الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

غزوة بني النضير

قال الله تعإلى في أوائل سورة الحشر: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ 1.
بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة المنورة وبدأ بإعداد دولة الإسلام الفتيّة على الأسس الصحيحة أراد أن يأمن جانب اليهود حتّى لا يتحالفوا مع أعدائه وعلى رأسهم قبيلة قريش التي كانت تهدّد وجود الدولة الإسلامية الناشئة، فعقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معاهدات عدّة مع اليهود، ومنها معاهدة مع بني النضير الذين صالحوه على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه أيّ "لا معه ولا عليه" وازداد هذا التوجّه عند بني النضير عندما انتصر المسلمون على قريش في معركة بدر على قلّة عددهم وعتادهم في مواجهة جحافل قريش آنذاك، وقالت بنو النضير أنّ هذا الإنتصار الإسلامي يكشف عن أنّ صاحبه هو النبي الذي تحدّثت عنه التوراة وأنّ رايته لا تنهزم.
إلاّ أنّ الذي جرى بعد ذلك أن هزم المشركون من قريش جيش المسلمين في معركة "أحد" وهذا ما أثار الشكوك عند بني النضير بحيث توهّموا أنّ هذه الهزيمة تدلّ على أنّ صاحبها ليس النبي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، فسعوا إلى نقض العهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان ذلك النقض عبر ذهاب وجيههم "كعب بن الأشرف" مع أربعين من الفرسان وتسلّلوا إلى مكّة وتحادثوا مع قادة قريش على أن يكونوا حلفاً واحداً في مواجهة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجيشه، وتعاهدوا على ذلك وأخذوا المواثيق المتبادلة في ما بينهم على أن لا يخونوا بعضهم البعض.
ولكنّ الرسول المسدّد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءه جبرائيل وأخبره بما فعل بنو النضير من الخيانة ونقض العهد معه، ووجّه إليه أمراً من الله بقتل كعب بن الأشرف وانتدب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه المهمّة أخ كعب من الرضاعة وهو محمد بن مسلم الأنصاري الذي قام بالمهمّة على الوجه الأكمل وقتله، مع أنّ بني النضير حاولوا قبل قتل كعب أن يقتلوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبر إلقاء صخرة عليه وهو جالس على حافّة جدار من بيوتهم عندما طلب مساعدتهم في دفع ديّة قتيلين من بني عامر المتحالفين مع بني النضير فأخبر جبرائيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنيّتهم قتله بتلك الطريقة فنجا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مؤامرتهم.
وبعد قتل كعب بن الأشرف أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتجهيز جيش لمحاربة بني النضير فسار إلى ديارهم وحاصرها حصاراً شديداً وتحصّنوا في داخل حصنهم المنيع، ووصل الحصار إلى حدٍّ لم يعد أولئك قادرين على التحمّل فطلبوا الصلح ثانية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستجاب لهم بشروطٍ من أهمّها أن تحقن دماؤهم وأن يخرجوا من أرضهم وأماكنهم التي يعيشون فيها، وأن يرحلوا إلى منطقةٍ تسمّى "أذرعات" قرب الشام، فوافقوا على ذلك، ونزلوا من ديارهم وتركوا بيوتهم ورحلوا بأغلبيتهم إلى تلك المنطقة المحدّدة.
وبهذا كان بنو النضير أوّل من أجلاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اليهود عن المدينة المنورة والجزيرة العربية كلّها، ثمّ كان إجلاء اليهود جميعاً بسبب خياناتهم ونقضهم المتكرّر للعهود مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يبقَ منهم في المدينة وجوارها أحدٌ من اليهود واستراح المسلمون منهم ومن غدرهم وخيانتهم.
وغزوة بني النضير تشير بشكلٍ واضح إلى ما حكاه الله عزّ وجلّ عن اليهود وعن تاريخهم الأسود في الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق وقتل الأنبياء وانتهاك الحرمات وعن فسادهم وإفسادهم في الأرض، ولذا تجد أنّ أغلبية البشر تكره اليهود بسبب هذه الرذائل الموجودة فيهم والمتأصّلة في نفوسهم وأرواحهم وقد قال الله عنهم: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 2، وكذلك قوله تعالى: ﴿ ... وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ... 3.
وما نراه اليوم من الإجرام الإسرائيلي بحقّ شعبنا الفلسطيني المظلوم هو عيّنة ونموذج سيّء من مسارهم التاريخي في الحقد والإنتقام من البشر عموماً، إلاّ أنّ ذلك لن يطول بإذن الله، لأنّ الله وعد المؤمنين المجاهدين الصابرين بالإنتصار على هؤلاء القوم المفسدين الضّالّين وقد قال تعالى في سورة الإسراء: ﴿ ... فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 4. والحمد لله ربّ العالمين5.