الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تناقض الاحاديث دليل بطلان المذهب . .

نص الشبهة: 

يقول شيخ الشيعة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مقدمة كتابه «تهذيب الأحكام» (1 / 45 .) وهو أحد كتبهم الأربعة: «الحمد لله ولي الحق ومستحقه وصلواته على خيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً: ذاكرني بعض الأصدقاء أبرَّه الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله، ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين، والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلة ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا .. » . ويقول السيد دلدار علي اللكهنوي الشيعي الاثنا عشري في أساس الأصول ((ص 51) ط لكهنو الهند.): إن «الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين ..» . ويقول عالمهم، ومحققهم، وحكيمهم، ومدققهم، وشيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في كتابه «هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار» ((ص 164) الطبعة الأولى 1396هـ .): «فذلك الغرض الذي ذكره في أول التهذيب من أنه ألفه لدفع التناقض بين أخبارنا لما بلغه أن بعض الشيعة رجع عن المذهب لأجل ذلك». نقول: لقد اعترف علماء الشيعة بتناقض مذهبهم (انظر : أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، للقفاري، 1 / 418 وما بعدها .)، والله يقول عن الباطل : { ... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن الاختلاف والتباين في أحاديث غير الشيعة، ممن ينتمي السائل إليهم في المذهب، أعظم بكثير مما هو عند الشيعة.. كما أن الأحاديث الموضوعة عندهم تكاد لا تحصر..
وقد ألف علماؤهم في أزمنة مبكرة جداً، وربما في النصف الثاني من القرن الثاني كتباً حول هذه القضايا.
ومؤلفاتهم في الأحاديث المختلفة والمختلقة تعد بالعشرات والمئات. وتجد في مكتبتي الخاصة الكثير منها، مثل:
الموضوعات للفتني.
والفوائد المجموعة.
واللآلي المصنوعة.
واختلاف الحديث.
وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.
وكشف الخفاء.
ومزيل الألباس.
والمقاصد الحسنة للسخاوي.
وإتقان ما يحسن من بيان الأخبار الدائرة على الألسن.
والموضوعات للصنعاني.
والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة للقاري، وهو كتابان: الأسرار المرفوعة الصغرى والكبرى.
والعلل للدارقطني.
واللآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة.
وتمييز الطيب من الخبيث، فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث.
والدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة.
وراجع:
المجروحون لابن حبان.
وميزان الإعتدال للذهبي.
ولسان الميزان للعسقلاني..
إلى عشرات لعلها تصل إلى المئات من المؤلفات الأخرى حول هذه الموضوعات.
ثانياً: إن منع أبي بكر وعمر من رواية وكتابة الحديث، وإحراقهما ما كتبه الصحابة في زمن النبي «صلى الله عليه وآله»، واستمرار المنع إلى عشرات السنين، بل قيل: إنه استمر إلى سنة 143 أو 145 هـ. 1.
وإتاحة الفرصة لعلماء أهل الكتاب ليحتلوا مساجد المسلمين، تحت شعار: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، قد نتج عنه قلة، بل ندرة الحديث عن الرسول «صلى الله عليه وآله»، وشيوع الترهات والأباطيل بين المسلمين من غير شيعة أهل البيت «عليهم السلام»..
ثالثاً: رغم الظلم بأقسى أنواعه من قتل وسجن واضطهاد وتشريد للأئمة وشيعتهم، فإن الحديث عند الشيعة، بقي مصوناً عن الدسّ والتحريف والإختلاف بصورة كبيرة، لأن الأئمة «عليهم السلام» كانوا هم الراصد الحقيقي لهذا الأمر، والحافظ من كل سوء، فكانوا يدلُّون شيعتهم على الكذابين والوضاعين، ويحذرونهم من مخالطتهم، والأخذ عنهم..
كما أنهم كانوا يقرأون كتب شيعتهم، ويرشدون إلى وجوه الخلل فيها، إن وجدت.
ولكن النقل بالمعنى، وسوء حفظ الرواة أحياناً، وتقطيع الروايات، وصدور بعض الأوامر من الأئمة « عليهم السلام » على جهة التقية لحفظ دماء بعض شيعتهم، وعدم تدبر المعاني بالمقدار الكافي قد نتج عنه الحكم باختلاف الروايات فيما بينها..
وهذا هو ما أشار إليه الطوسي في مقدمة التهذيب.. حسبما تقدم في السؤال.
ولكن أهل العلم بمساعدة أئمتهم «عليهم السلام» قد رصدوا كل تلك الحالات، وبينوا معانيها، وجمعوا بين مختلفاتها، وأعادوا اللحمة إلى الروايات المقطعة، وأوضحوا الموارد التي وردت على سبيل التقية، وحملوا المطلق على المقيد، والخاص على العام، والمجمل على المبين، وحلوا هذه المعضلة وفقاً لهذه الضوابط العلمية التي اعتمدوها، وطبقوها بدقة وأمانة، وأناة..
وهذا كان سبيل كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، وكتب أخرى سواه..
فعند الشيعة الإمامية إذن، ميزان واحد لمعالجة ذلك، لأنهم مذهب واحد، بينما نجد في المقابل أن لكل واحد من المذاهب الأخرى ميزان يختلف عن الآخر، لأنها مذاهب متعددة، لها معايير مختلفة.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 2.

  • 1. راجع: تاريخ الإسلام ج 9 ص 13 وتاريخ الخلفاء ص 261 وتدوين السنة ص 200 عن النجوم الزاهرة ج 1 ص 351 ودراسات في الحديث والمحدثين، للحسني ص 24.
  • 2. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (52).