الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

فاطمة الزهراء عليها السلام هي المحور

جاء في سورة النور المباركة: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ 1 ففي هذه البيوت يتجلى نور الله، وعبارة فِي بُيُوتٍ أوضح من ان يضاف إليها شرح أو تفصيل، إذ هي إشارة مباشرة الى عظمة القرار الإلهي النابع من علمه القديم وإرادته القاهرة.

ولكن ما هي هذه البيوت، وما محورها ومركز ثقلها؟ فهل هي بيوت من ذهب أم رخام؟ وهل هي قصور ام اكواخ؟

ان المقصود من هذه العبارة المقدسة هو الأُسر، والبيت صفة رمزية للأسرة، كما يقول القائل: بيت العالم الفلاني ويرمز الى عائلته. فبيت الرسالة ومهبط الوحي هو عائلة الرسالة ومركز الاشعاع ومنطلق النور الإلهي.

امّا ما محور هذا البيت، هل هو النبي او الإمام علي او السبطان؟

أن محور بيت النور هو فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فالعلاقة الظاهرية بين جميع أفراد أهل البيت عليهم السلام تلتقي عند الزهراء، اما العلاقة الباطنية- وحسب شهادة القرآن الكريم- فالنبي وأمير المؤمنين نفس واحدة، وعلى أي حال فان التصور الأكبر هو أن آية فِي بيُوتٍ يتجلى فضلها في حق فاطمة الزهراء عليها السلام.

وأعود الى القول: بان الله تبارك وتعالى حينما أراد بمشيئته القاهرة ان يرحم العباد خلق نور النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه، وانقسم هذا النور- كما تؤكد الروايات- الى ثلاثة أقسام؛ قسم خلق الله منه النبي نفسه، وقسم خلق منه فاطمة الزهراء، وقسم خلق منه أمير المؤمنين وذريته الأئمة المعصومين.

وبسبب هذا النور نرى الجبال راسيات والشمس مضيئة والقمر منيراً، ولولا بركة محمد وآله لساخت الأرض بأهلها، فهم أبواب الرحمة الإلهية.

انهم عباد مكرمون

إن الله سبحانه وتعالى حينما يستعرض من خلال القرآن واقعاً معيناً او قصة تاريخية إنما يريد ان يذكرنا بعبرتها، ولعل العبرة من الآيات المتلوة هي منع الناس دون ان يخيّلوا لأنفسهم بأن النبي وأهل بيته لهم ذاتية، او كونهم آلهة صغار- والعياذ بالله-. فهم بدورهم يسبحون الله اكثر من غيرهم، واذا كان الجهل والغفلة أمرين طبيعيين في الإنسان، فإن الله بعد الإشارة الى عظمة هذه البيوت وأوحديتها في التاريخ يعطف عليها بقوله المجيد: ﴿ ... وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ 2.

ان المعادلة ثابتة كل الثبات؛ فكما أن الإنسان ينام باطمئنان بالغ اذا ما كان بيته خالياً مما يثير طمع السراق، او انه لا يطبق له جفن إذا كان في بيته الأموال الطائلة. كذلك كلما تضاعفت رحمة الله على الإنسان، كلما خشي من فقدانها او التفريط بها اكثر. ولان رحمة الله قد تجلت في النبي وأهل بيته عليهم السلام، فخشيتهم من الله اكثر، لانهم مع ثقتهم بالله لكن معرفتهم بالله اكبر، ولذلك فخشيتهم منه اكثر. فالله تعالى يقول: ﴿ ... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ... 3.

نبينا هو نبي الرحمة، واميرنا قسيم الجنة والنار، وسيدة نساء العالمين شفيعة الأمة، ولكنهم يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، خوفاً يدفع بهم الى الطاعة المطلقة، والابتعاد عن الذنوب. وهذا الإحساس بالخوف والعصمة المتكرسة لديهم هو الأمر المتناسب تماماً مع ما سيجزيهم الله من حسن الثواب وما سيزيدهم من رزقه غير النافذ ابداً.

اما الذين لا نور لهم، فلا يمكن ان يكون لهم من الحظ شيئاً، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ 4 وفي ذلك إشارة واضحة الى أهمية انتباه المسلم وضرورة محاولته الحصول على النور من مصدره الحقيقي والصحيح، وهو مدرسة أهل البيت عليهم السلام. ولذة الحصول على النور ما بعدها لذة ولا اروع منها، اذ هي منتهى الرغبات وغاية الغايات 5.