تقيمك هو: 5. مجموع الأصوات: 57
نشر قبل 8 سنوات
القراءات: 8591

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الانسان ذلك المسؤول

لا بد من وجود اسباب وعوامل تؤدي بالأمة الى الشقاء والتخلف والتبعية وما الى ذلك من سلبيات ، وهناك عوامل واسباب تدفع الامة لان تسير نحو التطور والتحرر تحت الظلال الوارفة للسعادة والكرامة ، ترى ماهي هذه العوامل والاسباب ؟

عوامل و اسباب تقدم الامة

عندما نتلو بتمعن وبصيرة آيات الذكر الحكيم ، نلمس انها تركز عادة على العوامل والاسباب الذاتية للتقدم او التخلف ، ولا تطرق في حديثها الى الاسباب الموضوعية الا بنزر يسير ، ترى هل ان عوامل تقدم الامة تكمن في كون ارضها خصبة معطاء ، ام لان الامم الاخرى وقفت تؤازرها وتعينها ، ام لان السعد وجد في طالعها ، وعلى العكس من ذلك هل ان اسباب تخلفها لابتلائها بنقيض تلك العوامل ؟
ان عوامل السعد والشقاء هذه لا نجد لها ذكرا في القران ، فلا نجد هناك على سبيل المثال آية تحدثنا عن امة تخلفت لان الطغاة ارادوا لها التخلف والهزيمة ، او لان ارضها فقيرة الى الثروات الطبيعية ، او لان طالعها سيء مشؤوم ، مثل هذه العوامل الخارجية نادرا مانجد لها ذكرا في القران ، بل ان الذي يؤكد عليه هذا الكتاب هو العوامل الذاتية ، ونورد على سبيل المثال بعضا من الايات القرانية كشاهد على ذلك :
﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ... 1 ، ﴿ ... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... 2 ، ﴿ ... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً 3 ، ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى 4 .

المسؤولية نابعة من كيان الفرد والامة

فالمسؤولية ـ اذن ـ محصورة اولا واخيرا في كيان الامة الذاتي نفسه ، وفي ذات الفرد الذي بمجموعه يتشكل كيان الامة ، فانت ايها الانسان المسؤول الاول عن حياتك ومصيرك و وجودك وهويتك ، فعلى عاتقي وعاتقك تقع المسؤولية الاولى ومن بعدها تأتي المسؤوليات الاخرى.
ان مثل الامة التي تعي وتعيش مسؤولياتها التاريخية بالنسبة الى تلك الغافلة المتجاهلة التي تحيا حياتها ساذجة تموج بها الامواج ، وتذرفها الرياح كمثل الفسيلة التي تنمو وتكبر شيئا فشيئا حتى تصبح شجرة في المستقبل تؤتي اكلها كل حين بأذن ربها ، في حين يبقى العود اليابس الميت مغروسا في الارض حتى يتآكل تدريجيا ثم يهوي الى الارض .
وهكذا الحال بالنسبة الى الامة الحية الواعية التي لو بذرت بذورها في بقعة ما حولتها الى جنة خضراء يانعة مفعمة بالحيوية والحركة والنشاط ، في حين ان الامة التي تضم في داخلها ابناء هم غثاء كغثاء السيل فانها تبقى ميتة متخلفة عن الركب الحضاري ، منهزمة في ساحة الصراع وان كان كيانها قائما على محيط من الثروات الطبيعية .
وعلى سبيل المثال لا الحصر فان افريقيا هذه القارة العظيمة تعيش حالة يرثى لها من التخلف حتى يومنا هذا ، بينما تعيش على ارض حافلة بالكنوز الطبيعية والثروات والمعادن الثمينة ، ولكن الشعوب الافريقية عاشت ردحا من الزمن وهي تجهل ما في ارضها من هذه الكنوز والثروات ، وتغفل عن سراقها ممن اوتوا وسائل التقدم الحضاري الحديثة .
وكذلك الحال بالنسبة الى الامة العربية التي تضم اراضيها بحار النفط ،ومستودعات الغاز الطبيعي اضافة الى الثروات المعدنية ، والاراضي الزراعية الخصبة والانهار الممتدة ، ولكن معظم ابنائها يعيشون الفقر والحرمان في جو من الاضطهاد والكبت والاستبداد السلطوي .
و ازاء ذلك انظر الى هذا المستوى الشامخ الذي بلغته الامة اليابانية رغم انها تعيش في مجموعة من الجزر الصغيرة مهددة بمخاطر البراكين والزلازل والفيضانات . ورغم ذلك فقد غدت هذه الامة اليوم ربما الاولى في رقيها الحضاري .

الانسان هو المؤثر في الطبيعة

وعلى هذا فان الانسان والامة هما اللذان يؤثران في الطبيعة ، ويصنعان منها وجودا حضاريا جديدا وراقيا لا الطبيعة ، فالطبيعة لايمكن ان تكون حائلا امام الانسان او الامة ذات الارادة القوية ، اما بالنسبة الى الامة الميتة فان ظروف واحوال الطبيعة ومتغيراتهايمكن ان تموج بها ، وتقذفها الى كل شاطىء ، ولعل اجمل تصوير للتباين الكبير بين هذه الامة وتلك هو ما عرضه القران الكريم في بعض آياته اذ يقول ـ تعالى ـ :
﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا ... 5 وفي موضع آخر يقول ـ تعالى ـ :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء 6
ان المؤمن المفعم بالحيوية والنشاط ، والواعي لظروفه ، والمنطلق في رؤاه ونظراته الحياتية من منبع فكر اصيل ، وصاحب الهمة الكبيرة ، والقدرة الحركية الوثابة ، هو الذي يثبته الله ، وهو الذي يعنيه المثل القراني الانف الذكر ، فهو كالشجرة الطيبة الراسخة جذورها في اعماق الارض لا تزحزحها العواصف ، تنمو وتتفرع وتنتشر وتؤتي اكلها كل حين بأذن ربها ، وليس كالعود الميت الذي تنخره ديدان الارض حتى يسقط وينتهي ، وهذا هو مثل المؤمن الضعيف الاتكالي الخامل الذي لا يتوقع منه ادنى خير .

الى متى نعيش في عالم التبريرات ؟

ترى الى متى نبقى نردد في مجالسنا ونلوك التبريرات والاعذار الواهية نبرر بها خمولنا وتقاعسنا . ا ن الله ـ تعالى ـ لم يخلقنا جمادات واحجارا لكي نبقى هكذا ، بل ان هذه السلبيات نابعة من انفسنا وذواتنا ، فنحن الذين قتلنا الحيوية فينا ، واسكتنا الروح الوثابة في داخلنا ، ونحن الذين اخترنا زوايا الجمود ، ومضاجع التقاعس ، ولبسنا جلباب الاتكال ، ورضينا بالذلة والخنوع ، وقبلنا الهزيمة الحضارية .
لقد خلقنا الله ـ سبحانه ـ باجسام سليمة ، ومنحنا العقول التي تصنع المستحيل لو استثمرت بالشكل الصحيح ، ولكننا امتناها فماتت هممنا ، وضعفت ارادتنا ، فانزوينا عن الركب .
والبعض من اولئك الذين فرضوا وجودهم الحضاري علينا راح يطرح نظريات خاطئة اراد من خلالها ابقاءنا على ما نحن فيه من تخلف وهزيمة حضارية لكي لا نفكر يوما في التخلص من شرك هذا التردي والتخلف ، ونبقى قانعين بما نحن عليه ، ومن جملة تلك النظريات المغلوطة الادعاء ان ذوي البشرة البيضاء ـ هذا الادعاء النابع من نظرية عنصرية بحتة ـ لابد ان يكونوا متفوقين عنصريا على ذوي البشرة السمراء او السوداء .
و الدليل على خطأ هذه النظرية هو اننا نرى اليوم ان الاسود او الاسمر الذي يعيش في بلد متقدم ، يواكب التقدم ويساهم في رقي هذا البلد ، ولعل هذه النظرية العنصرية كانت لدى فلاسفة اليونان القدماء فهي ليست بالامر الجديد ، فارسطو كان يرى ان الله ـ تعالى ـ خلق الناس على اربع طبقات فمنهم الرؤساء الذين يبقون هم وذريتهم رؤساء ، ومنهم العلماء والحكماء ، ثم طبقة الحرفيين ، وهذه الطبقات ـ على ما يرى ارسطو ـ تشكل نسبة ضئيلة من مجموع المجتمع ، اما الغالبية الساحقة فهي الطبقة الرابعة ، طبقة العمال ، حيث يرى ارسطو انهم انما خلقوا ليخدموا تلك الطبقات المرفهة ، وهم في نظره ليس لهم من الانسانية الا الصورة فحسب ، وانهم في حقيقيتهم متوحشون ، وقد اراد الله ـ تعالى ـ ان يخلقهم حيوانات ولكنه عدل عن ذلك لان سائر الناس سيصيبهم الرعب منهم .
وبعد فهذه هي الغالبية العظمى من الناس على رأي ارسطو والارسطائيين من مثله ، وكان يسميهم بـ " البرابرة " ، وقد سقطت هذه النظرية في اوروبا منذ عهد النهضات الفكرية والتحررية التي اختمت بها القرون الوسطى ، لكن آثارها العميقة بقيت ، وظهرت بصور اخرى كما هو الحال في الانظمة العنصرية المتسلطة على افريقيا ، وكما هو الحال في الحركة الصهيونية العنصرية .
وقد اسقط الاسلام النظرية الارسطية وفند مزاعمها .. ، هذا الدين الذي شع نوره على الارض منذ اربعة عشر قرنا من الزمان .
وقد تشبث العنصريون الجدد بهذه النظرية البالية التي اثبتت فشلها لعدم امتلاكها لأية قيمة علمية ولو بنسبة واحد بالمليون ، وقد فشلت مساعيهم وخاصة في جنوب افريقيا بفعل قيام حركات قادها البيض انفسهم تدحض هذه النظرية العنصرية وامثالها ، وتثبت ان السود ليسوا اقل فكرا وعلما وانسانية من البيض على الرغم من ان الصهيونية العالمية والامبريالية ماتزالان تتشبثان بالنظرية الارسطية البالية لا عن ايمان ويقين بصحتها وانما لتحقيق اهداف استعمارية توسعية خبيثة للهيمنة على امم الارض المستضعفة من غير الجنس الاوروبي اوالاميريكي .

لماذا نحن متخلفون ؟

واذا كان الامر كذلك ترى ما الذي يجعل الانسان الافريقي او العربي او الهندي متخلفا حضاريا ، ولماذا آلت الظروف لأن تكون هناك طبقة تسمى بـ " المنبوذين " في الهند ، والتي اضحت وصمة عار في جبين الهند ، فهؤلاء الذين لايحق لهم ان يمارسوا ما تمارسه الطبقات الراقية من اعمال ، لماذا لايحق لهم الا العمل في المجالات الخدمية المتدنية ؟
وعندما تسأل احد افراد هذه الطبقة لماذا لايحق لك ان تعيش كما يعيش ابناء الطبقات الراقية فانه سيبرر ذلك بالقول ان روحه كانت موجودة في عالم آخر وفي جسد اخر وقد ارتكبت آنذاك ذنبا ، فكان عقابي ان جعل الله روحي في طبقة المنبوذين ، لذلك كان علي ان ابقى منبوذا ما عشت ، وربما سيجعل الله روحي بعد الموت في اجساد افراد الطبقة الراقية !!
وهكذا يقنعون انفسهم بهذه التبريرات الباهتة ، ويفكرون بهذه العقلية المتخلفة ، والواحد من هؤلاء تراه يسير في شوارع الهند بملابس جديدة ولكنه حافي القدمين لأنه من طبقة المنبوذين ، فهم يحرمون على انفسهم ان يلبسوا الاحذية ! ، ومثل هذه العقلية وامثالها منالعقليات العنصرية والطائفية في الهند هي التي جعلت هذا البلد يعيش التخلف لردح طويل من الزمن ومايزال ، ففي الوقت الذي كان فيه عدد نفوس الهند يبلغ اربعمائة مليون نسمة بينما البريطانيون لايتجاوزون الاربعين مليونا ، كان الزعيم الهندي ( غاندي ) الذي يعودله فضل تحرير الهند يخاطب ابناء شعبه ، ويحثهم على الثورة بقوله : لو ان كل واحد منا بصق على بريطانيا لاغرقناها ببصاقنا ، مبينا بذلك عظيم قدرتهم .

تبرير التقاعس و التخلف بالضعف

ان المتقاعسين يدأبون على تبرير تقاعسهم وخنوعهم وتخلفهم بأنهم خلقوا ضعفاء ، وحاشى لله ـ تعالى ـ ان يظلم فيجعل امة ضعيفة واخرى قوية : ﴿ ... وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ 7 فادعاء كهذا يجر صاحبه الى منزلق الكفر لانه يبعث الشك في العدالة الالهية ، وهذا ما لا يغفره الله لصاحبه ، فكيف يصح ان يدعي احد العمى وقد اعطي عينان يبصر بهما ، او ليس ذلك كفرا بأنعم الله ؟ .
وعلى هذا لا ينبغي لأحد ان يبقى في اسر اغلاله الذاتية والله ـ سبحانه ـ قد رزقه العقل والعينين والاذنين واليدين والرجلين ، واتاح له الفرص ، و وفر له الامكانيات الهائلة ، فلا يحق لنا بعد ذلك ان نبرر الجمود والتقاعس فينا باننا غير قادرين على فعل شيء ، وقد كتب علينا الضعف ، ولغيرنا التسلط والقوة والغلبة .
وربما غاب عن الكثير منا ان المظلوم او المستضعف قد يعاقبه الله لانه رضي بالظلم والاستضعاف ، وركن للظالم ، وخضع لاستبداده وجبروته ، او ليس الراضي بالظلم كالظالم ؟، فالله ـ سبحانه ـ لايرضى ولن يقبل من عبده الذي خلقه فأحسن خلقه وتقويمه ان يتمسكن ، ويتظلم ، ويستضعف نفسه ، ويسكت عن كل ما ينزل بساحته من ظلم وجور وتعد .
لماذا لا نستثمر هذه القوى الكامنة فينا ، والامكانيات والثروات التي رزقنا بها لبناء حضارتنا و وجودنا ، وقد جاء في الحديث الشريف ما مضمونه ان الانسان لو وجد ماء و ارضا ثم افتقر فعليه لعنة الله .
وهكذا فان المستعمرين والمستكبرين يريدون لنا ان نتشبث بتبريراتنا الواهية لتخلفنا و انهزامنا ، في حين انها ليست الا مجموعة اغلال قيدنا بها انفسنا ، فهذا القران الذي هو بين ظهرانينا يهتف ان يا ايها الناس انتم المسؤولون عن حياتكم ، ولابد من ان تبلغوا الاهداف السامية بالتوكل على الله ، والاعتماد على انفسكم وطاقاتكم .

السبيل الى تحقيق اهدافنا المنشودة

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه : كيف يمكن الوصول الى الهدف المنشود، وكيف نعمل من اجله ؟ ، لابد لبلوغ الهدف ومعرفة كيفية العمل من الاخذ بالنقاط التالية :
1 ـ لابد من استغلال الفكر ، واعمال العقل الذي وهبه الباري لعبده ، ولذلك فان مسؤولية التقصير يتحملها الانسان ان هو لم يستثمر طاقة التدبير العقلي ، فالعقل اذن هو المصباح الذي ينير لنا طريق العمل نحو الرقي الحضاري ، ولابد من استثماره ما امكن .
2 ـ من الواجب استثمار كتاب الله الذي يقوم بمهمة الهداية والتوجيه وايضاح معالم طريق العمل ، فهو سراج يضيء هذا الطريق الى جانب سراج العقل ، فلابد من التدبر والتبصر في هذا الكتاب ، وتجسيد تعاليمه في الحياة .
3 ـ بذينك السراجين ؛ سراج القران ، وسراج العقل يمكننا ان نعمل على توحيد كيان الامة ، والمضي بها في سلم التطور والتقدم الحضاري ، فان امتنا لم تتمزق ولم تتفرق الا حين اغفلت دور هذين النورين ، وهذا القران يدعو الناس الى التمسك به والعمل وفق توجيهاته :
﴿ ... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... 8 ، ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ... 9 . ان تشتت ابناء الامة ، واختلاف احزابها وتنظيماتها ، يعنيان توجه كل مجموعة للبحث عن تلك التي تناصرها ، وتشاطرها نظراتها وآراءها ، فان لم تجد فانها تعمد الى البحث عمن يتفق معها في الاراء في المجتمعات الاخرى ، او القوى الاجنبية في العقيدة والتوجه الحضاري ، وهكذا يتمزق المجتمع الموحد الى مجموعات وطوائف تتجه الى هذه القوة او تلك حتى تسقط في شرك العمالة والتبعية للاجنبي ، واذا بالامة يؤول مصيرها الى التمزق والضياع والانفصالية بعد ان تتكالب عليها القوى المستعمرة الطامعة .
وهل يصح ان نبرىء ساحتنا عما يجري من ويلات ومآس ؟ ولماذا ننتظر من يترحم علينا بالتغيير الذي نطلبه والله ـ سبحانه ـ يقول : ﴿ ... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... 2 ؟ ان مشكلتنا الكبرى تكمن فينا ، والمسوؤلية الكبرى تقع على عواتقنا جميعا افرادا وجماعات ، فليس من الصحيح ان نهمل قضيتنا ونجلس في زاوية ننتظر الفرج من هذا الرئيس او ذاك ونبقى نعد الايام والاسابيع ونقلب الصحف ، ونستمع الى الاذاعات علنا نسمع ما يبعث فينا الامل بل لابد من ان نعرف دورنا ، ونتحمل مسؤوليتنا الكبرى في التغيير . هذه المسؤولية لامناص لنا منها ، ولابد من ان نأخذ موقعنا في الاحداث التي تجري في ساحتنا .
ترى اين نحن اليوم مما يجري ، ولماذا كل هذا التمزق والتشتت ، ولماذا شغلتنا التوافه من الامور الدنيوية وتحولنا الى اناس انانيين هم كل واحد منا نفسه ، ولماذا تغافلنا عن قضيتنا ومسؤولياتنا وانصرفنا الى هموم الدنيا ، والبحث عن مكامن الاموال والارباح ، وصار حديثنا لايتعدى الدولار وارتفاع سعره وانخفاضه ، او التوجه للعمل في الحركات والتنظيمات باحثين عمن يدفع لنا اكثر ، ويوفر لنا من المعيشة ماهو افضل ، فانعدمت فينا نية العمل في سبيل الله ونصرة قضيتنا .

ليتحمل الجميع مسؤولياتهم

وعلى هذا فليعمل الجميع بمسؤولياتهم ، وليحتل كل منا موقعه ، ولنوحد صفوفنا ، ونؤدي دورنا الفاعل سواء على صعيد العلماء ام الافراد ام الاحزاب والتنظيمات ، ولنتجنب كل ما يفرق صفوفنا ، ويثبط هممنا ، ويعيق مسيرتنا ، والا فان الحال سوف لن يتغير .
ان الله ـ سبحانه ـ جعل الاشياء تتحرك وتؤدي دورها في الطبيعة وفق السنن التي وضعها لها ، فكما ان النار قد خلقت حارقة وستبقى كذلك الى الابد ، فكذلك حال الامة فانها لن تتغير الى الافضل مالم تقم بعملية التغيير بنفسها ، والا فان حالها سيسير نحو الاسوء فالاسوء ، كما قال النبي (ص) : " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر والا ولي عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم " ، فهذه هي السنن الالهية في فعلها وأثرها على الطبيعة والحياة .
ولا باس ان تدعو الله ـ تعالى ـ لتغيير حالك ، فهو ـ تعالى ـ يحب من العبد ان يدعو ، ولكن شريطة ان يصحب الدعاء العمل ، فالدعاء بدون عمل لا فائدة منه ، والعمل الذي يصحب الدعاء انما هو تجسيد حقيقي لدعوة الله ـ سبحانه ـ ، وهكذا فما لم تؤد دورك الذي انتمسؤول عنه بنفسك ، وما لم تسر في الطريق الصحيح فلا تتوقع تغير حالك و وقوع ما تنتظره ولو دعوت الله الف سنة باكيا ومتضرعا .

المطلوب ؛ الشعور بالمسؤولية

بعد ذلك كله يتضح ان ماهو مطلوب منا هو تحمل المسؤولية كاملة سواء كانت فردية ام اجتماعية ، وان نعيش هذه المسؤولية على الدوام ، ثم نعمل بها متعاونين متكاتفين يشد بعضنا ازر بعض في جو ملؤه التفاهم والروح الاخوية المؤطرة بالايثار والتضحية والبذل والهمم القوية ، فالعمل الجماعي ضرورة لابد منها مادامت الحياة الفردية الانعزالية غير ممكنة ، والله ـ تعالى ـ سينظر بعين الرحمة الى عباده المتعاونين المتآخين .. وحينئذ سينصرهم ويسدد خطاهم ، ويفتح لهم الف باب وباب للفرج والخلاص ، والا سيبقى حالنا على ما نحن فيهان لم يتحول الى الاسوء ، وسيبقى هذا الطاغية وذاك متسلطين على رقابنا ، يسومونا سوء العذاب والجور .
وهذه السنة الالهية كانت وستبقى الى قيام يوم الدين ، فبالأمس لم يكد احد من اولئك الذين خذلوا الحسين (ع) ينجو من سطوة ابن زياد ، بعد ان خذلوا ابن عم الحسين (ع )، وتفرقوا عنه ، وتركوه وحيدا بذريعة ان النزاع هو نزاع سلاطين ، وهذا ما تعكسه عبارتهم المشهورة " ما لنا والدخول بين السلاطين " ، فتذرعوا بذلك طلبا للسلامة والنجاة ، ولكن هل تركهم ابن زياد لحالهم ؟ كلا ، بل اجبرهم ، واخرجهم واحدا واحدا لحرب الحسين (ع) .
وبكلمة ؛ ان اي شعب سواء في افغانستان ام في لبنان ام في العراق ام في اي بلد اخر لابد ـ قبل ان يلقي المسؤولية واللائمة على زيد وعمرو من الناس ـ ان يعي هو اولا وآخرا دوره ومسؤوليته في حركة التغيير ، اما كيف يلعب ابناؤه دورهم ويتحملون مسؤولياتهم التاريخية فهذا ما يجب ان يفكر به كل شعب وامة تنشد الخلاص ، و تغيير حالها الى الافضل ، وهذا الوعي للمسؤولية ، وبناء الارادة القوية سوف يعملان بشكل غير مباشر على توحيد الصفوف ، وشد الازر .
ولولا هذا التنازع الذي يقع بين صفوف ابناء الامة الاسلامية الواحدة لما وجد الاجنبي منفذا يلج منه .
وان الله ـ تعالى ـ لا يمكن ان يهبنا القدرة والسلطة والتمكن في الارض ونحن نعيش هذه الحالة من التمزق والتضاد فيما بين فصائلنا وجماعاتنا نتيجة التفكير الخاطىء ، فالانسان القاصر الذي لم يبلغ مرحلة الرشد والوعي ، ولم يسمو الى مستوى الحضارة الرفيعة لايمكنله ان يحقق هدفا ، او يخطو خطوة ، وهذه سنة الهية لاتتحول ولا تتبدل : ﴿ ... وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا 10 ، ومن ذلك ايضا ما يقوله ـ تعالى ـ في الايات التي صدرنا بها هذا الفصل : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ 11 .
فالابتلاء هو محك النفوس ، وبه تنجلي الشخصية الانسانية ويعرف معدنها وصلابة هذا المعدن وقوته بالاضافة الى نقائه وصفائه ، وبالابتلاء يميز المؤمن الصادق عن المدعي للايمان ، وبه يعرف الداعية الحق عن الذي يستغل الايمان والدين لتحقيق اغراضه ومصالحه الدنيوية وان كان ذلك على حساب اخوته الذين يعملون إلى جانبه في الساحة ، وعلى حساب طعنهم والافتراء عليهم والتشهير بهم كي يسقطهم ويركب الموج بعد ما تخلو له الساحة .
اذن لابد من ان نكون جميعا على مستوى الافراد والجماعات في مستوى المسؤولية الرسالية والتاريخية ، وفي مستوى الرشد والوعي الرسالي بحيث نعمل باتزان واعتدال وايثار وتضحية وتسامح ، وفي اجواء الاخوة والوئام ، فاذا ما اخطأ احدنا فليس من الصحيح ان انكل به ،وافتري عليه او اتهمه بالباطل ، بل يجب ان اعمل على ارشاده واصلاحه وهدايته ، فان كان قد اخطأ هو اليوم فربما سأخطأ انا غدا فاحتاج اليه في الهداية والاصلاح .
بهذا المستوى ينبغي ان نكون جميعا حتى ينظر ـ تعالى ـ الينا بعين الرأفة والرحمة ونكون اهلا لنزول نصره وتسديده 12 .