الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما نزل في سورة الذاريات في شأن فاطمة عليها السلام

قوله تعالى:
﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ 1 قال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)، وكان علي يصلي الليل الأخير وينام الثلث الأول، فإذا كان السحر جلس في الاستغفار والدعاء، وكان ورده في كل ليلة سبعين ركعة ختم فيها القرآن 2. وأخرجها في مستدركات عوالم العلوم أنها فيهم (عليهم السلام)3. بيان:
قد مر في قوله تعالى:﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ... 4 أنها نزلت في علي وفاطمة (عليهما السلام) ليلة اقترانهما، فلما سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صبيحة تلك الليلة عن حالهما أخبر الله تعالى عن وردهما وأنهما لم يناما تلك الليلة، لانشغالهما بذكر الله تعالى واستغفاره، هذا هو دأبهما، واليوم في تشكيلتهما المباركة بعد أن رزقا بالحسن والحسين أنشئاهما على نفس ذلك السير من التكامل المقدس، يخبر الله تعالى عن أن هؤلاء الثلة المباركة قد تعاهدت قيام الليل، إذ ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ... 4 هم المتقون الذين يصف حالهم بقوله تعالى ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 5.

هؤلاء هم أهل المدح والثناء في الدنيا، وهم المتقون عند الله حقا، رضي الله عنهم ورضوا عنه بما آتاهم من جنات وعيون.
على أنه يجب التنبيه إلى أن ما تقدم في الرواية من كون ورد أمير المؤمنين (عليه السلام) سبعين ركعة في كل ليلة يختم فيها القرآن لا ينافي مما عليه الليلة الواحدة من الوقت المحدود الذي قد لا يسع لقراءة نصف القرآن، خصوصا والرواية قد حددت ورده (عليه السلام) بالثلث الأخير من الليل، فكيف يتم ذلك الورد الكبير في ظرف وقتي محدود؟
وللإجابة على ذلك: يجب التذكير بأمر مهم، وهو: أن خلقتهم النورانية - صلوات الله عليهم - تؤهلهم بممارسة أعمالا لا تسعها الخلقة العادية للبشر، كما ورد عن نورانيتهم في كثير من أحاديثهم، وما هو معروف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ قال: " إنا آل محمد كنا أنوارا حول العرش، فأمرنا الله بالتسبيح فسبحنا.. إلى آخر قوله (عليه السلام) ".

على أن نورانيتهم التي لا تحدها حدود الوقت والمكان تسمح لهم القيام بأعمال خارقة تتضاءل معها حسابات القياسات الزمانية والمكانية.
فالنور يتردد بسرعة ضوئية تفوق الحد الاعتيادي للأجسام الغليظة غير الشفافة، وأجسامهم النورانية عند قيامها بأعمالها تنعدم عندها قياساتنا الزمانية المحدودة، فلا غرابة إذن من أن يصلي أمير المؤمنين (عليه السلام) في الليلة سبعين ركعة يختم فيها القرآن، بل يصلي ألف ركعة في الليلة كما ورد في أحاديث أخرى، ولا يقتصر الأمر على أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل يعم فاطمة (عليها السلام) وأئمة آل البيت (عليهم السلام) كذلك كما ورد عن زين العابدين (عليه السلام) إذ كان يصلي في الليلة ألف ركعة، ولعل التحديد بالألف ركعة وغيرها بعد ذلك غير حقيقي، بل لعله أكثر من ذلك، والأئمة لا يتحدثون عن غير المألوف في ممارساتنا اليومية، خصوصا وهم يعيشون في زمان يجهل الناس فيه حسابات سرعة الضوء.
أما اليوم فلا مجال للتردد في قبول مثل هذه المسلمات الواردة عنهم (عليهم السلام).
كما أن ما يراه الرائي في منامه وهو يقطع المسافات الطويلة بين الشرق والغرب ويزور مدنا ومشاهد كثيرة في وقت قد لا يستغرق عدة لحظات، كما هو معروف علميا اليوم إحدى التقريبات العلمية التي يمكن أن نفسر بها حالاتهم الخاصة التي تتجاوز الحالات العادية وتلغى عندها الحسابات الزمانية المعروفة، وما ذلك إلا عن لطف الله وعنايته لهم. ولا ننسى ما حدث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من إسرائه وعروجه وما شاهده من ملكوت السماوات ولم يستغرق ذلك إلا وقتا محدودا كما هي عليه الروايات.

وما ورد عنهم (عليهم السلام) - كما هو الثابت عندنا والمسلم من عقائدنا - حضور علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند الموت، وما اشتهر من قوله (عليه السلام) للحارث الهمداني في كلام طويل:... وأبشرك يا حار ليعرفني - والذي فلق الحبة وبرأ النسمة - وليي وعدوي في مواطن شتى، ليعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة، فقال: وما المقاسمة يا مولاي؟ قال: مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحاحا، أقول: هذا وليي وهذا عدوي 6. وإلى ذلك أشار السيد الحميري بقوله:
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا 7 إلى آخر قوله.
وما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لن تموت نفس مؤمنة حتى ترى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليا (عليه السلام) يدخلان جميعا على المؤمن، فيجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند رأسه وعلي عند رجليه.. " إلى آخر الحديث 7. وما ذلك إلا لخصوصياتهم التي اختصوا بها دون غيرهم صلوات الله عليهم. وكذا ما أخرجه العلامة المجلسي في بحاره عن جابر الأنصاري حضور علي (عليه السلام) سلمان عند وفاته قائلا: صلى بنا أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: معاشر الناس أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان... إلى أن قال: وقال لقنبر: عد عشرا قال: ففعلت فإذا نحن على باب سلمان.. إلى آخر الرواية 8. وما نقله عن الصراط المستقيم: جاء في الأخبار الحسان أن عليا (عليه السلام) مضى في ليلة إلى المدائن لتغسيل سلمان 9. وإلى ذلك ذهب ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج قائلا:

فقد جاء في الخبر " لا يموت امرؤ حتى يعلم مصيره، هل هو إلى الجنة أم إلى النار؟ " ويمكن أن يعني به ما يعاينه المحتضر من ملك الموت وهول قدومه، ويمكن أن يعني به ما كان (عليه السلام) يقول عن نفسه: إنه لا يموت ميت حتى يشاهده (عليه السلام) حاضرا عنده.
والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقده، وتروي عنه (عليه السلام) شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا 10 وليس هذا بمنكر إن صح أنه (عليه السلام) قاله عن نفسه، ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت حتى يصدق بعيسى بن مريم (عليه السلام)، وذلك قوله:﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ 11.

قال كثير من المفسرين: معنى ذلك أن كل ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتب السالفة إذا احتضر رأى المسيح عيسى عنده، فيصدق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدقا به 9. وقد توخينا من ذلك بيان إمكانية أجسامهم فضلا عن أرواحهم التي تتصرف - بإذن الله تعالى - ما لا يقدر أن يتصرف غيرهم بعيدا عن حسابات الزمان والمكان.
على أنا لا نغفل عن أن ذلك متعلق ببعض شؤونهم وحالاتهم الخاصة التي تؤهلهم للقيام بأمور نعجز عن إدراكها، وقد حرصوا (عليهم السلام) على أن يتعاملوا مع الناس بما تجري به العادة الطبيعية دون أن يظهروا لهم من أمور لا يطيقها إلا من امتحن الله قلبه للإيمان 12.