مجموع الأصوات: 2
نشر قبل 4 أيام
القراءات: 100

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

سبب نهي عمر عن المتعة

سبب نهي عمر عن المتعة في اواخر خلافته

في صحيح مسلم والمصنف لعبد الرزاق ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيّام، على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث 1.

وفي لفظ مصنف ابن أبي شيبة عن عطاء عن جابر: استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر، فدعاها فسألها، فقالت: نعم، قال: من أشهد؟ قال عطاء: لا أدري، قالت: امّي، أم وليّها، قال: فهلاّ غيرهما، قال: خشي أن يكون دغلا ... 2.

وفي رواية أُخرى قال جابر: قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة فاتي بها عمر وهي حبلى فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو بن حريث، فسأله فأخبره بذلك أمراً ظاهراً، قال: فهلاّ غيرها، فذلك حين نهى عنها 3.

وفي أُخرى عن محمّد بن الأسود بن خلف: انّ عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤى، فحملت، فذكر ذلك لعمر; فسألها، فقالت: استمتع منها عمرو بن حوشب، فسأله فاعترف، فقال: من اشهدت؟ ـ قال ـ لا أدري أقال: أمّها أو أختها أو أخاها وأمّها، فقام عمر على المنبر، فقال: ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبيّنها الاّ حددته، قال: أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره، سمعه حين يقول، قال: فتلقاه الناس منه 4.

وفي كنز العمال: عن أمّ عبد الله إبنة أبي خيثمة: أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها فقال: إنّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة اتمتّع معها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها واشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثمّ إنّه خرج، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إليّ فسألني أحقّ ما حدّثت؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدم فأْذنيني به، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله (ص) ثمّ لم ينهانا عنه حتى قبضه الله، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتى قبضه الله، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك بيّنوا 5 حتى يعرف النكاح من السفاح 6.

وفي مصنف عبد الرزاق: عن عروة: أنّ ربيعة بن أميّة بن خلف تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين احداهما خولة بنت حكيم، وكانت امرأة صالحة، فلم يفجأهم إلاّ الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام يجرّ صنفة ردائه 7من الغضب حتى صعد المنبر، فقال: إنّه بلغني أنّ ربيعة بن أمية تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين، وانّي لو كنت تقدّمت في هذا لرجمت 8.

وفي موطأ مالك وسنن البيهقي واللفظ للأوّل: انّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: إنّ ربيعة ابن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر يجرّ رداءه، فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدّمت فيها لرجمت 9.

وفي الاصابة: أنّ سلمة بن أمية استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي، فولدت له، فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة 10.

وفي المصنف لعبد الرزاق عن ابن عباس قال: لم يرع أمير المؤمنين الاّ أمّ أراكة قد خرجت حبلى، فسألها عمر عن حملها، فقالت: استمتع بي سلمة بن أميّة بن خلف... 11.

وفي المصنّف لابن أبي شيبة عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: قال عمر: لو أتيت برجل تمتّع بامرأة لرجمته إن كان أحصن، فإن لم يكن أحصن ضربته 12.

* * *

في الروايات السابقة وجدنا الصحابة يقولون: إنّ آية ﴿ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ... 13 وردت في نكاح المتعة، وأنّ رسول الله أمر به وانّهم كانوا يستمتعون بالمرأة بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله وأبي بكر ونصف من خلافة عمر حتى نهى عنها في شأن عمرو بن حريث، ووجدنا نكاح المتعة متفشياً على عهد عمر قبل أن ينهى عنه، ولعلّه تدرّج في تحريمه بدءاً من التشديد في أمر شهود نكاح المتعة وطلب أن يشهده عدول المؤمنين كما يظهر ذلك من بعض الروايات السابقة، ثمّ نهيه عنه بتاتاً حتى قال: لو تقدّمت في نهي لرجمت، وبعد هذا أصبح نكاح المتعة محرّماً في المجتمع الإسلامي، وبقي الخليفة مصرّاً على رأيه إلى آخر عهده لم يؤثر فيه نصح الناصحين.

فقد روى الطبري في سيرة عمر عن عمران بن سوادة إنّه استأذن ودخل دار الخليفة ثمّ قال: نصيحة.

فقال: مرحباً بالناصح غدوّاً وعشيّاً.

قال: عابت أُمتّك منك أربعاً.

قال: فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه، ثمّ قال: هات.

قال: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ، ولم يفعل ذلك رسول الله ولا أبو بكر (رض)، وهي حلال.

قال: هي حلال، لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت.

قال: ذكروا أنّك حرّمت متعة النساء، وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.

قال: إنّ رسول الله (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى سعة ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت ... 14.

* * *
انّ ما اعتذر به عمر في تحريمه متعة الحج: بأنّهم لو اعتمروا في أشهر الحج لرأوها مجزية عن حجّهم، لا يصدق على نهيه عن الجمع بين الحجّ والعمرة، وإنّما الصحيح ما اعتذر به في حديث آخر له: من انّ أهل مكة لا ضرع لهم ولا زرع، وانما ربيعهم في من يفد إلى هذا البيت، إذن فليأتوا إلى هذا البيت مرّتين، مرّة للحجّ المفرد، وأُخرى للعمرة المفردة، ليربح منهم قريش اُرومة المهاجرين.

وأمّا اعتذاره في تحريم نكاح المتعة: من أنّ عهد رسول الله كان زمان ضرورة خلافاً لما كان عليه عهده، فإنّ جلّ الروايات التي صرّحت بوقوعها في عصر رسول الله وباذن منه ذكرت انّها كانت في الغزوات وحال السفر، ولا فرق في ذلك بين عهد رسول الله وعهد عمر إلى زماننا الحاضر وإلى أبد الدهر.

فإنّ الإنسان لم يزل منذ أن وجد على ظهر هذا الكوكب ـ الأرض ـ ولا يزال بحاجة إلى السفر والاغتراب عن أهله أسابيع وشهوراً، بل وسنين طويلة أحياناً، فإذا سافر الرجل ماذا يصنع بغريزة الجنس في نفسه، هل يستطيع أن يتركها عند أهله حتى إذا عاد إليهم عادت غريزته إليه فتصرف فيها مع زوجه، أم انّها معه لا تفارقه في السفر والحضر. وإذا كانت غريزته غير مفارقة إيّاه فهل يستطيع أن يتنكّر لها في السفر ويستعصم، وإذا كان الشاذّ النادر في البشر يستطيع أن يستعصم فهل الجميع يستطيعون ذلك؟ أم أنّ الغالب منهم تقهره غريزته؟ وهذا الصنف الكثير من البشر إذا طغت عليه غريزته في المجتمع الذي يمنعه من التصرّف في غريزته ويطلب منه أن يخالف فطرته وما تقتضيه طبيعته ماذا يفعل عند ذاك؟ وهل له سبيل غير أن يخون ذلك المجتمع؟!

والإسلام الذي وضع حلاًّ مناسباً لكلّ مشكلة من مشاكل الإنسان هل ترك هذه المشكلة بلا حلّ؟! لا. بل شرّع لحلّ هذه المشكلة: الزواج المؤقّت، ولولا نهي عمر عنها لما زنى إلاّ شقيّ كما قاله الإمام عليّ (عليه السلام)، أمّا المجتمعات البشرية فقد وضعت لها حلاًّ بتحليل الزنا في كلّ مكان.

ولا يقتصر الأمر في ما ذكرنا على من يسافر من وطنه، فإنّ للبشر كثيراً من الحالات في وطنه تمنعه الزواج الدائم أحياناً، سواء في ذلك الرجل والمرأة، فماذا يصنع إنسان لم يستطع من الزواج الدائم سنين كثيرة من عمره في وطنه إن لم يلتجئ إلى الزواج المؤقّت، ماذا يصنع هذا الإنسان والقرآن يقول له: ﴿ ... لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ... 15  ويقول لها: ﴿ ... وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ... 16 ؟!

أمّا ما ذكره عمر في مقام العلاج من تبديل نكاح المتعة بالنكاح الدائم على أن يفارق عن ثلاث بالطلاق، فالأمر ينحصر فيه بين أمرين لا ثالث لهما، أمّا أن يقع ذلك بعلم من الزوجين وتراض بينهما فهو الزواج المؤقّت أو نكاح المتعة بعينه، وأمّا أن يقع بتبييت نيّة من الزوج مع إخفائه عن الزوجة فهو غدر بالمرأة واستهانة بها بعد أن اتّفقا على النكاح الدائم واخفى المرء في نفسه نيّة الفراق بعد ثلاث، وكيف يبقى اعتماد للمرأة وذويها على عقد الزواج الدائم مع هذا؟!

وأخيراً، فإنّه يرى بكلّ وضوح من هذه المحاورة ومن كلّ ما روي عن عمر من محاورات في هذا الباب: أنّ كلّ تلك الروايات التي رويت عن رسول الله في تحريمه المتعتين ونهيه عنهما والتي حفلت بتدوينها أُمّهات كتب الحديث والتفسير وُضعت بعد عصر عمر، فإنّ واحداً من الصحابة على عهد عمر لو كان عنده رواية عن رسول الله تؤيّد سياسة الخليفة في المتعتين والتي كان يجهر بها ويتهدّد على مخالفتها بقوله: وأُعاقب عليهما، لو كان واحداً من الصحابة على عهده عنده من رسول الله شيء يؤيد هذه السياسة لما احتاج إلى كتمانها عن الخليفة ولنشرها، ولو كان الخليفة في كلّ تلك المدّة قد اطّلع على شيء يؤيّد سياسته لاستشهد به ولما احتاج إلى كلّ هذا العنف بالمسلمين.

هكذا انتهى عهد عمر، بعد أن كبت المعارضين لسياسة حكمه وكتم أنفاسهم ومنعهم حتى من نقل حديث الرسول كما أشرنا إلى ذلك في فصل "في حديث الرسول"، واستمرّ الأمر على ذلك إلى ستّ سنوات من خلافة عثمان، وانتشر الأمر متدرّجاً بعد ذلك فنشأ جيل جديد لا يعرف من الإسلام الاّ ما سمحت سياسة الخلافة بنشره وبيانه كما سنعرفه في ما يأتي 17:

[Freelinking: Invalid Node ID “35414”]

[Freelinking: Invalid Node ID “35415”]

 

  • 1. صحيح مسلم، باب نكاح المتعة : 1023 ح1405; وبشرح النووي 9 : 183; والمصنف لعبد الرزاق 7 : 500 وفي لفظه: أيّام عهد النبي; وسنن البيهقي 7 : 237 باب ما يجوز أن يكون مهراً; ومسند أحمد 3 : 304 وفي لفظه: حتى نهانا عمر أخيراً ... ; وأورده موجزاً صاحب تهذيب التهذيب بترجمة موسى بن مسلم 10 : 371; وفتح الباري 11 : 76; وزاد المعاد لابن القيم 1 : 205; وراجع كنز العمال 8 : 293.
  • 2. المصنف لعبد الرزاق 7 : 496-497 باب المتعة.
  • 3. المصنف لعبد الرزاق 7 : 500; وفتح الباري 11 : 76 وفي لفظه: فسأله فاعترف قال: فذلك حين.
  • 4. المصنف لعبد الرزاق 7 : 500-501 وأرى عمرو بن حوشب تحريفاً والصواب عمرو بن حريث. وكذلك سقط من الكلام بعد لا يشهدون: عدولا.
  • 5. لعل الصواب : بتوا.
  • 6. كنز العمال 8 : 294 ط. دائرة المعارف حيدر آباد دكن سنة 1312.
  • 7. صنفة ردائه، صنفة الإزار بكسر النون: طرفه (نهاية اللغة).
  • 8. المصنف لعبد الرزاق 7 : 503; وراجع مسند الشافعي : 132; وترجمة ربيعة بن أمية من الإصابة 1 : 514.
  • 9. موطأ مالك : 542 ح42 باب نكاح المتعة; وسنن البيهقي 7 : 206 وفي لفظه: لرجمته; وراجع كتاب الام للشافعي 7 : 219; وتفسير السيوطي 2 : 141.
  • 10. ترجمة سلمى غير منسوبة من الاصابة 4 : 324; وترجمة سلمة من الاصابة 2 : 61.
  • 11. المصنف لعبد الرزاق 7 : 499.
  • 12. المصنف لابن أبي شيبة 4 : 293.
  • 13. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 24، الصفحة: 82.
  • 14. الطبري 2 : 32 في باب شيء من سيره ممّا لم يمض ذكرها من حوادث سنة 23. والقائبة: البيضة التي تنفلق عن فرخها والفرخ قوب، ضرب هذا مثلا لخلوّ مكة من المعتمرين في باقي السنة. وقرع حجّهم أي خلت أيّام الحج من الناس. نهاية اللغة: مادة قوب.
  • 15. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 235، الصفحة: 38.
  • 16. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 25، الصفحة: 82.
  • 17. الزواج المؤقت في الاسلام، من سلسلة كتب على مائدة الكتاب والسنة (رقم 9) تأليف العلامة السيد مرتضى العسكري .