مجموع الأصوات: 19
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1318

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تجديد الخطاب الإسلامي.. ومحددات النظر

لقد تأثر مفهوم تجديد الخطاب الإسلامي بطبيعة المحددات الناظرة له، وهي المحددات التي كانت تتغير وتتبدل بحسب القضايا والمشكلات التي ظلت تعترض الخطاب الإسلامي في أزمنته المتغيرة والمتلاحقة، فهذه المحددات في رؤية الدكتور محمد إقبال، في أواخر عشرينيات القرن العشرين، ليست مجرد التناغم أو الملاءمة مع أوضاع الحياة العصرية، وحسب قوله (إن لهذا التجديد ناحية أعظم شأناً من مجرد الملاءمة مع أوضاع الحياة العصرية وأحوالها، وإن العالم الإسلامي وهو مزود بتفكير عميق نفّاذ، وتجارب جديدة،  ينبغي عليه أن يقدم في شجاعة على إتمام التجديد الذي ينتظره)
وفي أواخر الخمسينيات كانت هذه المحددات لها صورة أخرى في رؤية الدكتور محمد البهي الذي كان مسكونا بهاجس الغزو الفكري والاختراق الثقافي والقيمي، وقد ارتبطت هذه المحددات عنده بمفهوم الإصلاح الديني في مجال الإسلام، التسمية التي كان يفضلها ويختارها على عبارة تجديد الفكر الإسلامي، ويعني به (محاولة رد الاعتبار للقيم الدينية، ورفع ما أثير حولها من شبه وشكوك، قصد التخفيف من وزنها في نفوس المسلمين. ونعني به كذلك محاولة السير بالمبادئ الإسلامية، من نقطة الركود التي وقفت عندها في حياة المسلمين إلى حياة المسلم المعاصر، حتى لا يقف مسلم اليوم موقف المتردد بين أمسه وحاضره، عندما يصبح في غده. والإصلاح الديني في مجال الإسلام بهذا المعنى ذو صلة وثيقة بالعصر الذي يتم فيه، وبالفكر الذي يقوم بمحاولته، وبظروف الحياة التي عاش فيها هذا الفكر).
وفي الستينيات عبر أبو الأعلى المودودي عن رؤية مغايرة من حيث طبيعة محدداتها، لأنه كان مهموما بفكرتي الحاكمية والجاهلية، لهذا أعتبر أن (التجديد في حقيقته هو تنقية الإسلام من كل جزء من أجزاء الجاهلية، ثم العمل على إحيائه خالصاً محضاً على قدر الإمكان).
وفي السبعينيات كانت هذه المحددات في رؤية الدكتور حسن الترابي تتصل بعلل الفكر الإسلامي، والتي حددها في ثلاث نقاط هي:
أولاً: أن يتفاعل الفكر الإسلامي ويتصل بالأصول الخالدة التي انقطع عنها شيئاً ما بتقادم العهد.
ثانياً: الانقطاع عن العلوم والمعارف العقلية.
ثالثاً: انقطاع الفكر الإسلامي عن حياة الناس، وأصبح فكراً مجرداً.
ويتناغم مع هذه المحددات الرؤية التي طرحها الدكتور علي شريعتي في تلك الفترة أيضاً، حين ناقش مفهوم الإصلاح الديني، واعتبر أن لا إصلاح دينيا في الإسلام (بمعنى إعادة النظر في الدين، بل إعادة النظر في رؤيتنا وفهمنا الديني، والعودة إلى الإسلام الحقيقي. من هنا أضحى الشعار الفكري والعقائدي لسائر كتابنا ومفكرينا، خصوصا في جيلنا المعاصر الذي يشتد فيه الإحساس لهذه الحاجة، هو العكوف على إصلاح فكرنا الديني، يعني المعرفة الدقيقة والعلمية للإسلام. ونحن إذا لم نكيف رؤيتنا الدينية مع منطق العصر، ولم نتعرف على الإسلام الفاعل الإيجابي المسؤول، فمن المحتمل أن نضيع الكثير من أصولنا العقائدية خلال جيلين آتيين. وستفقد الأجيال القادمة أبسط الميل والتفاعل مع هذه الأصول، ويضحى لها الإسلام الواقعي والإسلام الخرافي على حد سواء).
أما في الثمانينيات والتسعينيات فقد تعددت وتباينت تلك المحددات تضييقا وتوسيعا، قبضا وبسطا، تشددا واعتدالا، بحسب طبيعة الميول والانتماءات الفكرية والثقافية، على طريقة ما يظهر بين التقليديين والتجديديين، المحافظين والإصلاحيين، لأن جميع هؤلاء على اختلاف وتعدد تلك الانتماءات الفكرية والثقافية أخذوا يتحدثون عن التجديد في الفكر الإسلامي والخطاب الإسلامي، والفروقات بينهم تظهر في أن التقليديين أميل بطبعهم إلى التضييق والقبض والتشدد، بخلاف الإصلاحيين الذين هم أميل إلى التوسيع والبسط والاعتدال، كما أن التضييق والقبض والتشدد هذه الحالات لا تظل على درجة واحدة من الثبات وبدون تبدل أو تغيير، ولهذا فإن هذه الحالات لها أكثر من ذوق وصورة وفهم حتى بين التقليديين أنفسهم.
وأما الحديث عن التجديد في وقتنا الراهن، فلاشك أن تلك المحددات قد تأثرت بأحداث 11 سبتمبر. وارتبط هذا التأثير تحديدا بتغيير الرؤية إلى العالم، الرؤية التي تغيرت تقريبا عند مختلف الأمم والثقافات. وهذه المحددات قد ارتبطت بقضيتين، قضية التطرف، وقضية الإرهاب، التطرف كقضية فكرية ناظرة إلى الجانب الذهني، وهي تعبر عن نزعة الغلو والتكفير. والإرهاب كقضية سلوكية ناظرة إلى الجانب العملي، وهي تعبر عن نزعة العنف والقوة والصدام. وهذا يعني أن التطرف قد شوه صورة الإسلام فكريا، وكأن الإسلام يدعو إلى التطرف ولا يتوافق مع التقدم. وأن الإرهاب قد شوّه صورة الإسلام أخلاقيا، وكأن الإسلام يدعو إلى العنف، ولا يتوافق مع الآخر المختلف. لذلك أصبحت صورة الإسلام في العالم تارة تقترن بالتطرف، وتارة تقترن بالإرهاب. وهذا الذي ينبغي أن يتغير، وهي مهمة التجديد في الخطاب الإسلامي المعاصر. هذه هي السياقات والأرضيات الفكرية والموضوعية التي تبلور وتحدد فيها مفهوم تجديد الخطاب الإسلامي1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ العدد 14067.