الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

علي وحده لا يتمكن من نقل سنة الرسول..

نص الشبهة: 

ويقال أيضاً: أنتم تعتدُّون بما جاء عن طريق «أئمتكم من أهل البيت» كما تزعمون، ومعلوم أنه لم يدرك أحدهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو مميز سوى علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»، فهل سيتمكن من نقل كل سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) للأجيال من بعده؟! كيف ذلك: وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستخلفه في بعض الأحيان، أو يبعثه ـ باعترافكم ـ؟! فهو لم يكن مرافقاً للرسول (صلى الله عليه وسلم) طوال وقته. أيضاً: كيف سيستطيع علي «رضي الله عنه» نقل أحوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيتهش التي اختص بنقلها أزواجه؟! إذاً فعلي لوحده لن يستطيع نقل جميع سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليكم!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: لقد رويتم أنتم: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «خذوا نصف (شطر) دينكم عن هذه الحميراء» 1. فإذا كانت عائشة تستطيع أن تؤدي إلى الأمة نصف الدين، وهي لم تعش مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا القليل القليل حتى بعد أن أصبحت زوجته، بالنسبة لما عاشه علي «عليه السلام» معه، فهل تستكثرون على علي «عليه السلام» أن يأخذ عن النبي «صلى الله عليه وآله» جميع الدين، ويؤديه إلى الناس.
ثانياً: مع غض النظر عما تقدم نقول:
إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله»، وهو شخص واحد، وقد جاء بهذا الدين وأداه في مدة ثلاث وعشرين سنة، فلماذا لا يأخذه عنه شخص واحد، وهو علي بن أبي طالب «عليه السلام»، ويؤديه عنه في مدة ثلاثين سنة، ويعلمه لأولاده أعني الحسنين «عليهما السلام»، ثم يعلمه أولاده لأولادهم من بعدهم وهكذا؟!
ثالثاً: إذا كان علي «عليه السلام» عنده علم الكتاب، ويستنبط الكثير من العلوم والمعارف من القرآن نفسه، كما دلَّتنا عليه سيرته، وقد علمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ألف باب من العلم، يفتح من كل باب ألف باب من العلم وهو باب مدينة علم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمقتضى قوله «صلى الله عليه وآله»: أنا مدينة العلم وعلي بابها ـ إذا كان ـ لا يستطيع أن يأخذ هذا الدين، فكيف تأخذ نصفه عائشة، وتؤديه إلى الناس، ولم يعلمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» شيئاً من تلك الأبواب، ولا كان عندها علم الكتاب؟!
وهذا يشير إلى أن وسائل وطرق تعليم وأخذ الأئمة «عليهم السلام» المعارف تختلف عن وسائل وطرق تعليم وأخذ غيرهم..
تلك إذن قسمة ضيزى!!
رابعاً: قد تحدَّث تعالى عن يحيى، فقال: ﴿ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ 2.
وقال عن عيسى «عليه السلام»، وهو في المهد: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 3.
وقال تعالى: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ 4.
وقد علم الله سليمان منطق الطير، قال تعالى: ﴿ ... وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ... 5.
وغير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى قادر أن يعطي بعض عباده علوماً هائلة، تؤهلهم لمقام النبوة، ولغيره من المقامات حتى في صغر سنهم، بل منذ ولادتهم. كما هوالحال بالنسبة لمن ذكرناهم! أفيعجز عن أن يسهل على علي «عليه السلام» تعلم ألف باب من العلم من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يفتح له من كل باب ألف باب؟!
أو أنه سيعجز عن أن يمنحه علم الكتاب كما دلَّت عليه الروايات؟!
خامساً: إن حديث الثقلين الذي يبين أن التمسك بالكتاب وبأهل البيت «عليهم السلام» أمن من الضلال إلى يوم القيامة، بعد انضمامه إلى حديث: الخلفاء بعدي اثنا عشر، وحديث: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، يعطي: أن هذا الدين محفوظ عند أهل البيت «عليهم السلام»، وأن على الأمة أن ترجع إليهم فيه لتأمن من الضلال.
سادساً: إن عدم إدراك أكثر الأئمة «عليهم السلام» زمان رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يضرهم، فكما علم رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام»، فإن الإمام اللاحق يأخذ عن الإمام السابق، وقد صرحوا «عليهم السلام» بهذا الأمر كما ذكرناه في الجواب على السؤال رقم: 158 و22 وذكرنا عدداً من النصوص عن أن حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي..الخ.. وهكذا..
سابعاً: ليس كل ما يجري في بيت الرسول «صلى الله عليه وآله» مما تحتاج الأمة إلى معرفته، بل تحتاج الأمة إلى معرفة ما يتضمن أحكاماً شرعية، أو سلوكاً أخلاقياً، أو سياسة العباد، أو ما إلى ذلك.. وهذا مما يجب على النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه أن يبلغه للأمة، ولا يمكن أن يعتمد فيه على النقل الطوعي للزوجات.
ولعل بعض الأمور التي تحصل لا ترى الزوجة أن من مصلحتها أن تنقله.
بل لقد وجدنا بعض زوجاته تتستر على بعض الأمور التي ظهرت للعلن، وتحاول طمسها والتعتيم عليها، حين رأت أنها تضر بمصلحتها، كما هو الحال بالنسبة لعائشة حين كتمت اسم علي «عليه السلام» حين خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» متوكأً عليه وعلى الفضل بن عباس، لكي يعزل أباها عن صلاة الجماعة، لما تصدى لها أبو بكر في مرض وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» 6.
بل لقد وجدنا عائشة تحاول منع رسول الله «صلى الله عليه وآله» من ذكر خديجة «عليها السلام»، فقد روت: أنه «صلى الله عليه وآله» «ذكر خديجة فأطنب في الثناء عليها، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة، فقلت: لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين.
وفي نص آخر: (ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها).
قالت: فتغير وجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» تغيراً لم أره تغير عند شيء قط إلا عند نزول الوحي، أو عند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب.
وفي نص آخر قال: ما أبدلني الله خيراً منها، صدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس 7.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 8.

  • 1. راجع: السنة قبل التدوين ص 252 والنهاية في غريب الحديث ج 1 ص 438 وتحفة الأحوذي ج 10 ص 259 والإحكام للآمدي ج 1 ص 248 وكشف الخفاء ج 1 ص 374 والسيرة النبوية لابن كثير ج 2 ص 137 والبداية والنهاية ج 3 ص 159 ولسان العرب ج 4 ص 209 وفي التفسير الكبير للرازي ج 32 ص 32 وتفسير الآلوسي ج 3 ص 155: خذوا ثلثي دينكم.
  • 2. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 12، الصفحة: 306.
  • 3. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآيات: 29 - 31، الصفحة: 307.
  • 4. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 65، الصفحة: 301.
  • 5. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 16، الصفحة: 378.
  • 6. مسند أحمد ج 6 ص 34 و 228 وعمدة القاري ج 5 ص 192 وخلاصة عبقات الأنوار ج 3 ص 287 وفتح الباري ج 2 ص 131 والغدير ج 9 ص 324 و 325 وراجع: صحيح البخاري ج 1 ص 175 والمصنف للصنعاني ج 5 ص 430 والمسترشد للطبري ص 126.
    وراجع: سبل الهدى والرشاد ج 11 ص 175 وتاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 433 والإرشاد للمفيد ج 1 ص 311 ومناقب أهل البيت «عليه السلام» للشيرواني ص 472 وقاموس الرجال ج 12 ص 299 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 31 ص 45.
  • 7. صحيح مسلم ج 7 ص 134 لكنه لم يذكر جوابه «صلى الله عليه وآله»، وأسد الغابة ج 5 ص 557 و 558 و 438 والإصابة ج 4 ص 283 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج 4 ص 286 و 287 وصفة الصفوة ج 2 ص 8 ومسند أحمد ج 6 ص 117 و 118 و 150 و 154 وليراجع البخاري (ط سنة 1309 هـ) ج 2 ص 202 والبداية والنهاية ج 3 ص 128 وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص 96 و (ط العثمانية) ص 85 و (ط السعيدية بمصر) ص 90 وراجع: وقاموس الرجال ج 10 ص 332 وبحار الأنوار ج 16 ص 12 عن كشف الغمة.
  • 8. ميزان الحق.. ( شبهات.. وردود )، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م، الجزء الرابع، السؤال رقم (159).