الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

خوخة او باب ابي بكر

نص الشبهة: 

وفي البخاري، عن ابن عباس: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، وعن أبي بكر، وعن أبي سعيد الخدري عنه «صلى الله عليه وآله»: إن أمن الناس علي في صحبته، وماله، أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. أو لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. قال ذلك في مرضه الذي مات فيه. وعند مسلم، عن جندب: قبل أن يموت بخمس ليال، وعند الطبراني، وأبي يعلى بإسناد حسن عن معاوية وعائشة: أن ذلك بعد أن صب عليه «صلى الله عليه وآله» من سبع قرب من آبار شتى (راجـع: البخاري باب قـول النبي (صلى الله عليه وآله) سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر بهامش فتح الباري ج7 ص11 و 12 وباب الهجرة وفي كتاب الصلاة، وصحيح مسلم ج7 ص108، ووفاء الوفاء ج2 ص471 و 472 عنهما وعن الطبراني، وأبي يعلى، وابن سعد. وراجع: القول المسدد ص24 و 25، واللآلي المصنوعة ج1 ص350 و 352، والبداية والنهاية ج5 ص230 و 229، وتفسير ابن كثير ج1 ص501، وتفسير الرازي ج2 ص347، والمصنف ج5 ص431، وحياة الصحابة ج3 ص346، ومجمع الزوائد ج9 ص42). وقد استدلوا بذلك على استحقاق أبي بكر للخلافة، لا سيما وأنه قد ثبت أن ذلك كان في أواخر حياته «صلى الله عليه وآله» (وفاء الوفاء ج2 ص472 و 473، وفتح الباري ج7 ص12، وإرشاد الساري ج6 ص84، وراجع: القول المسدد ص24، والبداية والنهاية ج5 ص230).

الجواب: 

ونقول:
1 ـ بعد أن ثبت صحة حديث: سدوا الأبواب إلا باب علي ؛ وبعد أن اتضح: أنه لم يكن حين مرض وفاته «صلى الله عليه وآله» أي باب مفتوحاً إلا باب علي، فلا معنى لأن يأمرهم «صلى الله عليه وآله» بسد هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، بعد أن لم يسمح النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك الرجل!! بكوة، ولو بقدر ما يخرج رأسه، حتى ولو بقدر رأس الإبرة!! 1.
وبهذا يتضح عدم صحة قولهم في وجه الجمع: إنهم بعد أن سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبوابهم، استحدثوا خوخاً يستقربون منها الدخول إلى المسجد 2.
2 ـ هذا بالإضافة إلى أن الحديث قد تضمن منّ أبي بكر على النبي «صلى الله عليه وآله» بصحبته له، وقد تقدم في حديث الغار: أن ذلك لا يصح إلا على معنى فيه ذم لأبي بكر. كما أنه قد تضمن حديث خلة أبي بكر.
وتقدم في حديث المؤاخاة: أنه لا يمكن أن يصح أيضاً.
3 ـ إن البعض يذكر: أن بيت أبي بكر كان بالسنح، ويشك كثيراً، بل على حد تعبير التوربشتي: لم يصح أن يكون له بيت قرب المسجد 3.
وأجيب: بأنه لا يلزم من ذلك أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، واستدل على ذلك بأنه قد كان لأبي بكر أزواج متعددة كأسماء بنت عميس، وغيرها، وبأن ابن شبة قد ذكر: أنه كان له في زقاق البقيع دار قبالة دار عثمان الصغرى، واتخذ منزلاً آخر عند المسجد في غربيه 4.
ولكن ذلك لا يثبت ما يريدون إثباته ؛ فإن تعدد أزواجه لا يلزم منه أن يكون له بيت في جانب المسجد، ولا سيما إذا كان له بيت في زقاق البقيع ـ بعيداً عن المسجد ـ في قبالة دار عثمان الصغرى. ثم لماذا لا يسكن أزواجه مع تعددهن في بيت واحد ذي حجر متعددة، كغيره من أهل المدينة ـ ومنهم النبي «صلى الله عليه وآله» ـ الذين كان لهم عدة زوجات.
ولعل هؤلاء قد اعتمدوا في ذكرهم بيتاً لأبي بكر عند المسجد على هذا الحديث بالذات. أو أنهم أرادوا بذكرهم بيتاً له كذلك أن يمدوا يد العون لهذا الحديث الذي توالت عليه العلل والأسقام، تماماً كما جعلوا ـ إلى يومنا هذا ـ خوخة في المسجد من أجل تصحيح ذلك. ولكنهم لم يجعلوا باباً لعلي «عليه السلام»، وهو الذي ثبت أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أبقى بابه مفتوحاً، وسد كل باب في المسجد سواه.
4 ـ لقد اعترف ابن عمر، وأبوه: أن علياً قد أوتي ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر 5.
فهذه الرواية صريحة في أنه «عليه السلام» قد اختص بذلك، كما اختص بالراية يوم خيبر، وبتزوجه فاطمة «عليها السلام»، وولادتها له.
ولو كان لأبي بكر فضل هنا وامتياز، لم يسمح عمر ولا ولده لنفسيهما باختصاصه «عليه السلام» بهذا الوسام. وامتيازه في قضية سد الأبواب كامتيازه في قضية الراية يوم خيبر، حيث إن أخذ أبي بكر وعمر لها ليس فقط لم يكن امتيازاً لهما، بل كان وبالاً عليهما، كما هو معلوم.
5 ـ وأخيراً، فقد قال المعتزلي عن البكرية التي أرادت مقابلة الأحاديث في فضل علي: إنها «وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: «لو كنت متخذاً خليلاً» فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو سد الأبواب، فإنه كان لعلي «عليه السلام» ؛ فقلبته البكرية إلى أبي بكر» 6.
وقد ذكر اللمعاني: أن قضية سد باب أبي بكر، وفتح باب علي «عليه السلام» كانت من أسباب حقد عائشة على أمير المؤمنين «عليه السلام»، فراجع 7 8.

  • 1. وفاء الوفاء ج2 ص477، وراجع: فرائد السمطين ج1 ص206 عن أبي نعيم، واللآلي المصنوعة ج1 ص349 و 351.
  • 2. فتح الباري ج7 ص13، والقول المسدد ص25، ووفاء الوفاء ج2 ص477، وهم عن الطحاوي في مشكل الآثار، والكلاباذي في معاني الأخبار.
  • 3. فتح الباري ج7 ص12، وإرشاد الساري ج6 ص84، ووفاء الوفاء ج2 ص473.
  • 4. المصادر الثلاثة المتقدمة.
  • 5. راجع: مسند أحمد ج2 ص26، ومستدرك الحاكم ج3 ص125، والصواعق المحرقة الفصل3 باب9، وكنز العمال، وغير ذلك من المصادر المتقدمة.
  • 6. شرح النهج ج11 ص49.
  • 7. شرح النهج للمعتزلي ج9 ص195.
  • 8. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء السادس.