هل للشيعة كتاب جامع للأحاديث على غرار الصحيحين مثلاً ؟

إن جوامع الحديث لدى الشيعة ليست قليلة و هي تحوي عشرات الآلاف من الأحاديث ، و فيما يلي نشير إلى بعضها كالتالي :
1. الكافي للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) المتوفى سنة : 328 هجرية ، و هذا الكتاب رتَّبه مؤلفه في 34 كتاباً و 326 باباً ، أما عدد أحاديثه فهو 16199 حديثاً ، و قد قسَّم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة أقسام أصول و فروع و روضة ، فجمع في قسم الأصول الأحاديث الاعتقادية ، و جمع في قسم الفروع الأحاديث الفقهية ، و جمع في قسم الروضة الأحاديث الأخلاقية و ماشابه ذلك ، و لقد أمضى المؤلف في جمع هذه الأحاديث عشرين عاما من عمره .
2. من لا يحضره الفقيه ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى سنة : 381 هجرية ، جزَّأه مؤلفه أربعة أجزاء ، و بوَّبه 666 باباً ، و ضمَّنه 5998 حديثاً .
3. تهذيب الأحكام : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفى سنة : 460 هجرية ، و عِدَةُ أبوابه 393 باباً ، و عدد أحاديثه 13590 حديثاً .
4. الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفى سنة : 460 هجرية ، يقع في ثلاثة أجزاء ، جزءان منه في العبادات ، و الثالث في بقية أبواب الفقه ، و عدد أحاديثه 5511 حديثاً .
5. الوافي : للشيخ محمد بن مرتضى المدعو بمحسن الكاشاني ، و الملقب بالفيض ، و المتوفى سنة : 1091هجرية ، يضم 50000 حديثاً .
6. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) ، و عدد أحاديثه 35850 حديثاً .
7. مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل ، للشيخ ميرزا حسين بن محمد تقي الطبرسي النوري ، المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبع في ايران حجرياً سنة : 1321 هجرية ، ثم أعيد طبعه في طهران سنة : 1382 هجرية ، فيه زهاء ثلاثة و عشرين ألف حديث ، إستدركها مؤلفه على كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي .
8. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، للعلامة الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) ، المتوفى سنة : 1110 هجرية ، طبع على الحجر في ايران سنة : 1303 ـ 1315 هجرية في خمسة و عشرين مجلداً وفق تجزئة المؤلف ، ثم طُبع طباعة حديثة على الحروف في 110 مجلد .
9. جامع أحاديث الشيعة ، ألفته لجنة من العلماء تحت إشراف آية الله البروجردي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) .
لكن ينبغي التنبيه على أمر هام و هو أنه لو كان مقصود السائل وجود جوامع حديثية للشيعة يعتقد بأن كل ما ورد فيها من الأحاديث هي أحاديث صحيحة و غير قابلة للنقاش كما هو الحال بالنسبة إلى صحيح البخاري عند أهل السنة مثلاً ، فلابد أن نقول بكل صراحة أن كتب الحديث عندنا ليست هكذا فهي تحتوي على الحديث الصحيح و الضعيف و المرسل ، و ليست جوامع الحديث عند الشيعة صحاحاً يستدل بكل حديث ورد فيها ، بل الاستدلال يتوقف على اجتماع شرائط الصحة التي ذكرها علماء الدراية و الحديث .
و تهتم الشيعة بالحديث الشريف الذي يمثّل السنة الشريفة كل اهتمام باعتباره المصدر الثاني للتشريع الإسلامي على كافة الأصعدة بعد القرآن الكريم .
أما الحديث عند الشيعة فهو : كلامٌ يحكي قول المعصوم ( عليه السَّلام ) أو فعله أو تقريره ، و بهذا الاعتبار ينقسم إلى الصحيح و مقابله ، و بهذا عُلم أن مالا ينتهي إلى المعصوم ( عليه السَّلام ) ليس حديثاً ، و أما العامة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلى أحد الصحابة و التابعين ، و لأجل التمييز بين القسمين ربما يسمّون ما ينتهي إلى الصحابة و التابعين بالأثر 1 .
ثم إن الشيعة تعتبر علم الحديث من أشرف العلوم و أكثرها نفعاً ، لذا فان علماء الشيعة قد بذلوا قصارى جهدهم من أجل تدوين علوم الحديث ، فألّفوا في غريب الحديث و غرائبه ، كما ألّفوا في علم رجال الحديث المتكفل بتمييز الثقاة من الرواة عن غيرهم ، كما و ألّفوا في علم الدراية الذي يبحث عن العوارض الطارئة على الحديث من ناحية السند و المتن و كيفية تحمّله 2 و آداب نقله و أدائه 3 .
و لأن الحديث اعتمد في تحمله و نقله الرواية الشفوية ثم الرواية التحريرية ، و لقد جاء أكثر الحديث عن طريق الآحاد ، و خبر الواحد ـ كما هو مقرر و محرر في علم أصول الفقه ـ لا يفيد اليقين بصدوره عن المعصوم ، فوضع العلماء ما يعرف بـ " علم الرجال " و " علم الحديث " لهذه الغاية 4 .
و علم الرجال : هو العلم الذي يبحث فيه عن قواعد معرفة أحوال الرواة من حيث تشخيص ذواتهم ، و تبيين أوصافهم التي هي شرط في قبول روايتهم أو رفضها 5 .
و لقد عَدَّ العلماء تعلّم علمي الرجال و الحديث من شروط الاجتهاد المطلق و من أساسيات الفقاهة ، و أعتبروه من المقدمات الضرورية للبلوغ إلى مرتبة الاجتهاد الفقهي و تطبيق عملية الاستنباط .
هذا و ان إخضاع الراوي إلى التقييم الدقيق في علم الرجال يعبّر عنه بالجرح و التعديل ، و يراد منه النتيجة الحاصلة من التدقيق في أحوال الراوي من حيث الوثاقة أو اللاوثاقة ، فالوثاقة تساوي التعديل ، كما أن اللاوثاقة تساوي الجرح في مصطلح علم الرجال 6 .
أما الشيعة فتمتاز على غيرها من المذاهب بإخضاع كافة الرواة من دون استثناء إلى هذا التقييم للتعرّف على حالهم و لتمييز الصالحين منهم من الطالحين و المؤمنين عن المنافقين ، كي يتسنى لهم الأخذ من الصالحين و المؤمنين دون غيرهم .
أما السُنة فيستثنون الرواة من الصحابة من هذا التدقيق و التقييم ، و يرون بأنهم فوق الجرح و التعديل ، لذلك فهم لا يخضعونهم أبدا إلى التقييم .
هذا و ان موضوع عدالة الصحابة من المواضيع الحساسة التي شغلت مساحة كبيرة من أبحاث الحديث و الرجال ، و قد ذهب جمهور من أبناء العامة إلى أن جميع الصحابة عدول و لا ينبغي أن تنالهم يد الجرح و التعديل كما تناله غيرهم من المسلمين .
و مما يدعو إلى العجب هذا الاصرار على قداسة الصحابة ، و أنهم فوق مستوى الجرح و التعديل ، مع أنهم رووا عشرات الأحاديث التي اختارها أصحاب الصحاح حول ارتداد الصحابة عن الدين و مخالفة جملة من أصوله و مبادئه و أحكامه مضافاً إلى ممارسات غير مشروعة إرتكبوها على نحو لا يدع مجالاً للريب في أنهم كانوا كسائر الناس فيهم الصالح و الطالح ، و المنافق و المؤمن ، إلى غير ذلك من الأصناف التي يقف عليها المتتبع لآيات الذكر الحكيم و السنة النبوية ، و هذا أمر عجيب جداً 7 .
لكن علماء الشيعة يصرحون بضرورة التدقيق في أحوال الرواة بصورة كاملة ، و يرون بأن الحديث إنما يصبح صالحا لأن يكون مصدراً من مصادر التشريع بعد مروره بالمراحل التالية :
1. تقييم رواة الحديث بصورة دقيقة لا تقبل التسامح لتشخيص و تعيين هوية الراوي بصورة كاملة ، و ذلك على أسس علمية و قواعد مرسومة في علم خاص بهذا الأمر يسمى بعلم الرجال ، و بالاستعانة بهذا العلم يتعرف العلماء على حال الرّواي من حيث الوثاقة و اللاوثاقة ، فيقررون قبول روايته أو رفضها .
2. تقييم كافة الأحاديث المروية عن المعصومين ( عليهم السَّلام ) من حيث متن الحديث و سنده و طرقه لتمييز الأحاديث الصحيحة عن السقيمة ، و يتم هذا التدقيق و التقييم على أسس علمية رصينة و قواعد مدونة في علم خاص بهذا الأمر يسمى بعلم الدراية 8 .
3. ثم بعد ذلك تخضع الرواية إلى المناقشة في حجيتها في علم الأصول 9 .
4. و بعد ذلك كله تأخذ الرواية طريقها إلى استنباط الحكم الشرعي منها في علم الفقه ، و بعد ثبوت حجية الرواية و صلاحيتها للاستدلال بها يعتمدها الفقيه مصدراً تشريعياً يفيد منه الحكم المطلوب .
نعم هذه هي المراحل التي لابد و أن يمر الراوي و ما رواه من خلالها حتى يصل الحديث إلى مرحلة استنباط الحكم الشرعي منه ، خلافا لأهل السنة ، فهم يعتبرون الصحابة فوق مستوى الجرح و التعديل ، إذ جعلوا عدالة الصحابي هي الأصل ، سواء أكان معلوم الحال أم مجهولها ، فالصحابة في رأيهم في منأى عن النقد ، فلا يصح التعرّض لهم بشكل من الأشكال ، إذ لا يتسرب الشك إليهم أبداً .
مواصفات الراوي المقبول روايته و مؤهلاته :
1. الإسلام : فلا تقبل رواية الكافر مطلقاً ، أما قبول شهادة الذمي في باب الوصية في حق المسلم ، فهو خارج بالدليل ، و هو قول الله تعالى : ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ... 10 ، فقد فَسّرت الروايات قوله تعالى : { أو آخران من غيركم } بالذمي 11 .
2. العقل : فلا يقبل خبر المجنون و روايته ، و هو واضح و بديهي .
3. البلوغ : فلا يقبل خبر الصبي غير المميّز ، و بالنسبة إلى المميّز فالمشهور عدم قبول روايته .
4. الإيمان : أي كون الراوي شيعياً إمامياً إثنا عشرياً 12 .
5. العدالة : و هي كما يراه المشهور ، عبارة عن ملكة نفسانية راسخة باعثة على ملازمة التقوى و ترك ارتكاب الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر ، و ترك منافيات المروءة التي يكشف ارتكابها عن قلة المبالاة بالدين ، بحيث لا يوثق منه التحرّز عن الذنوب 13 .
و في الختام لابد من التنبيه على أنه قد يتساءل السائل و يقول إذن لماذا لم تدوَّن الجوامع الحديثية لدى الشيعة على الأساس المذكور ، فتستخرج منها الأحاديث الصحيحة و تطرح غيرها ، إذ لا فائدة في الأحاديث غير الصحيحة ؟
و في الجواب نقول : إن تقييم الحديث كما أشرنا إلى ذلك من الأمور الدقيقة جداً ، و لا يتمكن من ذلك إلا ذوي الخبرة و الاختصاص ، و هي مسألة اجتهادية لا بد و إن يكون باب الخوض فيها مفتوحاً أمام جميع العلماء بصورة دائمة و في أي وقت ، و لا يمكن البَتُّ في تقييم الرواي و الرواية إعتماداً على رأي من سبقنا من العلماء و سدّ باب التحقيق في سند الرواية و متنها أمام الآخرين ، فباب البحث و النقاش مفتوح دائماً ، و لهذا السبب لا يمكن وضع جوامع حديثية تضم الصحاح من الأحاديث فقط .

  • 1. أصول الحديث وأحكامه : 19 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) .
  • 2. التحمّل : مصطلح من مصطلحات علم الحديث ، و يراد منه تلقّي الراوي للحديث من الراوي الآخر الذي ألقاه إليه ، ثم الحفظ له من قبل الراوي المتلقي ، سواءً كان ذلك الحفظ استظهاراً و عن ظهر القلب ، أو كتابةً و تدويناً ، فالتحمّل ـ إذن ـ يعني الحمل ـ لغة ـ حمل في مشقة ، و من غير شك أن حمل الحديث فيه شيء من المشقة لما فيه من وجوب الاحتياط له من أن يدخله أو يشوبه شيء ليس منه ، يراجع : أصول الحديث : 223 ، للعلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي : الطبعة الثانية سنة : 1416 هجرية ، مؤسسة اُم القرى للتحقيق و النشر .
  • 3. الأداء : مصطلح من مصطلحات علم الحديث ، و يراد منه إلقاء الراوي للحديث لراوٍ آخر يتلقاه منه ، يراجع : أصول الحديث : 223 .
  • 4. أصول الحديث : 14 .
  • 5. أصول علم الرجال : 11 ، للعلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي ، الطبعة الثانية ، سنة : 1416 هجرية ، مؤسسة أم القرى للتحقيق و النشر .
  • 6. لمعرفة الألفاظ المستعملة في الجرح والتعديل يراجع : أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية : 153 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) قم / إيران ، و يراجع أيضاً : أصول الحديث : 115 – 123 ، للعلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي ، الطبعة الثانية سنة : 1416 هجرية ، مؤسسة اُم القرى للتحقيق و النشر .
  • 7. الحديث النبوي بين الرواية و الدراية ـ بتصرف يسير ـ : 51 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الأولى سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) قم / إيران .
  • 8. علم الدراية : هو العلم الباحث عن الحالات العارضة على الحديث من جانب السند أو المتن ، أصول الحديث و أحكامه في علم الدراية : 14 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) ، الطبعة الثانية سنة : 1419 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قم / إيران .
  • 9. علم الأصول : صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل ، كفاية الأصول : 1 / 9 ، للمحقق الخراساني ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) .
  • 10. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 125 .
  • 11. يراجع : زين الدين العاملي المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفى سنة : 966 هجرية : الرعاية في علم الدراية : 181 – 182 .
  • 12. للتفصيل يراجع : العلامة الطوسي محمد بن الحسن : عدة الأصول : 379 – 381 ، طبعة مؤسسة آل البيت ، سنة : 1403 هجرية .
  • 13. يراجع : جمال الدين حسن بن زين الدين العاملي ، المتوفى سنة : 1011 هجرية ، المعالم : 201 ، عنه العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) : أصول الحديث و أحكامه : 134 .

5 تعليقات

صورة بومحمد

الاحاديث

هناك بعص الخطباء يقولون احاديث تسئ للمذهب مثل ان احدهم قال ان البومة لا تستطيع تحريك رقبتها يمينا وشمالا لانها مرغت رأسها بدم الحسين عليه السلام مع ان البومة كانت موجودة بنفس الصفات قبل واقعة كربلاء فهل هذا الحديث صحيح ؟

صورة اخ جعفر

رد

مهما كانت هناك روايات غريبة نسمعها فيوجد مثلا عند اخواننا السنة رواية ان يأجوج ومأجوج عندهم اذنين كبيرتين يفترش بواحدة ويلتحف بالأخرى، لكن هنا علينا التاكد من صحة الرواية قبل نقلها فان كانت ضعيفة السند او تخالف القران رفضناها كما اتذكره من علمائنا واذا كانت الرواية صحيحة عن احد المعصومين فعلينا ان نؤمن بها حتى لو كانت غريبة، انا معك اخي الكريم بعض الروايات وإن صحة فالافضل عدم
ذكرها على المنابر حتى لا نتسبب بالمضايقة من المذاهب الاخرى