الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الرايات السود التي تخرج من خراسان، هي رايات هدى

نتحدث الآن عن الجهة التي ترتبط بالممهدين كمؤشر لازم للتمهيد لظهور الإمام الحجة(عج).
أبرز الروايات المتواترة، تلك التي تتحدث عن الرايات السود التي تخرج من خراسان، وهي رايات هدى، تقاتل أصحاب الضلالة، وتقدِّم التضحيات الكبيرة، وتخوض حروباً عدة أبرزها على أرض العراق في مواجهة السفياني الذي يسيء إلى الدين، ويعتمد الظلم والقتل منهجاً لمساره، ويعمل قائدها الأعلى وكل قادتها تحت لواء إمام الزمان(عج)، فهم ناصرون للحق، صامدون في القتال، لا يخافون في الله لومة لائم، يتقدمون إلى الأمام ولا يتراجعون. نكتفي بروايتين للدلالة على المقصود:
قال رسول الله(ص):" تجيء الرايات السود من قبل المشرق، كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم، فليبايعهم ولو حبواً على الثلج" 1.
وقال الإمام الكاظم(ع):"تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي(عج)، بُعث إليه بالبيعة" 2.
كما ترى، فإنَّ العنوان البارز للرايات التي تخرج من خراسان هو الإيمان، وبيعة الإمام المهدي(عج)، يحملون منهج الإسلام الأصيل، ويدافعون عنه، وهم يمثلون الخط الرسالي الهادف الذي يمهد لصاحب العصر والزمان، لذا فإنَّ نصرتهم، والسير على منهجهم، والبقاء في خطهم، مهما كانت الصعوبات، ولو حبواً على الثلج، إنما يدلُّ على مكانتهم من صاحب الأمر، ودورهم في التمهيد، ومحوريتهم في الاستقطاب لمصلحة الإسلام المحمدي الأصيل. وهم لا يكتفون برفع شعار البيعة لصاحب الزمان، بل يصمدون أمام التحديات، كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، وبسبب التطورات التي تحيط بالمنطقة يتجهون إلى الكوفة(العراق)، بنصرة المؤمنين ومواجهة للكافرين، وقد ورد في روايات أخرى مواجهتهم لجيش السفياني، ليكون بعد ذلك إعلان بيعتهم للإمام المهدي(عج)، حيث يكون ظهوره الشريف متجلياً، فيحصل اصطفاف أهل الإيمان حول قائدهم المنتظر، وأهل الكفر مع بعضهم ، ليكون النصر النهائي بإقامة دولةالعدل الإلهي على الأرض، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.
حاول العباسيون تطبيق روايات الرايات السود عليهم، بل ذُكر أنَّهم اختاروا السواد لذلك، لكنَّ مسارهم الإيماني لم يكن منسجماً مع مضمون الروايات التي تتحدث عن الإيمان والصلاح والنصرة للأئمة(عم)، وقد مرَّ عصرهم وانتهى. وهل ينطبق الأمر على إيران الإسلام اليوم؟
إنَّ مسيرة إيران من انطلاقة الإمام المقدس الخميني(قده)، وقيادة الخامنئي(حفظه الله)، وتضحيات الشعب الإيراني، وثباته على الإسلام والحق، يجعل التماهي كبيراً جداً بين إيران وما ورد من روايات. وبما أن مسيرة الإمام المهدي(عج) هي مسيرة الإسلام الأصيل، فإنَّ أي خطوة في هذا المجال تشكل عاملاً مساعداً من عوامل التمهيد، فكيف إذا كانت بحجم الثورة الإسلامية المباركة وما تركته من آثار وتداعيات على مستوى الأمة والعالم؟ وكيف إذا أدَّت إلى عودة الطرح الإسلامي إلى الحياة كمنافسٍ ومتصدٍ وحاضرٍ في الساحة الدولية كقطب إيماني في مقابل أقطاب الكفر العالمي؟
إنَّ التطورات التي عصفت بمنطقتنا وأمتنا قد عيَّبت الدور الإسلامي عن الحكم والفاعلية، ليعود قوياً ويبدأ بالانتشار السريع مجدداً مع إيران الإسلام في الربع الأخير من القرن العشرين، وفي مرحلة انتشار الفساد العالمي في أعلى مراتب انحرافه، ليشكل هذا الحضور الإسلامي علامةً فارقةً ومميزة، تنبئ بقرب الظهور المنسجم مع التمهيد والممهدين. هذا ما نأمله، بأن نكون في عصر الظهور، كأملٍ وإيمان بالمسار، والله أعلم.
فإذا ما أضفنا وجود المؤمنين الذين يلهجون بالظهور، ويجاهدون في سبيل الله تعالى لنصرة الحق وتحرير الأرض والإنسان، ويتحملون الضغوطات والمعاناة، ويرفعون راية الإسلام، ويعلنون ولاءهم المطلق لصاحب الأمر(عج)، فإنَّ الصورة تقرِّبنا من عصر الظهور.
عن النبي(ص):"يا علي، أعجب الناس إيماناً، وأعظمهم يقيناً، قومٌ يكونون في آخر الزمان، لم يروا النبي(ص)، وحُجب عنهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض" 3.
إذاً نحن أمام مسارين: مسارٍ يمهد للإمام المنتظر(عج) بحضور المؤمنين وزيادة شوكتهم، ومسارٍ يزيد وتيرة الانحراف إلى مداها الأقصى، بحيث يتحقق بوجودهما ما بشَّرت به الروايات عن اقتراب عصر الظهور.
وردت أيضاً في الروايات تفاصيل أخرى في موضوعات مختلفة، هي أقرب إلى الصفات التي تحتمل معانٍ عدة، أو أنَّها تنطبق على أمور لا ندركها إلاَّ في وقتها الفعلي، أو أنَّها غير مؤكدة حيث لم يتم التدقيق فيها وفرز الصحيح من غيره بالنسبة لروايات الظهور، وبالتالي فلا يصح الجزم والقطع أو افتعال المطابقة لبعض الأحداث. فمثلاً: من هو العبد الصالح شعيب بن صالح؟ وهل الاسم الحقيقي للسفياني عثمان بن عنبسة ؟ وهل ترمز بعض مواقع الحروب أو الكنوز أو الأقوام إلى جهات نعرفها من دون تردد؟
لا مانع من الاستئناس ببعض التفاسير لهذه الأمور، لكنَّنا لا نستطيع الجزم بأنَّ فلاناً هو شعيب بن صالح، وفلاناً هو عثمان بن عنبسة...بل لا نحتاج إلى ذلك، على الرغم من رغبة الناس بالتوسع في التفاصيل، لأننا إذا جزمنا ببعض التطبيقات وتبيَّن خطأها، فإنَّها ستنعكس سلباً على من تعلَّق بها، فضلاً عن أن الروايات أبقت الأمور عامة بعناوينها ورموزها بهدف التركيز على أصل الظهور ومؤشرات عصره، وهو ما يمكن أن يطمئن إليه الإنسان من المؤشرات العامة.
علماً بأن تسارع الأحداث لن يترك مجالاً للانتظار الطويل عندما يحين وقت الظهور، فعن محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله(ع)، قال:"قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟
فقال : بلى.
قلت: وما هي؟
قال: هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء.
فقلت: جُعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟
فقال: لا، إنما هو كنظام الخرز، يتبع بعضه بعضاً" 4.
اليقين بالظهور فعل إيمان لا نحيد عنه، وترقُّب الظهور أملاً بالفرج عبادة، وأملنا كبير أن نكون في عصر الظهور، ويكفينا أن نعيش الأمل لنحصل على بركات الحجة(عج) الذي يرعانا في غيبته، هذا هو إيماننا، ودعاؤنا الدائم: اللهم عجل فرج وليك القائم، واجعلنا من أنصاره وأعوانه، والمستشهدين بين يديه 5.

 

  • 1. ابن أبي الفتح الأربلي، كشف الغمة،ج3، ص:273.
  • 2. الشيخ الطوسي، الغيبة، ص:452.
  • 3. الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص:366.
  • 4. النعماني، كتاب الغيبة، ص:262.
  • 5. المصدر : موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم حفظه الله.