مجموع الأصوات: 8
نشر قبل 7 أشهر
القراءات: 770

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

أسرار زيارة الأربعين

إن زيارة الأربعين هي عبارة عن مهرجان إلهي تعبوي يتم فيه نوع من دخول البشر في النور، وبالتالي يدربون على التضحية في سبيل القيم والمبادىء ومن ثم على رفعة معدن الذات والطينة الإنسانية، فبدل أن تكون خسيسة، دنيئة، دنية، أسيرة للشهوات أو للغرائز أو للدنيا أو لحب البقاء، وبدل أن تكون ذليلة ورهينة السفاسف سوف تتصاعد وتحلق إلى المعالي، وتبني شخصية الإنسان في هذا المعسكر، وتتشبع فيها القيم والمعالي والفضائل والعزة.

ولذلك نرى كل المراقبين الدوليين المترصدين ومن مصادر عديدة يقرون بأن هذه الزيارة الملاييني هي أكبر معهد ومعسكر تدريب للنفس البشرية بشكل عظيم، حيث يدربها على التضحية والفداء والعطاء. بحيث أي دولة كبرى لو أرادت أن تعبئ شعبها ولو لشرائح قليلة منه استعداداً لحرب مثلًا أو حرب طوارئ التي تطرأ على البلد فلا تستطيع أن تجند إلا القلة القليلة وبالترغيب والترهيب، بينما في زيارة الحسين (ع) نجد الملايين من البشر، بل زحف بشري ملاييني وطوعي من نفس البلد ومن خارجه، فما هذه القدرة في التعبئة؟!

زيارة الأربعين والمراقبة الدولية

إن كل المراقبين الدوليين على وجل وخوف من هذا المهرجان العبادي الروحي العملاق، لأن هذه الوقود والقدرة في التعبئة المليونية والسنوية لا يمتلكها أكبر نظام على وجه الأرض، ولا أي دولة عظمى ولا الوسطى ولا الدول الأخرى، بل حتى الدول الإسلامية بل وبصراحة حتى النظم الشيعية لا تمتلك هذه القدرة وبشكل لا ملل ولا كلل، وإنما الذي يمتلك هذه القدرة والوميض والمحرك هو الإمام الحسين (ع) وبشكل طوعي ليس فيه أي ترغيب أو ترهيب، بل فيه المخاطر والتضحية بالنفس والمال للزائرين المشاة بسبب الإرهاب الحاقد الأعمى البغيض.

فقد ذكر عدة من الأخوة من ذوي الرصد والمتابعة أن بعض الدوائر الغربية تجري دراسة خاصة سنوية عبر إذاعاتها ومواقعها وعبر الانترنت حول ما يفعله الخطباء والرواديد من تأثير في نفوس الشباب.

زيارة الأربعين والنظام البائد

وقد كان النظام البائد كما جاءت الأنباء والمصادر بذلك يستعرض فيلما وثائقيا عن هذه الظاهرة الحسينية على أعضاء القيادة القطرية قبل سقوط النظام العفلقي بأشهر، وأخذ يستنطقهم ويستدرجهم لأخذ آرائهم في كيفية قمع هذا البركان الحسيني، فتخوف كل أعضاء قيادته ولم يجيبوا بشيء لا نفياً ولا إثباتاً خوفاً من غطرسة طاغيتهم، وبعد ذلك أجابهم أن هذا الزلزال الحسيني لم يهدأ أبداً ولكني في السنة القادمة سوف أفعل ما أفعل، وأخذ يتهدد ويتوعد بقطع الأيدي والأرجل والأذان- ولكن ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ 1.

فالذي كان يقرف العفالقة وطاغيتهم العفن خوفا ووجلُا ومن وراء نظامهم دوائر دولية كثيرة هي المخططة لهذه الأمور هو أن هذه القدرة التعبوية الحسينية رغم إرهابهم لم يستطيعوا أن يوقفوا التدريب على الشجاعة والجرأة الموجودة في معسكر الحسين (ع) فالعراق هو قلب الشرق الأوسط وهو مفرق جغرافي إلى قارة آسيا وأفريقيا فبالتالي هو مفرق الحضارات والأديان ومفصل لكل شيء، وهو قلب نابض والحسين رابط في هذا القلب وكل هذه القدرات التعبوية موجودة عنده (ع).

المشروع المهدوي قائم بالمشروع الحسيني

ومن خلال ما سبق فإن الحسين (ع) هو الناصر لولده المهدي (عج) وهو الذي يعد العدة له (عج) لأن هذا التدريب الروحي وهذه التربية الروحية وهذا البناء الروحي الإنساني لأجيال المؤمنين يتم بيد الحسين (ع) فهو الذي يوطىء للظهور ولنصرة ولده المهدي (عج) ومن هنا نستطيع أن نقول أن المهدي ينصر بالحسين (ع)، وهذه نقطة مهمة.

والنقطة الأخرى أن المشروع المهدوي لا تقوم له قائمة بدون الحسين (ع).

وبعبارة أخرى أن ولاء المؤمنين للإمام المهدي (ع) متشعب عن ولائهم واستماتتهم ومودتهم بجده الحسين (ع) وليس العكس، وهذه النقطة تبين موقع الإعتقاد بالإمام الحسين (ع) وكيف هو متقدم على موقع الاعتقاد بالإمام المهدي (ع) ويشير الى مراتبهم (ع) مافي الزيارة (لعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها)، فإعتقاد المؤمن أولًا بالله وبالنبي (ص) هو الذي يدعوهم لنصرة الإمام المهدي (عج)، فكذلك اعتقاد المؤمن بأمير المؤمنين أولًا هو الذي يدعوهم لنصرة الإمام المهدي (ع) ثانياً. وهنا كذلك فاعتقاد المؤمن بالإمام الحسين هو الذي يكسبهم الولاء للإمام المهدي (ع) فواضح أن المشرووع المهدوي قائم بالمشروع الحسيني، وبعبارة أخرى أيها المهدويون يا عشاق المهدي (عج) ويا عشاق الظهور والفرج بابكم الأوسع لنصرة الإمام المهدي (عج) ولإقامة المشروع المهدوي هو مشروع الحسين (ع) والشعائر الدينية وهذا أمر عظيم جداً يجب الالتفات إليه.

ومن ثم فزيارة الأربعين هي بنفسها وبحجمها الملاييني هي تربية على الإعداد للظهور وللمشروع المهدوي.

المراقبة الدولية لزيارة الأربعين

هناك مصادر موثقة وموجودة ولكن بما أن البحث بحث معرفي فسوف نعرض عن ذكر التسميات حتى لا يأخذ البحث مسارات أخرى.

هناك مراقبون دوليون يراقبون الظاهرة المسيرية الملايينية التي يخرج لها شعب بأكمله ومن جميع المحافظات، بحيث تفرغ أغلب هذه المحافظات عن بكرة أبيها، فلو نلاحظ أي تجمع بشري الآن وفي أي مدينة حتى من البلدان المتحضرة صناعيا وتقنياً كالغرب وغيره أنهم كم يحتاجون لأجل تجمع بشري ما من ناحية البعد الأمني إلى مؤونة لحراسة هذا التجمع، وكيف يتم تدبير الرعاية الصحية، الرعاية المرورية، رعاية التموين الغذائي، الرعاية الأمنية من داخل التجمع ومن خارجه، الرعاية في جدولة البرامج، الرعاية الإدارية في تنسيق هذه البرامج بين بعضها البعض، الرعاية البلدية وغير ذلك، وبعبارة أخرى مرافق الدولة بوزاراتها الخدمية وغير الخدمية وحتى السيادية لا تستيطع أن تنظم

مثل هذه الظاهرة الملايينية إذا كانت في بقعة ومنطقة واحدة فكيف إذا كانت منتشرة على جميع الطرق من المدن المختلفة التي تؤدي نهايتها إلى كربلاء الحسين (ع) ولعدة أيام أو أسابيع.

فنظم هذه الأمور في علم الإدارة، العلوم الإستراتيجية، العلوم البلدية، علوم إدارة المدن لو تمت هذه العلوم في نظم هذا المجموع ورعايته فلا تستطيع السيطرة عليه بل هو خارج عن قدرة الدولة تماماً، فمثلًا الحج قد يصل عدد الحجيج فيه إلى ثلاثة ملايين ولأيام معدودة وفي داخل بقعة جغرافية محدودة وهي مكة المكرمة والمشاعر، وفي كل هذا التطور الحاصل فيها من الأبنية والمرافق والمرور تقع فيها الضحايا والشكاوى وغير ذلك، فكيف بالانتشار البشري الذي يمر عبر طرق بين المدن والصحراء وبمسافات تقدر بمئات الكيلومترات، فكيف يمكن لدولة أن تنظمه، والحال أنه ليست الدولة هي التي تنظمه وإنما هو ينظم تلقائياً من المؤمنين.

أحد الرموز ذكر أن مسؤول القوات المسلحة للشرق الأوسط للإدارة الأمريكية راقب هذه الظاهرة والمظاهرة الحسينية عبر الأقمار الاصطناعية لمدة أسبوعين أو أكثر وبث مباشر فأنبهر وقال: أنا اعترف أنتم الشيعة أكثر تحضراً بالمقايسة مع الأحداث التي تقع في نيويورك أو باريس.

وهذا واقع وليس فيه أي تعجب، لأنه راقب الحدث مباشر فلم ير أي فتنة أو قتال أو عراك أو اصطدام أو إرباك، حسب ما يقول، في حين سمعنا وربما البعض منا شاهد ذلك أن الكهرباء أنطفأت لدقائق قليلة في الدول المتحضرة في الآليات التقنية المعدنية والصناعية كالغرب فأختل الوضع الأمني حيث حصل سطو وسرقات، بينما هنا في زيارة الأربعين لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، وهذا ليس بصدفة بل هو إعجاز ولكن لا الإعجاز بمعنى أن نرى يد من الملكوت وإنما نفس برامج قيم وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) لحقايق القرآن هي إعجاز، فإن نور تربية أهل البيت (عليهم السلام) إعجاز، معارف وآداب أهل البيت (عليهم السلام) إعجاز.

زيارة الأربعين والمدينة الفاضلة

إن معسكر الأربعين هو عبارة عن تجسيد المجتمع والمدينة الفاضلة أمام مرأى البشر، وهذا التجسيد يتجدد في كل عام من قبل المؤمنين، وأحد تفسيرات المدينة الفاضلة التي فسرت من قبل الحكماء وأصحاب العلوم الأجتماعية هي التي لا تحتاج إلى رئيس وموجه، فكأنما البشر فيها قد وصلوا إلى مرحلة البلوغ العقلي والروحي والإداري والعلمي، فإن نسيجهم الطبيعي هو الذي يدبر نفسه بنفسه، وهذا في الحقيقة هو غلبة العقل والنور على الغرائز، لأن الغرائز الهابطة الأرضية كما يصفها القرآن الكريم ﴿ ... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ 2 منشأها هو الحرص والطمع وهذا ما بينه الكتاب الكريم ﴿ ... قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ 3.

فإذا كان العقل والنور والقلب يطغى فسوف تكون هناك جنة وأمان، ولهذا السبب نرى أكثر الحكام الجبابرة والأنظمة الحاقدة على مذهب أهل البيت يتخوفون من هذه الظاهرة الحسينية وهذا ما أشارت إليه التقارير الدولية التي تراقب هذا الحدث بخفية وغير خفية.

فلا يمكن أن ننظر إلى زيارة الأربعين كطقوس عبادية محضة بقدر ما هو عبادة بناء مجتمع وبناء رؤية ثاقبة، ومرآة ناصعة للبشرية.

فلو نلاحظ مفهوم التكامل ومفهوم التضامن وكل المفاهيم الأخلاقية وليس على الصعيد الفردي والأسري بل على الصعيد المجتمعي تتجسد في زيارة الأربعين، كحل الأزمة الاقتصادية، وحل الأزمة الأمنية، وحل الأزمة العنصرية والتمييز العنصري وغير ذلك من الأمراض الكثيرة التي تعاني وتقض من مضجع البشرية كل هذه الأزمات حلولها في مدرسة ومنهاج الحسين (ع) فتعالوا واشهدوا هذا المجتمع الفاضل والمجتمع النوري، والذين يعيشون أيام مسيرة الأربعين يعيشون في الواقع حالة الصفاء الروحي والنوري ويتمنى كل فرد منهم أن يعيش هذه الحالة طول عمره.

ولهذا نرى المؤمن إذا دخل في معسكر هذه الأجواء للشعائر الحسينية يعيش حياة هذا المجتمع النوري الفاضل ولكن إذا رجع إلى مدينته أو بيته وتناسى الحسين (ع) فبقدر ما نبتعد عن الحسين (ع) نبتعد عن هذا النور وعن هذه الجنة والجنان والمثالية، وبقدر ما نعيش ونقبل على الحسين (ع) نعيش هذه الجنان الحسينية كما روى عنهم (ع): من أقبل علينا أقبلنا عليه ومن أدبر عنا أدبرنا عنه.

فبقدر ما يقبل المؤمنون على مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) يعيشون الصفاء والنور والثمار، وفي نفس الوقت يجسدون حاضرة متمدنة لم تشهدها إلى الآن البشرية، فهناك تحدي بين قيادة سيد الشهداء وتأثير سيد الشهداء وتربية سيد الشهداء للبشرية وبين كل الحضارات والأنظمة والمدارس البشرية وكل المصلحين البشريين بما فيهم المسلمين والمؤمنين.

فلا يوجد أي مصلح غير الحسين (ع) يمكنه أن يربي ويصهر النفوس على مسار ذهبي ولو كان عالماً مؤمناً 4.