الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل ما يحدث الآن للشعب العراقي من مشاكل ومآس هو نتيجة دعوة الإمام الحسين عليهم ؟
نص الشبهة:
هل ما يحدث الآن للشعب العراقي من مشاكل ومآس ٍهو نتيجة دعوة الإمام الحسين (اللهم فرقهم تفريقا .. ولا ترض الولاة عنهم أبدا . .) ؟ بل ما حدث على مر التاريخ !
الجواب:
النص كما نقله في معالم المدرستين عن مقتل الخوارزمي
...فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء ، وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمد ( ص ) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهم فامنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فانهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلونا .
الجواب : أولا من حيث ورود هذه الكلمات فقد ورد هذا الدعاء المنسوب للحسين عليه السلام في أكثر من مصدر تاريخي فقد ورد في الإرشاد للشيخ المفيد ، ومثير الأحزان لابن نما الحلي وفي البحار للمجلسي وعوالم العلوم للبحراني ونقله في معالم المدرستين عن مقتل الخوارزمي ، ونقله الطبري في تأريخه وأبو مخنف في مقتل الحسين والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى وابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام وكثير غيرهم ..
والبحث في كلمات الدعاء يتم من خلال ثلاثة محاور
الأول : من خلال انسجامها مع الرؤى والثوابت الاسلامية العامة : فإنه من المعلوم أنه ﴿ ... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ... ﴾ 1 ولا يتحمل اللاحقون مسؤولية ما اختاره السابقون بارادتهم . نعم هناك بعض الآثار الوضعية التي قد تترتب على اللاحق بسوء اختيار السابق ، ولكن هذا ليس منها قطعا ، وإلا كان قانون ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ 2 متخلفا وغير كلي ، بل يصبح من يعمل مثقال ذرة شرا يراه غيره من اللاحقين ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يضع منه ويخسره على أثر عمل السابقين من أجداد أجداد قبيلته , وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به ، وإلا بطل الثواب والعقاب والمسؤولية الفردية عن العمل .
بل ذلك يخالف عدالة الله سبحانه ، واعتقادنا فيه ـ لا سيما الشيعة الإمامية ـ القائلة بأن عدل الله هو أصل من الأصول كما هو المعروف بينهم .
فهل يعقل أن يدعو الإمام الحسين عليه السلام على مجموعة من المؤمنين المخلصين في هذا الزمان بسوء الحال وبأن يمنعوا من بركات الأرض وقطر السماء ، لأن شخصا من سلسلتهم النسبية قبل ألف وثلاثمائة وثمانين قد قام بعمل سيء ، وقاتل الحسين عليه السلام ؟ هذا لا يعقل .
ثم إن كون الإنسان مولودا في منطقة جغرافية معينة أمر ليس باختياره هو حتى يكتسب الذم والإثم والمشاكل المستقبلية ، والفقر والظلم ، وإنما يكتسب الإنسان تلك الأمور بناء على اختياراته .
ونحن كما نجد ما ظاهره الذم لأهل العراق أو أهل الكوفة ، وهو ليس خاصا بالإمام الحسين عليه السلام بل نقل عن الإمام أمير المؤمنين كلمات تنتهي إلى هذا المعنى .. فإننا نجد أيضا كلمات ظاهرها المدح والثناء على أهل تلك المناطق ، والاشادة بهم . . ولا يعقل أن يكون هناك تضاد بين كلمات الأئمة عليهم السلام ، فيبقى أن يقال أن الذم هو لجهة والمدح لأخرى . وتلك الجهة قد تكون بلحاظ الساكنين فيها في زمان فيذمون ، فإذا تغيروا وجاء جيل جديد يحتوي على صفات جيدة فإنهم يمدحون فإنه قد ألف أصحابنا كتبا كثيرة في فضل الكوفة ، ورووا فيها روايات كثيرة تصف أهلها بأنهم شيعتهم وأنصارهم ..الخ .
الثاني : محور النص نفسه فقد فُرض في النص واقعة خارجية وقوم معينون محصورون ضمن موقف اتخذوه ، وقد حكم عليهم بحكم هو مفاد الدعاء الذي طلب الحسين فيه من الله سبحانه أن يجعلهم كذلك . وقد ذكر العلماء فروقا بين القضية الواقعية وبين القضية الخارجية ، منها ما يرتبط بالمقام أن القضية الحقيقيةلا يتكفل فيها المتكلم بإحراز الواقع وإنما هي قضية فرضية أو شرطية ، متى حصلت يترتب عليها الحكم ، فإذا قال مثلا : الخمر حرام فهو لا يتكفل بإحراز الموضوع وأن هذا السائل الخارجي خمر أو لا ؟ وإنما لو فرض وجود سائل وصدق عليه الخمر ـ في هذا الزمان أو غيره ـ فإنه يكون حراما .
وهذا بخلاف القضية الخارجية فإن المتكلم يحرز الموضوع ويرتب عليه الحكم . مثل علي مع الحق والحق مع علي ، فإن النبي صلى الله عليه وآله ، عين وأحرز الموضوع وهو شخص الإمام عليه السلام ورتب عليه كونه مع الحق ، وكون الحق معه .
ومقامنا هو من القسم الثاني ، فإن الإمام الحسين عليه السلام ، يشير إلى هؤلاء بقوله ( اللهم اشهد عليهم .. اللهم فامنعهم قطر السماء وبركات الأرض .. ) . فهو يتحدث عن قوم موجودين أمامه ، ويدعو عليهم دون أن يتعرض إلى من سيأتي بعدهم ومن هم في أصلابهم إلى يوم الدين .
بل يزيده وضوحا ، أن الإمام عليه السلام قد علل دعاءه عليهم ، بصفات خاصة بهم ، ولا تتعداهم إلى غيرهم ، فقد قال معللا : .. فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا . . ومثل هاتين الصفتين لا تتحقان في غير القضية التاريخية المحدودة بزمانها .. نعم يمكن أن يأتي في المستقبل ممن هم أسوأ حالا ، أو أمثالهم ، ولكن هذا بحث آخر .
الثالث : المحور التاريخي : أن الكوفة والتي كانت تعرف بكوفة الجند ، كانت مجمعا للقبائل العربية المختلفة فكان منها القحطاني والعدناني وعرب الجنوب والشمال ، وسكن فيها أكثر أفراد القبائل العربية ، وهناك تكاثروا واستوطنوها . فقد قسمت أسباعا في كل سبع كانت قبيلة .
ـ ولو نظرنا إلى ألقاب قتلة الحسين عليه السلام وأصحابه ، لرأينا التنوع بحيث لا يمكن القول بأن الذي قتلوه هم أهل العراق بالمصطلح السياسي الحديث والذي يختلف عما كان يعنيه هذا المصطلح في تلك الفترات . فنحن نجد أن الذي قتل عليا الأكبر بن الإمام الحسين عليه السلام هو مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ، من بني عبد القيس وهذه قبيلة أصولها سكنت في البحرين ( والقطيف حاليا ) وسكن قسم آخر منها في البصرة فيما بعد أيام أمير المؤمنين ، وسكن قسم منها في الكوفة .
والذي قتل ابا الفضل العباس بن أمير المؤمنين هو ( يزيد بن الرقاد ( وقاد ) الحيتي ، وحكيم بن الطفيل الطائي ) كما ورد في الزيارة المنسوبة للإمام الحجة والتي فيها اسماء الشهداء وقتلتهم . والطائي من قبيلة طي عرب الجنوب ، وسكنهم في غرب الجزيرة العربية حاليا أي على البحر الأحمر .
والذي قتل عثمان بن أمير المؤمنين ، هو خولى بن يزيد الاصبحي الايادي ، والاباني الدارمي والأصبحي من عرب الجنوب : اليمن .
والذي قتل السلام على عبد الله بن الحسن بن علي الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي وبنو أسد مكانهم الحجاز وهم من عرب الشمال .
والذي قتل القاسم بن الحسن هو عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والأزديون ليسوا من الكوفة بل من البصرة ، ودورهم في حرب الجمل معروف .
والذي قتل محمد بن عبد الله بن جعفر قاتله عامر بن نهشل التميمي والتميميون أصولهم من عرب الشمال : عدنانيون .
والذي شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام بنحو واضح : حرملة بن كاهل الأسدي وخولى بن يزيد الاصبحي ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي . ومن ورائهم عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري . وتتنوع قبائل هؤلاء بين قحطانية وعدنانية ، ومن حيث مساكنها بين مكة والبصرة والكوفة واليمن .وحرملة وشمر وعمر بن سعد من عرب الشمال وأصولهم في مكة .
في المقابل وجدنا أن عددا كبيرا من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا من العراق والكوفة بحسب هذا الاصطلاح ، فلمَ لا يحسب هذا ويحسب ذاك . يقول أحد المحققين إن أكثر أنصار الحسين عليه السلام كانوا من الكوفة 3 4 .
- 1. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 164، الصفحة: 150.
- 2. القران الكريم: سورة الزلزلة (99)، الآية: 7 و 8، الصفحة: 599.
- 3. راجع أنصار الحسين : الرجال والدلالات .
- 4. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ) : الجزء الأول .