الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

عن صوم يوم عاشوراء ما هو الأصل فيه؟ ما هو الرأي الشرعي ولماذا يصومه بعض المسلمين؟

نص الشبهة: 

عن صوم يوم عاشوراء ما هو الأصل فيه؟ ما هو الرأي الشرعي ولماذا يصومه بعض المسلمين؟

الجواب: 

يقول علماؤنا أنه يحرم صوم يوم عاشوراء إذا صامه الرجل بنية التبرك والتيمن لما ورد في الرواية أن (من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار)، وإذا صامه بقصد انه مستحب على العموم كسائر أيام السنة التي لا خصوصية فيها، صح صومه ووقع مكروها، وإذا أمسك فيه عن المفطرات حزنا إلى ما بعد العصر ثم افطر كان مستحبا من غير كراهة.

وأما تفصيل المطلب فإنه يوجد في مصادر الجمهور روايات متعددة حول صوم يوم عاشوراء واستحباب ذلك، وأنه كفارة سنة أو غير ذلك، كما يستفاد منها أيضا أن صوم عاشوراء كان مألوفا ومعروفا في مكة فكان أهل الجاهلية كانوا يصومونه، وكان النبي صلى الله عليه وآله يصومه أيضا فلما نزل شهر رمضان تركه، بينما في روايات أخرى ما هو مخالف لهذا بل تشير إلى أن أمر صوم عاشوراء كان مجهولا، وغير معروف حتى للنبي صلى الله عليه وآله وإنما كان موجودا لدى اليهود فاستغرب لما سمع عن صومه، وسأل عن مناسبة ذلك فأخبروه أنه لأجل انتصار موسى على فرعون، فقال: أنتم أولى بموسى منهم. والأمران لا ينسجمان فإن معنى صوم أهل الجاهلية له ـ بل وصوم النبي له ـ أن يكون معروفا عند النبي صلى الله عليه وآله، بينما استغراب النبي وسؤاله بحسب الرواية الأخرى عن هذا الصوم وما شأنه؟ يعني أنه لم يكن معروفا عنده صلى الله عليه وآله.
فمن الروايات ما ورد في مسند احمد عن ابن عمر قال كان يوم عاشوراء يوما يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان سئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو يوم من أيام الله تعالى من شاء صامه ومن شاء تركه.
وفيه أيضا: عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فإذا اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنتم أولى بموسى منهم فصوموه.
كذلك فإننا نعتقد، ويفترض أن جميع المسلمون يعتقدون، بأن النبي صلى الله عليه وآله كان أعلم بدين موسى وعيسى من الأحبار والرهبان الذين كانوا حينئذ ـ فضلا عن عامة اليهود والنصارى ـ. فقد سبق أن قال لعدي بن حاتم وكان على دين النصارى ومتعمقا فيه: أنا أعلم بدينك منك 1.
وفي نفس الوقت كان حساسا تجاه النفوذ اليهودي لنفوس المسلمين ودينهم فقد كان الله يعلم ﴿ ... نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ... 2﴿... تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا... ﴾ 3، وذلك ﴿ ... لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ... 4﴿... لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ... ﴾ 5. وعندما حاول بعض المسلمين أن يقرأ التوراة وينقل ما فيها من المواعظ نهره النبي ونهاه عن ذلك. فكيف يقوم هو بأمر الناس بأن يتابعوا اليهود في صومهم!!
وقبيل الانتهاء من هذه الكتاب عثرت على مناقشة جيدة للمحقق العاملي في الموضوع فألحقت حاصلها به لتتم الفائدة: قال في كتابه الصحيح من سيرة الرسول:
ونحن نعتقد و نجزم: بأن ذلك كله من نسج الخيال. فبعد غض النظر عن:

  1. المناقشة في أسانيد تلك الروايات، فإن فيهم من لم يأت إلى المدينة إلا بعد عدة سنين من الهجرة كأبي موسى الأشعري، وفيهم من كان حين الهجرة طفلا صغيرا كابن الزبير، وفيهم من لم يسلم إلا بعد سنوات من الهجرة كمعاوية.
  2. وعن تناقضها فيما بينها، يكفي أن نذكر: أن رواية تقول: إنه صام يوم عاشوراء في المدينة، متابعة لليهود، ولم يكن يعلم به. وأخرى تقول: إنه كان يصومه هو والمشركون في الجاهلية. وثالثة: إنه ترك يوم عاشوراء بعد فرض شهر رمضان. وأخرى: إنه لما صامه قالوا له: إنه يوم تعظمه اليهود، فوعد أن يصوم اليوم التاسع في العام المقبل، فلم يأت العام المقبل حتى توفي (ص)...

وأيضا فإن إطلاق كلمة عاشوراء على العاشر من محرم إنما حصل بعد استشهاد الإمام الحسين " عليه السلام "، وأهل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم إقامة المآتم لهذه المناسبة من قبل أئمة أهل البيت (ع) وشيعتهم رضوان الله تعالى عليهم، ولم يكن معروفا قبل ذلك على الإطلاق. وقد نص أهل اللغة على ذلك، فقد قال ابن الأثير، " هو اسم إسلامي ". وقال ابن دريد: إنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية. و ثالثاً: إننا لم نجد في شريعة اليهود صوم يوم عاشوراء، ولا هم يصومونه الآن، ولا رأيناهم يعتبرونه عيداً أو مناسبة لهم 6.
ثم إنه يوجد في روايات أهل البيت عليهم السلام ثلاث طوائف من الروايات:
الأولى: ما يدل على النهي عنه وأن الصائم في ذلك اليوم حظه حظ آل زياد وهو النار كما ورد في رواية عن الصادق عليه السلام. فعن الحسين بن أبي غندر، عن أبيه، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سألته عن صوم يوم عرفة؟ فقال: عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة، قلت: فصوم يوم عاشوراء؟ قال: ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام، فان كنت شامتا فصم، ثم قال: إن آل أمية نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا، ويفرحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم، فلذلك يصومونه ويدخلون على أهاليهم و عيالاتهم الفرح ذلك اليوم، ثم قال: إن الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون شكرا للسلامة، وإن الحسين عليه السلام اصيب يوم عاشوراء إن كنت فيمن اصيب به فلا تصم، وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني امية فصم شكرا لله تعالى.
وفي رواية أخرى عن زيد النرسي قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار.
والثانية: يستفاد منها أنه لا مانع منه وأن رسول الله قد صامه وأنه كفارة سنة منها ما عن أبي همام، عن أبي الحسن عليه السلام قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء. ومنها ما عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه، أن عليا عليه السلام قال: صوموا العاشوراء التاسع والعاشر، فانه يكفر ذنوب سنة.
والثالثة: فيها التفصيل بأن لا يصام كيوم كامل وإنما إلى ما بعد الظهر، وأن لا يبيت الصيام فيه، وأنه في هذه الصورة يكون مطلوبا. فعن عبد الله بن سنان قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام يوم عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: مم بكائك؟ فقال: أفي غفلة أنت؟ ! أما علمت أن الحسين عليه السلام أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: صمه من غير تببيت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...
واعتبر جمع من الفقهاء أن هذه الثالثة جامع بين روايات المنع وروايات الجواز.. هذا مع وجود قائلين بالحرمة مطلقا وقائلين باستحباب الصوم فيه مطلقا، وقائلين بالاستحباب لو صامه على وجه الحزن.. وللحديث المفصل مقام غير هذا المقام، سواء في جهته الأصولية أو في جهته الفقهية 7.

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. الطبري 1.
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 144، الصفحة: 22.
  • 3. القران الكريم: سورة البقرة ( 2 )، الآية: 144، الصفحة: 22.
  • 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 150، الصفحة: 23.
  • 5. القران الكريم: سورة البقرة ( 2 )، الآية: 150، الصفحة: 23.
  • 6. الصحيح من سيرة الرسول ج 4.
  • 7. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ): الجزء الأول.