من هم الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات و لماذا؟

يقول الله عَزَّ و جَلَّ بعد عَدِّه لصفات عباد الرحمن :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا 1.
رُوِيَ عَنْ‏ أَبِي‏ الْحَسَنِ‏ الرِّضَا 2 عليه السلام أنه قَالَ‏ : " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَوْقَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ يَدَيْهِ - وَ عَرَضَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ فَيَنْظُرُ فِي صَحِيفَتِهِ- فَأَوَّلُ مَا يَرَى سَيِّئَاتِهِ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لَوْنُهُ وَ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ - .
ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ حَسَنَاتُهُ فَتَفْرَحُ لِذَلِكَ نَفْسُهُ - فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : بَدَّلُوا سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ - وَ أَظْهَرُوهَا لِلنَّاسِ ، فَيُبَدِّلُ اللَّهُ لَهُمْ - فَيَقُولُ النَّاسُ : أَ مَا كَانَ لِهَؤُلَاءِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ ؟!- وَ هُوَ قَوْلُهُ :﴿ ... يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ... 3،4.
و مما يستفاد من الآيات القرآنية المباركة ، و أيضا من الأحاديث و الروايات الشريفة ، و أيضاً من مجمل التفاسير هو أن للتوبة الصحيحة و الصادقة التي يقبلها الله عَزَّ و جَلَّ و التي يتبعها العمل الصالح ثواباً عظيماً جداً بحيث يُغطي هذا الثواب على السيئات فيمحوها ، و هو قول الله الرؤف الرحيم :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ 5، هذا من جهة ، و من جهة أخرى فإن هذا الثواب العظيم يبدل تلك السيئات بعد محوها فيجعلها حسنات بأمر من الله الغفور الرحيم ، كل ذلك لما جعل الله للتوبة النصوح الذي يصدقه الندم من المعصية و ترك الذنب و الاقامة على العمل الصالح من الأجر و الثواب العظيم .
فقد رَوى جَابِر عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ 6 عليه السلام قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏ : " التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ‏ لَا ذَنْبَ‏ لَهُ‏  ، وَ الْمُقِيمُ عَلَى الذَّنْبِ وَ هُوَ مُسْتَغْفِرٌ مِنْهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ "7.

و قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : "‏ مَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَ أُمِرَتْ جَوَارِحُهُ أَنْ تَسْتُرَ عَلَيْهِ ، وَ بِقَاعُ الْأَرْضِ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيْهِ ، وَ أُنْسِيَتِ الْحَفَظَةُ مَا كَانَتْ تَكْتُبُ عَلَيْهِ " 8.
هذا و ما أكثر الروايات و الاحاديث التي وردت في ثواب بعض الصلوات و الاعمال و الاذكار التي يكون ثوابها خروج الإنسان من ذنوبه حتى يصبح كمن لا ذنب له و كيوم ولادته ، كل ذلك لعظيم رحمة الله و رأفته بعباده فهو أرحم الراحمين .

  • 1. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآيات: 68 - 71، الصفحة: 366.
  • 2. أي الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام .
  • 3. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 70، الصفحة: 366.
  • 4. تفسير علي بن ابراهيم القمي : 2 / 117 ، [ سورة الفرقان (25) : في تفسير الآيات 67 الى 72 ] ..... ص : 116 .
  • 5. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 114، الصفحة: 234.
  • 6. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) ، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
  • 7. الكافي : 2 / 435 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
  • 8. ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 179 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة دار شريف الرضي للنشر ، الطبعة الثانية ، سنة : 1406 هجرية ، قم / إيران .