مجموع الأصوات: 13
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3895

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الفرق بين الرسول و النبي

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ ... 1 وصف الله سبحانه نبينا محمداً(صلى الله عليه و آله) في هذه الآية بكونه رسولاً وكونه نبياً، وإليك الفرق بينهما لغة واصطلاحاً وحديثاً:

في اللغة

(النبي) إما مأخوذ من مادة النبأ، بمعنى الخبر المهم العظيم الشأن، ولكن أكثر العرب لا تهمزه، كما أن الثابت في القرآن غير مهموز، وأما بمعنى الارتفاع وعلو الشأن.

و(الرسول) الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أخذاً من قول العرب (جاءت الإبل رسلاً) أي متتابعة، وسمي الرسول رسولاً لأنه ذو رسول، أي ذو رسالة.

في الاصطلاح

النبي هو إنسان أوحى الله تعالى إليه وأنبأه بما لم يكن يعلم من خبر أو حكم، فيكون عالماً به بواسطة الوحي إليه علماً ضرورياً أنه من الله عز وجل فيخبر به عن الله بغير واسطة أحد من البشر.

والرسول نبيٌّ أمره الله تعالى بتبليغ شرع ودعوة دين.

يقول بعض المفسرين2:

النكتة في تقديم الله تعالى كلمة الرسول على كلمة النبي لكون الرسالة أهم وأشرف، وقيل أنهما – أي كلمتي الرسول والنبي – ذكرتا هنا بمعناهما اللغوي، كقوله تعالى في كل من موسى وإسماعيل ﴿ ... وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا 3.

في الحديث

الذي يستفاد من الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في الفرق بين الرسول والنبي هو:

إن الرسول من يسمع صوت الملك، ويراه في المنام، ويعاين الملك في اليقظة كما يعاين بعضنا الآخر، ويبشره الملك يوم بعثته عند معاينته بأنه رسول الله إلى عباده أو إلى بعض عباده حسب اقتضاء الحكمة الإلهية.

والنبي يسمع صوت الملك، ويراه في المنام، ولكن لا يعاين الملك في اليقظة. بل يوحي إليه بالعمل من طريق سماع صوت الملك ورؤيته في المنام4.

وبالمثال يتضح الحال، فنقول:

كان نبينا محمد بن عبد الله(صلى الله عليه و آله) قبل أن يبعث بالرسالة ومنذ ولد ونشأ نبياً يرى الملك في نومه ويسمع صوته في يقظته، ويسلك به طرق الخير كلها كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبته المعروفة بالقاصعة:

(ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به)5.

وبهذه المناسبة نقول: ربما يسأل عن أن نبينا محمداً(صلى الله عليه و آله) قبل أن يبعث بالرسالة هل كان يتعبد ويعمل بإحدى شرائع الأنبياء السابقين كشريعة إبراهيم أو موسى أو عيسى عليهم السلام أو كان يعمل بشريعته التي سيبعث بها إلى أمته؟

والجواب المختصر على هذا:

إنه(صلى الله عليه و آله) لما كان نبياً منذ أن ولد ونشأ ويوحي الله تعالى إليه على لسان أعظم ملك من ملائكته فهو بالقطع واليقين يعبد الله جل وعلا طبق ما يوحي إليه، سواء ما كان يوحي إليه من الشرائع السابقة أو من صميم شريعته التي بعث بها أخيراً … وهذا هو الأظهر.

قال شيخنا المجلسي في (البحار) بعد أن ذكر أقوال العلماء وآراءهم حول الموضوع6:

فاعلم أن الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة والآثار المستفيضة هو أنه صلى الله عليه وآله كان قبل بعثته مؤيداً بروح القدس يكلمه الملك ويسمع الصوت ويرى في المنام، ثم بعد أربعين سنة صار رسولاً وكلمه الملك معاينة وأنزل عليه القرآن وأمر بالتبليغ، وكان قبل ذلك يعبد الله بصنوف العبادات، أما موافقاً لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو الأظهر، أو على وجه آخر – إلى آخر كلامه.

وعلى كل، كان(صلى الله عليه و آله) أول أمره نبياً يرى في المنام ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، وربما يعاينه ولا يسمع صوته، فلما آن وقت بعثه وكمل له من العمر أربعون سنة جاءه الملك – وهو أمين الوحي جبرائيل – عياناً وبشره بالرسالة من قبل الله عز وجل إلى عباده فصار رسولاً نبياً.

وربما يسأل أيضاً: هل أن كل نبي لا بد وأن يرسل أخيراً ؟

فالجواب: لا، بل ربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد فيكون رسولاً نبياً وقد يبقى النبي على نبوته ولا يرسل.

ويجوز أن يرسله رسول زمانه – الذي هو إمام عليه – إلى قومه ليدعوهم إلى شريعته وأحكامه، كما أن إبراهيم بعث لوطاً إلى قومه بأمر ربه يدعوهم إلى شريعته7.

ومن هنا اتضح الفرق بين الرسول والنبي، وهو أن كل رسول نبي ولا عكس، أي ليس كل نبي رسولاً، فكأن النبوة عامة والرسالة تخص أفراداً منهم، كما تقول مثلاً: كل حاكم درس الحقوق وليس كل من درس الحقوق حاكماً، لأن كلية الحقوق يتخرج فيها الألوف، ويحمل كل واحد منهم شهادة المحاماة وهو عارف بالقانون ولكن كلهم لا يتخذون حكاماً، إنما ينتخب منهم للحكم أفراد مخصوصون والذين ينتخبون للحكم بعضٌ يكون حاكماً على القطر كله وبعضهم يكون حاكماً على لواء أو قضاء أو ناحية، ولكل منزلته على قدر مواهبه ومعارفه.

فأنبياء الله كلهم عالمون بالقانون الإلهي بما يوحى إليهم، ويقومون بتوجيه العباد إليه تعالى، ويؤيدهم عز وجل بالمعاجز التي يعجز الناس عن الإتيان بمثلها، تصديقاً من الله لدعوتهم. ولكن بعضهم يبقى على وظيفته من النبوة وبعضهم يترقى إلى منزلة الرسالة 8

 

 

  • 1. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 157، الصفحة: 170.
  • 2. تفسير المنار 9/225.
  • 3. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 54، الصفحة: 309.
  • 4. في الكافي 1/176: سئل أبو جعفر (الباقر) وأبو عبد الله (الصادق) عليهما السلام فقيل لكل منهما: جعلت فداك كيف يعلم أن الذي رأى في النوم حق وأنه من الملك ؟ قال عليه السلام: يوفق لذلك حتى يعرفه (أي حتى يعرفه حق المعرفة)، ولقد ختم الله بكتابكم الكتب وبنبيكم الأنبياء.
  • 5. شرح ابن أبي الحديد 3/250.
  • 6. بحار الأنوار 18/277.
  • 7. الكافي 1/174.
  • 8. المصدر: كتاب قبس من القرآن في صفات الرسول الأعظم، للشيخ عبد اللطيف البغدادي.