الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما ورد عن علماء أهل السنة من القول بتواتر أخبار المهدي

لم تكن القضية المهدوية طرحاً روائياً، أو تنظيراً تاريخياً بقدر ما هي قضية تواتر يكاد يجمع عليها علماء الفريقين، وربما تعرضنا إلى ما تواتر لدى الشيعة من (الضرورة) المهدوية في بعض بحوثنا، ولم يتسنَ لنا ما اتفق لدى أهل السنة من تواتر مسألة الإمام المهدي عليه السلام حتى باتت كالضرورة التي لا مجال للتوقف فيها أو التردد في البت بحقيقتها، ويكاد المخالف لهذه الضرورة أشبه بالخارج على إجماعهم والمتوقف عن ضروراتهم.
ولغرض كشف النقاب عن تواتر القول في الإمام المهدي عليه السلام لدى علماء أهل السنة ينبغي الإشارة إلى من تسنى لنا الوقوف على تواتره1والقطع بما أوردوه من مسألة الإمام المهدي عليه السلام:
١ _ الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفي ٣٦٣هـ.
قال في محمد بن خالد الجندي راوي حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) قال: محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه. نقل ذلك عن ابن القيم في كتابه (المنار المنيف) وسكت عليه، ونقل عنه أيضاً الحافظ إبن حجر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه، ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضاً في (فتح الباري) في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ونقل عنه أيضاً السيوطي في آخر جزء (العرف الوردي في أخبار المهدي) وسكت عليه، ونقل عنه مرعي بن يوسف في كتابه (فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر) كما ذكر ذلك صديق حسن في كتابه (الإذاعة) لما كان وما يكون بين يدي الساعة2.
٢ _ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الشافعي المتوفي ١١٠٣هـ:
قال: في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة وهي أيضاً كثيرة…
فمنها المهدي وهو أولها، واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لاتكاد تنحصر، فقد قال محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي: قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم انتهى.3
٣ _ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي في كتابه الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية: قال: قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل (لا مهدي إلاّ عيسى)، والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عُد من معتقداتهم، وقد روى الإمام الحافظ ابن الاسكاف بسندٍ مرضي إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كذّب بالدجال فقد كفر، ومن كذّب بالمهدي فقد كفر). وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجلٌ من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام ولا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب...) إلى أن قال: وغير ما ذكر منهم رضي الله عنهم (أي الصحابة الذين رووا أخبار المهدي عليه السلام) برواياتٍ متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي. فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة وكذا عند أهل الشيعة أيضاً...4
٤ _ العلاّمة الشيخ مرعي في كتابه فوائد الفكر:
نقل عن أبي الحسن محمد بن الحسين أنه قال: قد تواترت الاحاديث واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً...5
٥ _ القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفي ١٢٥٠هـ في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح قال: والاحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول. وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جداً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.
وقال في مسألة نزول المسيح عليه السلام: فتقرر أن الأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة6.
٦ _ محمد صديق القنوجي البخاري في كتابه: الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، قال: والحديث يشد بعضه بعضاً ويتقوى أمره بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين العامة من أهل الإسلام على مر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي... وأحاديث الدجال وعيسى أيضاً بلغت حد التواتر والتوالي، ولامساغ لإنكارها...7
٧ _ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى ١٣٤٥ هـ في كتابه (نظم المتاثر من الحديث المتواتر)، قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام8.
هذا ما أمكن الوقوف عليه من القول بالتواتر لأحاديث المهدي عليه السلام عند أهل السنة، وربما لم نذكر إلاّ جزءاً يسيراً مما تسنى لنا توفره من المصادر.
وخلاصة القول أن الكلام في مسألة الإمام المهدي عليه السلام باتت من ضروريات الدين غير مقتصرةٍ على فرقةٍ دون فرقة أو مذهبٍ دون مذهب، ومعها فإن البحث في علامات الظهور إحدى ملازمات هذه القضية، فبقدر الاعتقاد بصحة ظهور الإمام المهدي عليه السلام تندرج مسألة البحث في علامات الظهور بنفس الأهية والخطورة لدى جميع المذاهب الإسلامية ولم تقتصر على الفرقة الإمامية وحدها9.

  • 1. الخبر المتواتر: هو خبر جماعةٍ بلغوا في الكثرة إلى حدٍ أحالت العادة اتفاقهم وتواطئهم على الكذب ويحصل باخبارهم العلم. راجع في تفصيل البحث كتاب ملخص مقياس الهداية للشيخ المامقاني: ١٤.
  • 2. المصدر السابق.
  • 3. الإشاعة لأشراط الساعة للشريف محمد البرزنجي الشافعي: ٢٢٤ الطبعة المصرية.
  • 4. لوائح الانوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفاريني الحنبلي ٢ / ٣٦٠ الطبعة الاولى مصر ١٣٢٤هـ.
  • 5. نفس المصدر.
  • 6. مجلة الجامعة الإسلامية عن مقالة عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر: ٥٩٩.
  • 7. الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة / محمد صديّق حسن: ٣٩١ مطبعة المدني مصر.
  • 8. مجلة الجامعة الإسلامية: ٦٠٠.
  • 9. المصدر: كتاب علامات الظهور، جدلية صراع أم تحديات مستقبل؟ للسيد محمد علي الحلو رحمه الله.