على مستوى النظر، يمكن أن نلمس كيف تغيرت نظرة المسلمين إلى أنفسهم، وحاضرهم مستقبلهم في مجتمعاتهم غير الإسلامية، وذلك حين نقارب بين محاولتين فكريتين كانتا لهما أهمية وتأثير في تشكيل رؤية المسلمين لأنفسهم في بلاد البلقان، في زمنين مختلفين، زمن ينتمي إلى حقبة الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين، وزمن ينتمي إلى بدايات القرن الحادي والعشرين، وإلى ما بعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر.
بعد أن تقلص وتراجع الجدل حول هل أن العولمة حقيقة أم خرافة؟ تحول الجدل إلى اتجاه آخر تحددت هويته في انقسام الحديث عن العولمة بين صورتها الاقتصادية وصورتها الثقافية. بين من يقبل بالعولمة الاقتصادية ويرفض العولمة الثقافية، وبين من يحاول توظيف العولمة الاقتصادية إلى عولمة ثقافية إلى جانب أبعاد أخرى.
هذا السؤال طرحه الكاتب الفرنسي سيرج لاتوش في كتابه (تغريب العالم) الصادر عام 1989م، وهو سؤال بسيط في ظاهره، لكنه شديد الحساسية في جوهره. ويأتي في سياق الحديث المتعاظم حول نقد وتقويم التجربة التاريخية والحضارية للغرب، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
الأوصاف التي أطلقها الكتاب والمثقفون على نعي وذم الحداثة في المجال العربي، تصلح أن تكون مادة لصناعة قاموس عربي عن الحداثة، فقد تكاثرت هذه الأوصاف وتنوعت بصورة باتت تلفت الانتباه لمن يتوقف عندها، ومازالت تحافظ على وتيرتها المتكاثرة والمتنوعة، ويبدو أنها ستظل على هذا الحال.
من يتعرف على كتاب (الإسلام وما بعد الحداثة.. الوعود والتوقعات) لمؤلفه الباحث الباكستاني المقيم في بريطانيا أكبر أحمد، الصادر في ترجمته العربية سنة 2009م، سيجد فيه أنه من أكثر المؤلفات الإسلامية التي تلفت الانتباه إلى العلاقة بين الإسلام وفكرة ما بعد الحداثة في سياق البحث عن فهم أفضل لمقتضيات العصر الذي نعيشه.
يحاول هذا العامل الاجتماعي والاقتصادي أن يقدم تفسيراً لظاهرة العنف من جهتين، من جهة عامة، ومن جهة خاصة. من جهة عامة وترتبط بالبيئة الاجتماعية التي تكونت فيها ظاهرة العنف، ومحاولة البحث عن علاقة هذه الظاهرة بطبيعة التكوينات الاجتماعية والاقتصادية في تلك البيئة.
من أبرز المقولات التي دافع عنها رجالات عصر الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الميلادي، مقولة نفي التعارض بين الإسلام والمدنية، وبرهنوا كيف أن الدين يتناغم مع المدنية، وكيف أن المدنية تتناغم مع الدين.
قد ساهم انفتاح نخبة من المصلحين المسلمين في القرن التاسع عشر، والعقود الأولى من القرن العشرين الميلادي، على التجربة السياسية والدستورية الأوروبية، في الالتفات إلى أمرين مهمين ومؤثرين، أحدهما له طبيعة نظرية، والآخر له طبيعة موضوعية. وكلاهما يتصلان بمجال المقارنة، تارة المقارنة في نطاق المفاهيم، حيث اتيحت الفرصة لتجديد النظر في المفاهيم السياسية الإسلامية، كمفهوم الشورى والحرية والإجماع، وهكذا مفاهيم الدولة والسلطة والدستور.
لقد وجدت في كتابات ودراسات العلماء والمفكرين المعاصرين ما يشير إلى علاقة تجدد الفكر بتقدم العلم، ويلفت الانتباه لهذه العلاقة، وتبرز هذه العلاقة بالنظر إلى مجالات معرفية مختلفة، والغربيون من علماء ومفكرين هم أكثر من أشار وتطرق لهذه الفكرة.
فلسفة الثقافة كما يعرفها الكاتب البريطاني المعاصر تيري إيجلتون في كتابه (فكرة الثقافة) الصادر عام 2000م، بأنها تعبر عن اتجاه فكري يمكن النظر إليه على أنه ضرب من المجاهدة في محاولة للربط بين معاني الثقافة المتعددة التي راحت تنفصل شيئاً فشيئاً وكل يعوم في اتجاه...
علاقة المسلمين بالتراث تلفت أنظار العديد من الباحثين في المجالات الفكرية والدينية والتاريخية من خارج النطاق الإسلامي، وتشكل لهم ظاهرة تستقطب الانتباه في شدتها وتواصلها وفاعليتها، وبطريقة لا يجدوها عند باقي الأمم والمجتمعات التي تنتمي إلى ديانات وثقافات أخرى.
فكرة المنهجية لها دور كبير وأساسي في عملية البناء الفكري، فهي التي ترسم الطريق وتجعل منه طريقا واضحا ومستقيما، يجعل الإنسان يسلكه بسهولة ويسر، متى ما أراد، وسعى سعيه في هذا السبيل.
لعل أكثر من عرف بمفهوم القطيعة المعرفية في المجال العربي، هو الدكتور محمد عابد الجابري الذي لا يخفي أخذه هذا المفهوم من المفكر الفرنسي غاستون باشلار، ونقله من مجال تاريخ العلم إلى مجال تاريخ الفلسفة، وتحديداً تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية، وإعطائه بعداً أوسع من البعد الذي كان يعطى له في المجال العلمي من جهة المعنى.
هذا الكتاب لو كان ينتسب إلى أحد فلاسفة المسلمين القدماء أمثال الكندي أو الفارابي أو ابن سينا أو ابن رشد، لكان شأنه اليوم عظيما، ولاكتسب شهرة واهتماما ممتدا بين الكتاب والباحثين، مسلمين وغير مسلمين، عربا وأوروبيين،
في هذا الظرف العصيب الذي تشتد فيه موجة التعصب والتطرف والتحجر التي تكاد تكتسح المنطقة العربية، وتغير من صورتها إلى صورة تغلب عليها حالة من الكآبة والإحباط والسلبية، في هذا الظرف تتهيأ الفرصة لطرح سؤال التنوير.
هناك نقاش في غاية الحيوية جرى ويجري بين الباحثين والمفكرين العرب المعاصرين حول منابع فكرة التقدم في المجال الإسلامي الحديث، التي عرف بها المصلحون في القرن التاسع عشر الميلادي وكان في طليعتهم الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي، والوزير خير الدين التونسي، والسيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده.
ظهرت في أوروبا وأمريكا كتابات تتشاءم من مستقبل أوروبا، وتنذر بمصير قاتم، وتصور وكأن أوروبا شارفت على الزوال والانتهاء، وكشفت عن مخاوف وهواجس شديدة الحساسية والخطورة، وتلفت النظر إلى ما يواجه الهوية الأوروبية المسيحية من خطر محدق بات يؤثر على وجودها ورسوخها، ويعرضها للتمزق والاختراق.
عرفت فكرة الإجماع بأنها من الأفكار التي فتحت جدلاً ونقاشاً واسعاً ومستمراً، بين الفقهاء والأصوليين والكلاميين في ساحة الفكر الإسلامي القديم والوسيط، وامتد إلى الأزمنة الحديثة والمعاصرة.
ولكي يقدر الجابري أهمية هذا العلم، يكفي حسب قوله، الإشارة إلى طابعه المنهجي الإيبستيمولوجي، إذ هو القواعد التي يتوسل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة، وهو بالنسبة للفقه كالمنطق بالنسبة للفلسفة.