الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الشعائر الحسينية عند الشيعة الإمامية

الجواب: 

يعود تاريخ البكاء على الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في معتقد الشيعة إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله ، وذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله هو أول من بكى على الحسين عليه السلام ، وتبعه على ذلك صحابته .
فقد أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 188 عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي ، قال لا يدخل عليَّ أحد . فانتظرت فدخل الحسين ، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل . فقال إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت ، قال : أفتحبه ؟ قلت : أما في الدنيا فنعم . قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء . فتناول جبريل من تربتها ، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أحيط بحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا : كربلاء . فقال : صدق الله ورسوله ، كرْبٌ وبلاء . وفي رواية : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أرضُ كربٍ وبلاء . قال الهيثمي : رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها ثقات . انتهى .

وأخرج أحمد في المسند 1 / 85 ، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 2 / 375 ، وأبو يعلى 1 / 187 ، والطبراني ، والبزار 3 / 101 ، وابن أبي شيبة في المصنف 7 / 478 ، عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه ، وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين ، فنادى علي : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات . قلت : وما ذاك ؟ قال : دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان ، قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بل قام من عندي جبريل عليه السلام ، قال : فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات . قال : فقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم . قال : فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا . قال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ، ورجاله ثقات ، ولم ينفرد نجي بهذا . انتهى .
كما يعتقد الشيعة الإمامية بأن البكاء على الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فيه فضل عظيم وثواب لا يحصى ، مع ما فيه من التأسي برسول الله صلى الله عليه وآله وإظهار المحبة لأهل بيته عليهم السلام ، وقد رويت أحاديث دالة على بكاء أئمة أهل البيت عليهم السلام على الحسين عليه السلام .
منها : ما أخرجه أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء 3 / 138 وتهذيب الكمال 20 / 399 بسنده عن جعفر بن محمد قال : سُئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه ، فقال : لا تلوموني فإن يعقوب فَقَدَ سبطاً من ولده ، فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غزاة واحدة ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي ؟
ومنها : ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ، ص 216 عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال : كنا عنده فذكرنا الحسين عليه السلام ، فبكى أبو عبد الله عليه السلام ، وبكينا ، قال : ثم رفع رأسه ، فقال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا بكى . انتهى .
وروى الشيعة أحاديث كثيرة في فضل البكاء على الحسين عليه السلام ، منها ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ، ص 202 عن الربيع بن منذر عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : من قطرت عيناه فينا قطرة ، ودمعت عيناه فينا دمعة ، بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقابا .
ولهذا بكى الشيعة منذ الصدر الأول على مصائب أهل البيت عليهم السلام حتى ضُرب المثل ببكائهم ، فقال الميداني في مجمع الأمثال 1 / 316 : أرق من النسيم ، ومن الهواء ، ومن دمع الغمام ، ومن دمع المستهام ، ومن دمعة شيعية ، وهذا من قول الشاعر :
أرقُّ مِنْ دمعةٍ شيعيةٍ *** تبكي عليَّ بنَ أبي طالبِ انتهى .
وكما حثَّ أئمة أهل البيت شيعتهم على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام خاصة وعلى أهل البيت عليهم السلام عامة ، فقد حثوا شعراء الشيعة على النظم في الحسين عليه السلام ، فقد روى ابن قولويه في كامل الزيارات ، ص 210 ، عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال : من أنشد في الحسين عليه السلام بيتَ شِعْر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : من أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنه قال : أو تباكى ـ فله الجنة . انتهى .
ولهذا تنافس الفحول من شعراء الشيعة قديماً وحديثاً على رثاء الحسين عليه السلام ، فجادت قرائحهم بشعر كثير مشتمل على المراثي العصماء التي لم ينظم مثلها .
ومن جملتها بائية السيد رضا الهندي رحمه الله التي قال فيها :
وتحزَّبتْ فرق الضلال على ابن مَنْ *** في يوم بدر فرَّق الأحزابا
لم أنـسه إذ قـام فيهم خاطـباً *** فإذا همُ لا يملكون خطابا
يدعو ألستُ أنـا ابن بـنت نبيكم *** وملاذكم إن صرف دهر نابا
هل جـئتُ في ديـن النبي بـبدعةٍ *** أم كنت في أحكامه مرتابا
إن لم تديـنوا بالمعـاد فـراجـعوا *** أحسابكم إن كنتمُ أعرابا
فغدوا حيارى لا يـرون لـوعظـه *** إلا الأسنة والسهام جوابا
حتى إذا أسـفـت عـلوج أمـية *** أن لا ترى قلب النبي مصابا
صلَّتْ على جسم الحسين سيوفُـهم *** فغدا لساجدة الضُّبى محرابا
ومضى لهيفا لم يجـد غيـر القـنا *** ظلا ولا غير النجيع شرابا
ظـمآن ذاب فؤاده من غــلـة *** لو مسَّت الصخر الأصم لذابا
لهفي لجسمك في الـصعيد مجرداً *** عريان تكسوه الدماء ثيابا
لهفي لرأسك فوق مسلوب الـقنا *** يكسوه من أنواره جلبابا
وهي قصيدة طويلة اخترنا بعض أبياتها .
وقد روي أن بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يأمرون بعض شعراء الشيعة بإنشادهم ما قالوه في رثاء الحسين عليه السلام .
فقد روي أن أبا هارون المكفوف زار الإمام الصادق عليه السلام فقال له : يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام . قال : فأنشدته فبكى ، فقال : أنشدني كما تنشدون ـ يعني في الرقة ـ . قال : فأنشدته :
امرر على جدث الحسين *** فقلْ لأعظمه الزكيهْ
قال : فبكى ، ثم قال : زدني . قال : فأنشدته القصيدة الأخرى ، قال : فبكى ، وسمعت البكاء من خلف الستر 1 .
وفي رواية أخرى : فبكى وتهايج النساء .
وفي رواية ثالثة عن عبد الله بن غالب ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، فأنشدته مرثية الحسين عليه السلام ، فلما انتهيت إلى هذا الموضع :
لبلية تسقو حسيناً *** بمسقاة الثرى غير التراب
صاحت باكية من وراء الستر : واأبتاه . انتهى .
وهذه هي البذرة الأولى للمآتم الحسينية التي صار الشيعة يعقدونها في أيام عاشوراء من شهر محرم ، إلا أنها تطوَّرت عبر العصور ، فإنها وإن بدأت بهذه الصورة المبسطة التي كان الشعراء يلقون فيها ما نظموه من الشعر في رثاء الحسين عليه السلام . إلا أن خطباء الشيعة صاروا يلقون الأشعار التي نظمها الشعراء السابقون ، ويضيفون إليها شيئاً مما وقع للحسين عليه السلام وأهل بيته في كربلاء ، ثم أضيفت لتلك المجالس : المواعظ والأحكام وغيرها من الفوائد التي صيَّرت المنبر الحسيني رافداً مهماً من روافد العلم والمعرفة عند الشيعة عبر العصور .
وأما زيارة الحسين عليه السلام فقد روى فيها الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أحاديث كثيرة في فضلها والحث عليها .
ويكفي أن أسوق للقارئ بعض العناوين التي ذكرها ابن قولويه في كتابه كامل الزيارات في فضل زيارة الحسين عليه السلام ليتضح مبلغ أهمية زيارة الحسين عند الشيعة :
من تلك الأبواب : أن زيارة الحسين عليه السلام تعدل زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنها تزيد في العمر والرزق ، وتركها ينقصهما ، وأنها تحط الذنوب ، وأنها تعدل عمرة ، وأنها تعدل حجة ، وأنها تعدل حجة وعمرة ، وأنها تعدل عتق الرقاب ، وأنها تنفِّس الكرب وتُقضى بها الحوائج ، وأن زوار الحسين مشفَّعون .
وروى ابن قولويه في كامل الزيارة ، ص 275 عن زيد بن علي رضي الله عنه قال : من زار قبر الحسين بن علي عليهما السلام لا يريد به إلا الله تعالى غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ، فاستكثروا من زيارته يغفر الله لكم ذنوبكم . انتهى .
ولهذا تفانى الشيعة في زيارة الحسين عبر العصور رغم الخوف الشديد وما كان يلم بهم من الاضطهاد والقتل والتشريد بسبب ذلك . كما حدث في زمن المتوكل العباسي حيث (أمر بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يُبْذَر ويُسقى موضع قبره ، وأن يُمنع الناس من إتيانه ، فنادى عامل الشرطة بالناس في تلك الناحية : (مَن وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المُطْبِق) 2 .
وفي البداية والنهاية لابن كثير 8 / 205 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 317 : أن الماء لما أجري الماء على قبر الحسين ليمحي أثره ، نضب الماء بعد أربعين يوماً ، فجاء أعرابي من بني أسد ، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها ، حتى وقع على قبر الحسين ، فبكى وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثم أنشأ يقول :
أرادوا ليخفوا قبرَه عن عدوه *** فطِيْبُ تراب القبر دلَّ على القبرِ (انتهى) .
وعند الشيعة زيارات مخصوصة للحسين عليه السلام ، هي أهم الزيارات عندهم ، لما فيها من الثواب العظيم التي دلَّت عليه الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وهي :زيارة عاشوراء (في اليوم العاشر من المحرم) ، وزيارة الأربعين (في العشرين من شهر صفر) ، والزيارة الرجبية في الأول والنصف من شهر رجب ، والزيارة الشعبانية في ليلة النصف من شهر شعبان ، وزيارة عرفة (في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة) .
ولهذا عُني الشيعة بهذه الزيارات عبر العصور أشد العناية ، وحرصوا عليها غاية الحرص .
ودأب الكثير من الشيعة على زيارة الحسين عليه السلام مشياً على الأقدام ، وهو ما يعبِّرون عنه بـ (البياده) ، وذلك لأن أثوب الأمور أحمزها ، ولما روي أيضاً عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : (من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة 3 .
وأما بعض المظاهر التي تقع من بعض الشيعة مثل ما يسمى بالتطبير وهو الضرب بالسيوف والقامات على الرؤوس ، والضرب على الصدور والظهور بالسلاسل ، وما شاكل ذلك ، فهي أمور مختلف في جوازها وعدمه ، وقد اشترط مرجع الشيعة في عصره السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره فيها عدم حصول الضرر المعتد به .
ومن الواضح أنه تعبير عملي عن الحزن ، وإظهار ظلامة قتل الحسين ، وللمرء أن يعبر عن مشاعره بما يراه مناسباً ، كما أن له أن يظهر أي قضية تهمه بما يرى أنه يلفت الأنظار إليها ، كما يحصل في هذه العصور من التعبير عن قضايا الناس بالمسيرات السلمية ، أو بالمظاهرات ، أو بالإضراب عن الطعام أو بالاعتصام في مكان ما ، أو نحو ذلك من المظاهر التي اشتهرت بين الناس في هذه العصور 4 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. كامل الزيارات ، ص 208 .
  • 2. كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير 7 / 55 .
  • 3. كامل الزيارات ، ص 255 .
  • 4. نشرت هذه المقالة في الموقع الرسمي لسماحة الشيخ علي آل محسن .