الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

هل كان ابو الفضل العباس ناسيا لعطش الحسين عندما اقتحم نهر الفرات فتذكر عطش الحسين لما اراد الشرب؟

نص الشبهة: 

هل كان أبو الفضل العباس ناسيا لعطش الحسين عليه السلام عندما اقتحم نهر الفرات ، ( فتذكر ) عطش الحسين عليه السلام لما أراد الشرب ؟ و ألم يكن المناسب أن يشرب الماء لكي يتقوى على قتال الأعداء ؟ أو كان يجب عليه الشرب لكي يحافظ على نفسه من الهلاك ؟

الجواب: 

أصل الخبر هو ما ورد في مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي 1 كما نقل : ( .. فقال له الحسين ( ع ) . ان عزمت فاستسق لنا ماءا ، فاخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة قالوا واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش الحسين ( ع ) فرمى بها وقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت ان تكوني
هذا الحسين وارد المنــون *** و تشربين بارد المعــين 2
هذا هو المصدر الرئيس للخبر ، وقد ذكره في البحار بعنوان في بعض تأليفات أصحابنا .


الموجود هو وصف المؤرخين لحالة أبي الفضل العباس وهو ليس سوى وصف ظاهري ، للواقعة من دون أن يعلم الراوي عما كان يعتلج في نفس العباس حينئذ . كما أنه لم يرد ذلك في نص روائي معتبر عن المعصوم حتى يفيدنا علما بالموضوع .
يضاف إلى ذلك أن الذكر حينئذ لا يلزم منه الغفلة قبله . خصوصا وأن للذكر مراتب تتفاوت شدة وضعفا .
كما أنه يمكن على فرض صحة الوصف وكشفه عن حالة أبي الفضل سلام الله عليه ، أن يقال بأن العباس الذي قد قدم لتوه من عمل عسكري ضخم حيث اخترق الصفوف حتى وصل إلى المشرعة وأزال عنها أربعة آلاف فارس ـ كما نقلوا ـ على رأسهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ونزل إلى شاطيء الفرات ، وهنا قد يكون الأمر على نحو الحركة اللاشعورية التي تحدث للظاميء والعطشان عندما يرى الماء فإنه يسارع إليه ، في رد فعل سريع لرؤيته ، ويملأ كفه ، لكن مع أدنى توجه إلى تلك الحركة اللاشعورية ، يقوم أبو الفضل بسكب الماء مرة أخرى ويمتنع عن الشرب .
ويا بعد ما بين الشطر الأول والشطر الثاني من السؤال ، فإن الأول يستكثر على أبي الفضل تلك الحركة اللاشعورية للظاميء بينما يطالبه الشطر الثاني بأن يشرب الماء وأن يلتذ به !!
والجواب عليه : أما حكاية المحافظة على النفس ، والنجاة من الموت ، فلم يعلم أن أبا الفضل عليه السلام كان قد بلغ به العطش مبلغا يؤدي إلى إنهاء حياته حتى يجب المحافظة عليها بشرب الماء ، وذلك أننا رأيناه يقاتل بعد ذلك قتال الأبطال لفترة غير قصيرة ، ومن حاله هكذا لم يكن ليهلكه العطش .
وأما أنه لماذا لم يشرب حتى يتقوى على قتال الأعداء ، فإضافة إلى الجواب السابق ، نقول هؤلاء قوم ليس مشروعهم في الحياة ، البقاء , وإنما مشروعهم تقديم النموذج الإيماني والأخلاقي العالي . حتى تأتي الأجيال 3 وتقتدي بهم في إيمانها ، وصمودها ، ودفاعها . وإلا فما قيمة شربة ماء لن تقدم أو تؤخر في الصورة النهائية للمعركة ؟ إنما قيمة الامتناع عنها هي التي تؤسس معنى في الإيثار ، والأخوة لم يسبق له نظير .
إن الموقف الذي يطالب السائل هو الموقف الذي يلتزم به أكثر الناس ، في هذه المواقف حيث لا يقدّمون في مضمار سباق القيم ، والحاجات الشخصية إلا الثانية . لكن أهل البيت عليهم السلام ومن تأثر بهم يريدون أن يرفعوا الإنسان إلى سماء أخرى ، ذات آفاق أرحب . لا سيما في كيفية العلاقة مع الأئمة والقادة 4 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. العجيب أن القندوزي في ينابيع المودة ج 3 قد نقل الحادثة عن أبي مخنف كما يفترض لكن مع شيء من التغيير ، أنهم حفروا بئرا ، فصادفتهم صخرة ثم أخرى فصادفتهم صخرة أخرى كذلك ، فقال لأخيه امض قال له : " امض إلى الفرات وآتينا الماء " ، فقال : " سمعا وطاعة " ، فضم إليه الرجال ، فمنعهم جيش عمر بن سعد ، فحمل عليهم العباس فقتل رجالا من الأعداء حتى كشفهم عن المشرعة ، ودفعهم عنها ، ونزل فملا القربة ، وأخذ غرفة من الماء ليشرب فذكر عطش الحسين وأهل بيته فنفض الماء من يده وقال : " والله لا أذوق الماء وأطفاله عطاش والحسين " وأنشأ يقول ... إلخ .. يقول ضم إليه الرجال مع أنه في هذه الحملة لم يكن مع الحسين غير أبي الفضل كما تذكر الروايات التاريخية ، ولعل القندوزي اشتبه عليه الأمر بين الحملة الأولى التي تمت في اليوم السابع حيث كان مع العباس عدد من الرجال وانتهت بأن جلبوا الماء للمخيم ، وبين الثانية التي كان فيها وحده واستشهد على إثرها .
  • 2. مقتل الحسين (ع) ـ أبو مخنف الازدي ص 179 .
  • 3. إننا نجد حتى الذين يقفون في طرف المنافسة أو العداء ، لا يملكون أنفسهم من الاعجاب بمواقف أهل البيت في كربلاء ، فهذا مصعب بن الزبير ، كما قيل لما أراد قتال عبد الملك بن مروان ، بلغ الحائر فوقف على قبر الحسين فقال : يا أبا عبد الله أما والله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك ، ثم قال :
    وإن الألى بالطف من آل هــاشم *** تآسوا فسنوا للكرام التأسيــا
  • 4. من قضايا النهضة الحسينية ، ( أسئلة و حوارات ) : الجزء الثاني .

تعليق واحد