الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لمحات عن المناجاة الشعبانية

هل ناجيتم الله تعالى ، في شهر شعبان هذا ، بـ المناجاة الشعبانية 1 ، التي نصت الأحاديث الشريفة على قراءتها في كل يوم من هذا الشهر ؟ وهل انتفعتم من معانيها الإيمانية السامية والإحاطة بمضامينها حول مقام الربوبية ؟ فقد ذكرت الأحاديث الواردة بهذا الشأن بأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبناءه وجميع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، كانوا يناجون الله تعالى بها 2 . وقلما نجد دعاء ومناجاة نصت الأحاديث الواردة بشأنها من أن الأئمة جميعهم كانوا يقرأونها ويناجون الله تعالى بها . إن هذه المناجاة هي في الحقيقة مقدمة تعد الإنسان وتهيئه للقيام بأعمال شهر رمضان المبارك . ولعله لهذا السبب تم تذكير الإنسان الواعي للالتفات إلى دوافع الصيام وجني فوائده العظيمة .

لقد كان الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يوضحون كثيراً من المسائل عن طريق الأدعية . فهناك فرق كبير بين أسلوب الأدعية والأساليب الأخرى التي كان يستعين بها هؤلاء العظام في بيان الأحكام ؛ إذ غالباً ما كانوا يوضحون المسائل المعنوية ومسائل ما وراء الطبيعة والمسائل الإلهية وتلك التي ترتبط بمعرفة الله سبحانه يوضحونها بلغة الدعاء . بيد أننا نقرأ نحن هذه الأدعية ونمر عليها مرور الكرام دون أن نلتفت إلى معانيها مع الأسف ، بل لا نعي أساساً ماذا كان يريد الأئمة (ع) منها .
فنحن نقرأ في هذه المناجاة : إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك 3 .

إن جملة (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك) ربما تريد أن توضح هذا المعنى ، وهو أن الرجال الربانيين الواعين ينبغي لهم أن يعدوا أنفسهم ويهيئوها قبل حلول شهر رمضان ، لصوم هو في الحقيقة انقطاع عن الدنيا واجتناب لذائذها (وهذا الاجتناب في صورته الكاملة هو هذا الانقطاع إلى الله) .

إن كمال الانقطاع لا يتحقق بهذه البساطة . إنه بحاجة إلى ترويض للنفس غير اعتيادي ويحتاج إلى جهد ورياضة واستقامة وممارسة ، لكي يمكن الانقطاع بكل القوى عن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى ، وأن لا يكون هناك توجه لغير الله تعالى . فجميع الصفات الإيمانية الجليلة وكل مستويات التقوى كامنة في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى ؛ ومن يتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة فقد بلغ غاية السعادة . ولكن من المستحيل أن يستطيع الإنسان بلوغ هذه الذرى مادام في قلبه مثقال ذر من حب الدنيا . والذي يريد أن يقوم بأعمال شهر رمضان بالصورة المطلوبة ، عليه أن يحقق في نفسه هذا الانقطاع إلى الله ، وإلا لن يستطيع مراعاة آداب الضيافة ولن يتسنى له إدراك عظمة المضيف . . لن يمكنه أن يدرك أنه في رحاب من وعلى مائدة من ؟

طبقاً لقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) ـ حسبما ورد في الخطبة المنسوبة إليه (ص) ـ فإن عباد الله كافة قد تمت دعوتهم في شهر رمضان المبارك إلى ضيافة الله تعالى ، وإن مضيفهم هو الله تبارك وتعالى : أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله 4 .

فما عليكم في هذه الأيام القلائل التي تفصلنا عن شهر رمضان المبارك ، إلا أن تفكروا في إصلاح أنفسكم والتوجه إلى بارئكم . . استغفروا الله من أفعالكم وأقوالكم التي لا تليق . وإذا كنتم قد ارتكبتم ـ لا سمح الله ـ ذنباً فتوبوا إلى الله قبل الدخول في شهر رمضان المبارك . . عوّدوا ألسنتكم على ذكر الله ومناجاته . . إياكم أن تصدر منكم غيبة أو تهمة أو نميمة أو أي ذنب في هذا الشهر ، وأن تدنسوا أنفسكم بالمعاصي وتسيئوا آداب الضيافة وأنتم ضيوف الله سبحانه .
لقد دعيتم في هذا الشهر الفضيل إلى ضيافة الحق تعالى : دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، فهيئوا أنفسكم لهذه الضيافة العظيمة . . تحلوا ـ على الأقل ـ بالآداب الصورية والظاهرية للصيام . (فالآداب الحقيقية موضوع آخر ، حيث هي بحاجة إلى جهد وجد وتعب) . فالصوم لا يعني الإمساك عن الطعام والشراب فحسب ؛ بل ينبغي اجتناب المعاصي أيضاً . إن هذه من الآداب الأولية للصوم بالنسبة للمبتدئين . (أما آداب الصيام بالنسبة لرجال الله الذين يتطلعون لبلوغ معدن العظمة فهي شيء آخر) . فاعملوا ـ على الأقل ـ بالآداب الأولية للصيام . فمما تمسكون البطن عن الطعام والشراب ، فامسكوا عيونكم وأسماعكم وألسنتكم عن المعاصي . عاهدوا أنفسكم من الآن أن تكفوا اللسان عن الغيبة والتهمة والكذب والإساءة ، وأخرجوا من قلوبكم الحسد والحقد وسائر الصفات الشيطانية القبيحة . حاولوا قدر المستطاع أن تحققوا معنى الانقطاع إلى الله تعالى ، وأن تؤدوا أعمالكم بعيدة عن الرياء ، وخالصة لوجه الله تعالى ، وانقطعوا عن شياطين الإنس والجن .
لكن يبدو أننا لسنا أهلاً لتحقيق هذه الدرجة من الإيمان وكسب هذه السعادة الكبرى . فحاولوا ـ على الأقل ـ أن لا يكون صومكم مقروناً باقتراف الذنوب . وفيما عدا ذلك ، وعلى فرض أن صيامكم كان صحيحاً من الناحية الشرعية ، فإنه لن يقبل ولا يرفع إلى الله ، لأن ارتفاع الأعمال إلى الله وقبولها لديه ـ جل وعلاـ يختلف كثيراً عن صحتها الشرعية .
فإذا انقضى شهر رمضان المبارك ولم يطرأ على أعمالكم وسلوككم أي تغيير ، ولم يختلف نهجكم وفعلكم عما كان عليه قبل شهر الصيام ، فاعلموا أن الصوم الذي طلب منكم لم يتحقق ، وأن ما أديتموه لم يكن أكثر من صوم الحيوانات .
لقد دعيتم في هذا الشهر الشريف إلى ضيافة الله تبارك وتعالى ؛ فإذا لم تتحقق معرفتكم بالله ، أو لم يضف لها ، فاعلموا أنكم لم تلبوا دعوة الله كما ينبغي ولم تؤدوا حق الضيافة .
يجب أن تعلموا أنه إذا لم تتمكنوا في هذا الشهر المبارك ، الذي هو شهر الله وتفتح فيه أبواب الرحمة الإلهية لعباده وأن الشياطين والمردة ـ كما تفيد الأحاديث 5 ـ يرسفون في الأغلال والقيود ، إذا لم تتمكنوا من إصلاح نفوسكم وتهذيبها ومراقبة النفس الأمارة والتحكم بها ، وإذا لم تتمكنوا من سحق الأهواء النفسية وقطع علائقكم المادية بالدنيا ؛ فإن من الصعب أن تقدروا على ذلك بعد انتهاء شهر الصيام .

فاغتنموا الفرصة وهبّوا قبل انقضاء هذا الفيض الأعظم ، لإصلاح أموركم وتزكية النفوس وتطهيرها ، وهيئوا أنفسكم لأداء واجبات شهر الصيام ، ولا تكونوا كمن عبّأه الشيطان ـ مثلما تعبأ الساعة ـ وشحنه قبل حلول شهر رمضان لأن يفعل بشكل تلقائي في هذا الشهر حيث يرسف الشياطين في الأغلال ، في ارتكاب المعاصي والانشغال بالأعمال المنافية التعاليم الإسلام .
إن الإنسان المرتكب للذنوب والمعاصي ينغمس في الظلم والجهل نتيجة لبعده عن الحق وكثرة الذنوب والمعاصي ، إلى درجة لم يعد معها بحاجة إلى وسوسة الشيطان ، بل ينطبع سلوكه وينصبغ بصبغة الشيطان ، لأن صبغة الله 6 مقابل صبغة الشيطان ، وأن الذي يساير هوى النفس ويتبع الشيطان يكتسب صبغته بالتدريج .

عاهدوا أنفسكم ـ على الأقل في هذا الشهر ـ بمراقبة سلوككم وتجنب الأفعال والأقوال التي لا ترضي الله تبارك وتعالى . الآن وفي هذا المجلس ، عاهدوا الله تعالى بأن تتجنبوا في شهر رمضان المبارك ، الغيبة والتهمة والإساءة للآخرين ، وأن تتحكموا بألسنتكم وعيونكم وأيديكم وأسماعكم وبقية الأعضاء والجوارح ، وراقبوا أقوالكم وأفعالكم عسى أن يكون ذلك سبباً في استحقاقكم عناية الله تعالى ورحمته وتوفيقه ، وتكونوا بعد انقضاء شهر الصيام وتحرر الشياطين من الأغلال ، قد هذبتم أنفسكم وأصبحتم من الصالحين ولم يعد بمقدور الشيطان إغواءكم وخداعكم .
أعود وأكرر : اتخذوا قراركم وعاهدوا أنفسكم بمراقبة جوارحكم في هذه الثلاثين يوماً من شهر رمضان المبارك ، وكونوا حذرين دائماً وملتفتين إلى الحكم الشرعي لهذا العمل الذي تنوون الإقدام عليه ، والقول الذي تريدون أن تنطقوا به ، والموضوع الذي تستمعون إليه .
هذه آداب الصوم الأولية ، فتمسكوا بهذه الآداب الظاهرية على الأقل . . فإذا رأيتم شخصاً يريد أن يغتاب ، حاولوا أن تردعوه وقولوا له : لقد تعهدنا أن نجتنب المحرمات في هذا الشهر . وإذا لم تستطيعوا منعه من الاغتياب اتركوا المجلس ، فلا تجلسوا وتستمعوا إليه ؛ إذ يجب أن يأمن المسلمون جانبكم . ومن لا يأمن المسلمون يده ولسانه وعينه فهو في الحقيقة ليس بمسلم 7 . إنما هو مسلم في الظاهر والاسم ، وينطق بـ (لا إله إلا الله) فحسب .

فإذا أردتم ـ لا سمح الله ـ إهانة أحد من المسلمين واغتيابه والمساس بكرامته ، فاعلموا أنكم في محضر الربوبية وفي ضيافة الله تبارك وتعالى ، وأنكم بمحضره تسيئون الأدب مع عباده . وأن إهانة عباد الله هي بمثابة إهانة الله تبارك وتعالى . فهؤلاء عباد الله لا سيما إذا كانوا من أهل العلم والتقوى وعلى الصراط المستقيم . فأحياناً ترون أن الإنسان ونتيجة لهذه الأفعال ، يصل إلى مرحلة تكون عاقبته عند الموت بأن يكذّب الله تعالى وينكر آياته: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ 8.
وإن مثل هذه النتيجة السيئة المدمرة لا تحصل دفعة واحدة ، بل بالتدريج ، فاليوم نظرة غير سليمة وغداً كلمة غيبة ، وفي يوم آخر إهانة مسلم و . . . هكذا شيئاً فشيئاً تتكدس هذه المعاصي في القلب فيسود . وإن القلب الأسود المظلم يمنع الإنسان من معرفة الله تعالى حتى يصل إلى مرحلة ينكر الحقائق الإيمانية ويكذّب بآيات الله تعالى .
إن أعمال الإنسان ـ طبقاً لبعض الآيات واستناداً إلى تفسير بعض الأحاديث ـ تعرض على رسول (ص) والأئمة الأطهار (ع) 9 وتمر من أمام أنظارهم المباركة . فعندما ينظر الرسول (صلى الله عليه و آله) إلى أعمالكم ويراها مليئة بالأخطاء والذنوب ، فكم سيتأثر ويتألم ؟ فلا تكونوا ممن يؤلم رسول الله ويثير تأثره . لا تكونوا ممن يثير الحزن والألم في قلب رسول الله .

فعندما يرى (صلوات الله عليه وآله) صفحات أعمالكم زاخرة بالغيبة والتهمة والإساءة إلى المسلمين ، ويرى كل توجهاتكم وهمومكم منحسرة في الدنيا والماديات ، ويشاهد قلوبكم طافحة بالبغضاء والحسد والحقد وإساءة الظن بعضكم ببعض ؛ عندما يرى رسول الله (ص) كل هذه ، من الممكن أن يستحي أمام الله تبارك وتعالى وملائكته ؛ لأن أمته وأتباعه لم يشكروا نعم الله تعالى ، وخانوا بكل وقاحة وجرأة أمانات الله تبارك وتعالى . فالشخص الذي يرتبط بك ـ ولو كان خادمك ـ يخجلك إذا ما ارتكب عملاً مشيناً ، وأنتم مرتبطون برسول الله (ص) . إنكم بمجرد دخولكم الحوزات العلمية تكونون قد ربطتم أنفسكم بفقه الإسلام وبالرسول الأكرم والقرآن الكريم . فإذا ما ارتكبتم عملاً قبيحاً فسوف يمس رسول الله (ص) ويسيء إليه ، ومن الممكن أن يلعنكم لا سمح الله . فلا تسمحوا لأنفسكم أن تحزنوا قلب رسول الله (ص) وقلوب الأئمة الأطهار ، وتكونوا سبباً في آلامهم .
إن قلب الإنسان كالمرآة صافٍ ومضيء ، ولكنه يتكدر نتيجة تكالبه على الدنيا وكثرة المعاصي . فإذا استطاع الإنسان أن يؤدي ـ على الأقل ـ الصوم بنية خالصة منزهة من الرياء (ولا أقول إن العبادات الأخرى لا ينبغي توافر الإخلاص فيها ، بل إن الصدق والنية الخالصة شرط في جميع العبادات) ، وإذا تمكن أن يبقى طيلة هذا الشهر المبارك معرضاً عن الشهوات مجتنباً اللذائذ منقطعاً عما سوى الله تعالى ، وقام بعبادة الصوم كما ينبغي ، فقد تشمله عناية الله فتزول عن مرآة قلبه ما علق بها من الغبش وما اعتراها من الكدر وما خيّم عليها من ظلام الذنوب ، ويكون ذلك سبباً في أن يعرض الإنسان كلياً عن الدنيا المحرمة ولذائذها ، وحينها يرغب في ورود ليلة القدر يكون قد أصبح أهلاً لأن ينال الأنوار التي يتحقق في تلك الليلة للأولياء والخلص من المؤمنين .
وإن الذي يجزي مثل هذا الصوم هو الله تبارك وتعالى كما قال عنه جل وعلا : الصوم لي وأنا أجزي به. فليس بمقدور شيء آخر أن يكون ثمناً لمثل هذا الصوم ؛ حتى جنات النعيم لا تعني شيئاً أمام صومه ولا يمكن أن تكون ثمناً له .

أما إذا أراد الإنسان أن يكون صيامه حبس الفم عن الطعام وإطلاقه في اغتياب الناس وفي قضاء ليالي شهر رمضان المبارك حيث تكون المجالس الليلية عامرة وتوافر فرصة أكبر لتمضية الوقت إلى الأسحار في اغتياب المسلمين وتوجيه التهم والإهانة لهم ، فإنه لن يجني من صومه شيئاً ؛ بل يكون بهذا الصوم قد أساء آداب الضيافة وأضاع حق ولي نعمته الذي خلق له كل وسائل الحياة والراحة ، ووفّر له أسباب التكامل ، حيث أرسل الأنبياء لهدايته وأنزل الكتب السماوية ومنح الإنسان القدرة للوصول إلى معدن العظمة والنور الأبهج ، وأعطاه العقل والإدراك وكرّمه بأنواع الكرامات .
وها هو قد عاد إلى ضيافته ، والجلوس إلى مائدة نعمته ، وحمده وثنائه بكل ما تقدر على أدائه الأيدي والألسن . فهل يصح أن يتمرد العباد الذين نهلوا من نعمته واستفادوا من وسائل وأسباب الراحة التي وضعها تحت تصرفهم ، يتمردوا على مولاهم ومضيفهم وينهضوا لمعارضته ويطغوا ؟ . لقد هيّأ لهم الله تبارك وتعالى كل الأسباب ، فهل يصح أن يسخروها لمعصيته وخلافاً لمرضاته ؟
أليس هذا كفراناً للنعمة ؛ بأن يجلس الإنسان إلى مائدة مولاه ثم يتجرأ عليه بأفعاله القبيحة وتصرفاته المشينة ويسيء أدبه مع مضيفه وولي نعمته ، ويرتكب أعمالاً قبيحة لدى مضيفه ؟
ينبغي ـ على الأقل ـ للضيف أن يكون عارفاً بالمضيف مدركاً لمقامه ؛ ومن خلال اطلاعه على عادات وتقاليد المجلس يحرص أن لا يصدر عنه ما ينافي الأخلاق ويسيء إليه . . فلابد لضيف الله سبحانه أن يكون عارفاً بمقامه العظيم ذي العزة والجلال . . المقام الذي كان الأنبياء العظام والأئمة الكرام يسعون دوماً للاستزادة من معرفته والإحاطة به إحاطة كاملة ، وكانوا يتمنون أن يصلوا إلى معدن العظمة هذا : وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وإن ضيافة الله هي معدن العظمة هذا . وقد دعا الله سبحانه عباده واستضافهم ليمكنهم من بلوغ معدن النور والعظمة . ولكن إذا لم يكن العبد لائقاً ، فلن يتمكن من بلوغ مثل هذا المقام السامي والعظيم .
لقد دعا الله تبارك وتعالى العباد لكل الخيرات والمبرات والكثير من اللذائذ الروحية والمعنوية . ولكن إذا لم يكن العباد أهلاً للحضور في مثل هذه المقامات السامية ، فلن يتمكنوا من بلوغ ذلك ؛ فكيف يمكن الحضور في حضرة الحق تعالى والدخول في ضيافة رب الأرباب الذي هو معدن العظمة ، مع كل هذه التلوثات الروحية والرذائل الأخلاقية والمعاصي القلبية والظاهرية ؟ .
إن الأمر بحاجة إلى لياقة واستحقاق ، ولا يمكن إدراك هذه المعاني بوجوه مسودة وقلوب ملوثة بالمعاصي وملطخة بالآثام . فلابد من تمزيق هذه الحجب وإزالة هذه الغشاوة المظلمة والمضيئة التي كست القلوب ومنعتها من الوصول إلى الله ، حتى يمكن الدخول في المجلس الإلهي النوراني ذي العظمة 10.

  • 1.  إقبال الأعمال، أعمال شهر شعبان، ص685.. مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ص374. بحار الأنوار، ج91، ص97 ـ 99. كتاب الذكر والدعاء، الباب 32، الحديث 12.
  • 2. المصدر نفسه.
  • 3. بحار الأنوار: الأدعية والمناجاة.
  • 4. وسائل الشيعة، ج7، ص227، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث20.
  • 5. عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول الله (ص) يقبل بوجهه إلى الناس فيقول: معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان، غلت مردة الشياطين وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار واستجيب الدعاء كتاب وسائل الشيعة، ج7، ص224، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث14
  • 6. مستوحى من الآية 138 من سورة البقرة: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ .
  • 7. عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): ألا أنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم. ألا أنبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده. كتاب الكافي، ج3، ص331، كتاب الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، الحديث 19.
  • 8. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 10، الصفحة: 405.
  • 9. كما تشير إلى ذلك الآية 105 من سورة التوبة: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}. وينقل أبو بصير عن الإمام الصادق (ع) قوله: تعرض الأعمال على رسول الله (ص)، أعمال العباد كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله}. أصول الكافي/ ج1، ص318، كتاب المحجة، باب عرض الأعمال على النبي (ص) والأئمة عليهم السلام، الأحاديث 1 ـ6.. كذلك انظر تفسير البرهان، ج2، ص157.
  • 10. كتاب الجهاد الاكبر أو جهاد النفس ، للسيد روح الله الخميني (قدس سره).