تقيمك هو: 4. مجموع الأصوات: 27
نشر قبل سنتان
القراءات: 2456

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

غيبة الامام المهدي

1- إمامته

على الرغم من الإجراءات التي اتخذها الإمام العسكري(ع) بتعريف المقرَّبين منه عن انتقال الإمامة من بعده إلى ولده الإمام المهدي(عج)، فإنَّ أخا الإمام العسكري(ع) جعفر"الكذاب"، حاول اقتناص الفرصة عند وفاة أخيه، ليتصدَّى للإمامة، مدَّعياً لها، مبتدئاً ذلك بمحاولة إمامة الصلاة جماعة على جنازة أخيه، حيث إنَّ الإمام يصلي عليه الإمام الذي يليه، وما أن تقدَّم للصلاة، حتى فاجأه الإمام المهدي(عج) بحضوره، قائلاً له: "تأخر يا عم، فأنا أحقُّ بالصلاة على أبي"، وذلك بحضور حوالي أربعين من المؤمنين، كما ذكر الشيخ الطوسي في كتابه:

"حدَّث أبو الأديان قال : كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (عم)، وأحمل كتبه إلى الامصار، فدخلتُ عليه في علته التي توفي فيها، صلوات الله عليه، فكتب معي كتباً وقال : امض بها إلى المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل . قال أبو الأديان : فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن ؟

قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي.

فقلت: زدني .

فقال : من يصلي عليَّ فهو القائم بعدي.

فقلت : زدني .

فقال : من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي . ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.

وخرجت بالكتب إلى المدائن، وأخذتُ جواباتها، ودخلتُ سر من رأى يوم الخامس عشر، كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة من حوله، يعزونه ويهنونه، فقلتُ في نفسي : إن يكن هذا الامام فقد بطلت الامامة، لأني كنت أعرفهُ يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمتُ فعزَّيتُ وهنَّيت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد(الخادم) فقال : يا سيدي قد كفن أخوك، فقم وصلِّ عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله، يقدمهم السمَّان، والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً، فتقدَّم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلمَّا همَّ بالتكبير، خرج صبيٌ بوجهه سمرة، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال : تأخَّر يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر، وقد اربد وجهه واصفر. فتقدَّم الصبي، وصلَّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عم) ثم قال (المهدي): يا بصري هات جوابات الكتب التى معك، فدفعتها إليه.

فقلت في نفسي: هذه بيِّنتان، بقي الهميان، ثم خرجتُ إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي مَنِ الصبي لنقيم الحجَّة عليه ؟ فقال : والله ما رأيته قط، ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (عم) فعرفوا موته، فقالوا: فمن ( نعزي ) ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه، وعزوه وهنوه، وقالوا : إنَّ معنا كتباً ومالاً ، فتقول ممن الكتب ؟ وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : تريدون منَّا أن نعلم الغيب ، قال : فخرج الخادم، فقال : معكم كتب فلان وفلان (وفلان )، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا : الذي وجَّه بك لأخذ ذلك هو الامام" 1.

وفصَّل الشيخ الصدوق خبر الصلاة على جنازة الإمام العسكري(ع) بالرواية التالية:

عن أحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس قال : "حضرت دار أبي محمد الحسن بن علي(عم) بسر من رأى، يوم تُوفي وأُخرجت جنازته ووضعت ، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتى خرج إلينا غلام عشاري ( أي له طول عشرة أشبار), حافٍ, عليه رداء قد تقنَّع به . فلمَّا أن خرج، قمنا هيبةً له، من غير أن نعرفه ، فتقدَّم، وقام الناس فاصطفوا خلفه ، فصلى عليه ومشى، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه" 2.

2- الغيبتان

كانت وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) سنة 260هـ، حيث بلغ عمر الإمام المهدي(عج) خمس سنوات، ولعلَّ استغراب البعض من تسلُّمه للإمامة على الرغم من صغر السن يعود إلى عدم الالتفات إلى الإرادة الإلهية التي تقدِّر ما تشاء، فهي الإرادة التي جعلت عيسى(ع) يكلِّم الناس في المهد، وهي التي أعطت القدرة لإمامنا المهدي(عج) ليكون معصوماً وقادراً على تسلم مهام الإمامة. فلا حاجة للاطناب في الاستدلالات العديدة، لأنَّه أمرٌ تفصيلي مرتبط بالإيمان بما ورد عن النبي(ص) والأئمة(عم)، ما يجعلنا نؤمن ونسلِّم بحقيقة إمامنا الثاني عشر، ولادةً ، وإمامةً، وغيبةً، وظهوراً بعد عمر طويل.

كان الإمام المهدي(عج) ملاحقاً من السلطات العباسية بهدف قتله، فاختفى عن الانظار مجدداً بعد صلاته على أبيه، وعيَّن وكلاء له يتواصلون مع المؤمنين، ويوجهونهم، ويتلقون أسئلتهم ورسائلهم وحقوقهم الشرعية، ثم يجيبونهم بما يجيبهم به الإمام المهدي(عج). وقد أُطلقت تسمية السفراء على الوكلاء الدائمين المعروفين بأنَّهم ينوبون عن الإمام في كل الشؤون العامة للمؤمنين، حيث كان يعيِّن الإمام سفيراً واحداً يستخلفه بغيره عند موته، فبلغ عددهم بالتتابع أربعة:

1- أبو عمرو، عثمان بن سعيد العمري، ويقال له السمَّان ، لأنَّه كان يتاجر بالسمن.

2- ولده، أبو جعفر، محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

3- أبو القاسم، الحسين بن روح.

4- أبو الحسن، علي بن محمد السمري.

لم يعين الإمام سفيراً جديداً بعد وفاة السفير الرابع أبي الحسن السمري، وهذا ما كان واضحاً من الكتاب الموَّقع من الإمام المهدي(عج) للسمري، ففي الرواية:

حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال :" كنتُ بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدس الله روحه - ، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميتٌ ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة الثانية, فلا ظهور إلا بعد إذن الله عزَّ وجل، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب ، وامتلاء الارض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذبٌ مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". قال: فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له: مَنْ وصيُّك من بعدك ؟ فقال: لله أمرٌ هو بالغه. ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه" 3.

توفي السفير الرابع سنة 329هـ، بحيث يكون مجموع ما مضى منذ إمامة المهدي(عج) سنة 260هـ = 69سنة، تناوب خلالها أربعة سفراء، وقد سُميت هذه الفترة بالغيبة، لأن الإمام غاب عن التواصل المباشر مع الناس، وهي الصغرى إذا ما قارنَّاها بما بعدها من حيث عدد السنوات وبما تميَّزت به من وجود السفراء، فهي الغيبة الأولى، أو الغيبة الصغرى.

بدأت الغيبة الثانية أو الكبرى، من سنة 329هـ ، مع بقاء الإمام على قيد الحياة، من دون أن يُحدِّد سفيراً جديداً للتواصل مع الناس، وانقطع بشكل عام عن عامة المؤمنين، وهو لا يزال حياً إلى يومنا هذا، ونحن ننتظر ظهوره وانتهاء غيبته عنَّا (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

3- صفاته

نقل أبو وائل، عن أمير المؤمنين(ع)، بعض الصفات الشخصية للإمام المهدي(عج)، حيث قال: "وهو رجلٌ أجلى الجبين (انحسر الشعر عن جبهته)، أقنى الأنف (طويلُهُ مع دقة أرنبتهِ واحديدابٍ في وسطه)، ضخم البطن، أزيل الفخذين (كونهما عريضين)، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا" 4.

وعن قوته، روي عن أمير المؤمنين علي(ع) أنه قال:"...وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً" 5.

وعن مظهره العام وشكله، مع مرور الأعوام وعمره المديد، نقل أبو الصلت الهروي عن الإمام الرضا(ع) قوله:"علامته: أن يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتى أنَّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإنَّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي، حتى يأتيه أجله" 6.

وعن أدائه القيادي المميَّز في علاقته مع الناس، قوله(عج) كما حدَّثنا أمير المؤمنين(ع): "فعليَّ ان لا اتخذ حاجباً، ولا ألبس إلاَّ كما تلبسون، ولا أركب إلاَّ كما تركبون، وأرضى بالقليل، وأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأعبد الله عزَّ وجل حقَّ عبادته، وأفي لكم، وتفوا لي" 7 8.

  • 1. الشيخ الصدوق, كمال الدين وتمام النعمة, ص:475.
  • 2. الشيخ الطوسي, الغيبة, ص: 258.
  • 3. الشيخ الصدوق, كمال الدين وتمام النعمة, ص:516.
  • 4. النعماني، كتاب الغيبة، ص: 215.
  • 5. الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص: 652.
  • 6. المصدر نفسه، ص:652.
  • 7. الشيخ الكوراني، معجم أحاديث الإمام المهدي(عج)، ج1، ص: 94.
  • 8. المصدر : موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم حفظه الله.