الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

بيان الاسباب في قدوم الحسين الكوفة وقتاله

نص الشبهة: 

فإن قيل : ما العذر في خروجه عليه السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولى عليها أعداؤه ، والمتآمر فيها من قبل يزيد منبسط الأمر والنهي ، وقد رأى عليه السلام صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه ، وأنهم غدارون خوانون ، وكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج وابن عباس يشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودعه يقول استودعك الله من قتيل ، إلى غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب . ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل ( رضي ) وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع لما علم الغرور من القوم وتفطن بالحيلة والمكيدة ، ثم كيف استجاز ان يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها ، لها مواد كثيرة . ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه . ولم القى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما بالصحة ؟

الجواب: 

قلنا قد علما أن الإمام متى غلب في ظنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل ، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها تحملها ، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم وعهود وعقود ، وبعد ان كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين .
وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها ، تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن ( عليه السلام ) فدفعهم وقال في الجواب ما وجب .
ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن ( عليه السلام ) ومعاوية باق فوعدهم ومناهم ، وكانت أياما صعبة لا يطمع في مثلها .
فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة بذلوا الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى ( عليه السلام ) من قوتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد ، وتشحنهم عليه وضعفه عنهم ، ما قوى في ظنه ان المسير هو الواجب ، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب ، ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم ، ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق بما اتفق من الأمور الغريبة .
فإن مسلم بن عقيل رحمة الله عليه لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها .
ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هاني بن عروة المرادى رحمة الله عليه على ما شرح في السير ، وحصل شريك بن الأعور بها جاءه ابن زياد عايدا وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك ، وأمكنه ذلك وتيسر له ، فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك ، وأن النبي صلى الله عليه وآله قال أن الإيمان قيد الفتك .
ولو كان فعل مسلم بن عقيل من قتل ابن زياد ما تمكن منه ، ووافقه شريك عليه لبطل الأمر .
ودخل الحسين على السلام الكوفة غير مدافع عنها ، وحسر كل أحد قناعه في نصرته ، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه .
وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانيا سار إليه في جماعة من أهل الكوفة ، حتى حصره في قصره وأخذ بكظمه ، وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن ابن عقيل ، فتقاعدوا عنه وتفرق أكثرهم ، حتى أمسى في شر ذمة ، ثم انصرف وكان من أمره ما كان . وإنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لا يحة متوجهة ، وان الاتفاق السئ عكس الأمر وقلبه حتى تم فيه ما تم . وقد هم سيدنا أبو عبد الله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم بن عقيل ، وأشير عليه بالعود فوثب إليه بنو عقيل وقالوا والله لا ننصرف حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أبونا .
فقال عليه السلام : لا خير في العيش بعد هؤلاء .
ثم لحقه الحر بن يزيد ومن معه من الرجال الذين انفذهم ابن زياد ، ومنعه من الانصراف ، وسامه ان يقدمه على ابن زياد نازلا على حكمه ، فامتنع .
ولما رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة ، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد بن معاوية لعلمه عليه السلام بأنه على ما به أرق من ابن زياد وأصحابه ، فسار عليه السلام حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم ، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر ، فكيف يقال انه القى بيده إلى التهلكة ؟
وقد روى أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله قال لعمر بن سعد : اختاروا منى إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو ان أضع يدي في يد يزيد ابن عمى ليرى في رأيه ، وإما ان تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، فأكون رجلا من أهله لي ماله وعلي ما عليه .
وان عمر كتب إلى عبيد الله بن زياد بما سئل فأبى عليه وكاتبه بالمناجزة وتمثل بالبيت المعروف وهو :
الآن علقت مخالبنا به *** يرجو النجاة ولات حين مناص
فلما رأى ( ع ) إقدام القوم عليه وان الدين منبوذ وراء ظهورهم وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل وآل امره من بعد إلى القتل ، التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه وأهله ومن صبر من شيعته ، ووهب دمه ووقاه بنفسه .
وكان بين إحدى الحسنيين : إما الظفر فربما ظفر الضعيف القليل ، أو الشهادة والميتة الكريمة .
وأما مخالفة ظنه عليه السلام لظن جميع من أشار عليه من النصحاء كابن عباس وغيره ، فالظنون انما تغلب بحسب الامارات . وقد تقوى عند واحد وتضعف عند آخر ، لعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به من الكوفة ، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود والمواثيق .
وهذه أمور تختلف أحوال الناس فيها ولا يمكن الإشارة إلا إلى جملتها دون تفصيلها .
فأما السبب في أنه ( ع ) لم يعد بعد قتل مسلم بن عقيل ، فقد بينا وذكرنا أن الرواية وردت بأنه عليه السلام هم بذلك ، فمنع منه وحيل بينه وبينه . فأما محاربة الكثير بالنفر القليل ، فقد بينا أن الضرورة دعت إليها وان الدين والحزم ما اقتضى في تلك الحال الا ما فعله ، ولم يبذل ابن زياد من الأمان ما يوثق بمثله . وإنما أراد إذلاله والغض من قدره بالنزول تحت حكمه ، ثم يفضي الأمر بعد الذل إلى ما جرى من إتلاف النفس .
ولو أراد به ( ع ) الخير على وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد ، لكان قد مكنه من التوجه نحوه استظهر عليه بمن ينفذه معه . لكن التراث البدوية والأحقاد الوثنية ظهرت في هذه الأحوال . وليس يمتنع أن يكون عليه السلام من تلك الأحوال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده وقعد عنه ، ويحملهم ما يكون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية ، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء . ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة.
فأما الجمع بين فعله ( ع ) وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح ، لان أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه . وهذا لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وتوثق له ، ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج .
فلما انعكس ذلك وظهرت امارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه ، فالحالان متفقان .
إلا أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلا إلى الموادعة ، وطلب نفسه ( ع ) فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه .
وهذا واضح لمن تأمله ، وإذا كنا قد بينا عذر أمير المؤمنين عليه السلام في الكف عن نزاع من استولى على ما هو مردود إليه من أمر الأمة ، وأن الحزم والصواب فيما فعله ، فذلك بعينه عذر لكل إمام من أبنائه عليهم السلام في الكف عن طلب حقوقهم من الإمامة ، فلا وجه لتكرار ذلك في كل إمام من الأئمة ( ع ) والوجه أن نتكلم على ما لم يمض الكلام على مثله 1 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى ، دار الأضواء : 227 ـ 231 .

تعليق واحد

صورة نعيم محمدي أمجد (amjad)

كلام في ذهاب الحسين (عليه السلام) نحو الشام

طلب بعض رواد المركز الكرام تفسيرا لبعض ما جاء في النص أعلاه، ومنه:
«وقد روي أنه (صلوات الله وسلامه عليه وآله) قال لعمر بن سعد: اختاروا منى إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي في يد يزيد ابن عمي ليرى في رأيه، وإما أن تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين، فأكون رجلا من أهله لي ما له وعلي ما عليه».
وكأنما استصعب هذا الموقف من الإمام الحسين (عليه السلام)، ورآه بعيدا عن سيرة سيد الشهداء، فنقول على سبيل الفذلكة:
1-ما ذكره السيد المرتضى وغيره جزء مما نقل عن سيرة سيد الشهداء (عليه السلام)، ولا بد من الإلمام بذاك الحدث العظيم، وجمع القرائن، وإضافة الروايات التي تتيح لنا بلورة فكرة الإمام (عليه السلام) وشرح غايته السامية من مواجهة التيار اليزيدي، وحينها يحق للباحث أن يصحح ما جاء في النص أو يخطئه.
يقول الدكتور حسن أنصاري، المتخصص في علم الكلام والشريعة، عما جاء في «تنزيه الأنبياء والأئمة» بشأن واقعة الطف:
«منذ ثلاثين سنة وأنا أتعايش مع السيد المرتضى، وفي العقد الأخير خاصة انشغلت في معظم وقتي بحياته وتراثه... فهم كلام الشريف المرتضى ليس سهلا دائما... ومن المواطن التي فهمت خطأ تماما هو كلام المرتضى في «تنزيه الأئمة» عن واقعة كربلاء... العارف بفرع علم الكلام القديم، وبعد قراءة عبارات هذه الشبهة وردود المرتضى، يقف تماما على أن المرتضى لا يعول على المبادئ الرئيسية للإمامية فحسب في مقام الرد، بل یستند إلى مسلمات الخصم أيضا، وإن كانت مرفوضة عنده...».
وعلى العموم، الباحثون بين من يرفض مثل هذا النص التاريخي رفضا باتا، ويراه غير منسجم مع سيرة سيد الشهداء (عليه السلام) وأقواله الأخرى، وبين من له تأويلات في المجال.
2-على فرض صدور هذه الكلمات، نقول:
أ-لم يقصد الإمام الحسين (عليه السلام) من «أضع يدي في يد يزيد» البيعة ليزيد، بل أراد المفاوضة معه؛ حيث إن الإمام (سلام اللّه عليه) قال بعدها: «ليرى في رأيه»، ولا معنى لذلك بعد المبايعة التي تحسم الموقف من الجانبين، هذا من جانب. ومن جانب آخر هناك أقوال واضحة وصريحة من الحسين (عليه السلام) في رفضه للبيعة، ومنها كلمته الشهيرة: «مثلي لا يبايع مثله».
ب-لا بد وأن يلقي الإمام (عليه السلام) الحجة ويتمها على من كان حينها ويكون بعد ذلك، وليعرف الجميع أن القوم أرادوا قتله مهما كان، وهو لم يأل جهدا في نصحهم وحقن دماء المسلمين. فالحسين (سلام اللّه عليه) انطلق نحو الكوفة بعد أن كاتبه الناس وأعلنوا استعدادهم لمبايعته، ولما خانوه وأجمعوا على قتله، كان من حقه أن يتفاوض إن أمكن، ويتفادى إراقة الدماء.

 

اللّهم لا تحرمنا شفاعته يوم القيامة