) : « و أما حق أهل ملتك عامة فإضمار السلامة ، و نشر جناح الرحمة ، و الرفق بمسيئيهم ، و تألفهم ، و استصلاحهم ، و شكر محسنهم إلى نفسه و إليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك ، إذ كف عنك أذاه ، و كفاك مؤونته ، و حبس عنك نفسه . فعُمَّهم جميعاً بدعوتك ، و انصرهم جميعاً بنصرتك ، و أنزلهم جميعاً منك منازلهم ، كبيرهم بمنزلة الوالد ، و صغيرهم بمنزلة الولد ، و أوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف و رحمة ، و صل أخاك بما يجب للأخ على أخيه » 25 .

21 . و يلتزم الإنسان ذاتياً تجاه أتباع الديانات السماوية من أهل الذمة ، و يحس بأن لهم حقوقاً عليه ، قال الإمام ( عليه السلام ) : ( و أما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ماقبل الله ، و تفي بما جعل الله لهم من ذمته و عهده ، و تكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم ، و اجبروا عليه ، و تحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك و بينهم من معاملة ، و ليكن بينك و بين ظلمهم من رعاية ذمة الله و الوفاء بعهده و عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) حائل ، فإنه بلغنا أنه قال « من ظلم معاهداً كنت خصمه » ) 26 27 .

  • 1. لم أجدهما في المصدر .
  • 2. رسالة الحقوق ، مرجع سابق ، من 1 ـ 50 ، الصفحات من 255 ـ 272 .
  • 3. راجع رسالة الحقوق ، المقدمة أرقام 2 ـ 9 ، الصحفات 256 ـ 258 مرجع سابق .
  • 4. الحق رقم ، 21 : 263 .
  • 5. الحق ، رقم ، 22 : 263 .
  • 6. الحق ، رقم 23 ، الصفحة 263 .
  • 7. الحق ، رقم 24 : 264 .
  • 8. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 12 .
  • 9. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 8 ، الصفحة : 78 .
  • 10. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 90 ، الصفحة : 277 .
  • 11. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 352 .
  • 12. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 215 ، الصفحة : 33 .
  • 13. القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 38 ، الصفحة : 408 .
  • 14. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 84 .
  • 15. الحق ، رقم 27 : 265 ، رسالة الحقوق ، مرجع سابق .
  • 16. الحق رقم 30 : 266 .
  • 17. الحق رقم 31 : 266 .
  • 18. الحق رقم 32 : 266 .
  • 19. الحق رقم 25 : 267 ـ 268 .
  • 20. الحق رقم 36 : 268 .
  • 21. الحق ، رقم ، 42 : 269 .
  • 22. الحق ، رقم 42 : 270 .
  • 23. الحق ، رقم 44 : 270 .
  • 24. الحق ، رقم 45 : 270 .
  • 25. الحق ، رقم 49 : 271 .
  • 26. الحق ، رقم ، 50 : 271 ـ 272 .
  • 27. المصدر: كتاب حقوق الإنسان عند اهل بيت النبوة و الفكر المعاصر ، الفصل الثالث .