الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تسمية ابي بكر بالصديق

نص الشبهة: 

يرى البعض: أن الله تعالى قد سمى أبا بكر بالصديق في قضية الغار، كما في شواهد النبوة، حيث قد روي: أنه حين أذن الله تعالى لنبيه بالهجرة، قال لجبرائيل: من يهاجر معي؟ قال جبرائيل: أبوبكر الصديق (تاريخ الخميس ج1 ص323 عن شواهد النبوة ، والسيرة الحلبية ج2 ص29).

الجواب: 

ولكننا نشك في صحة ذلك:

أولاً

لتناقض الروايات في تسمية أبي بكر بالصديق ، وسبب ذلك وزمانه ؛

فمن قائل: إن ذلك كان في قضية الغار كما هنا .

ومن قائل : إنه كان حينما رجع النبي «صلى الله عليه وآله» من رحلة الإسراء ، وتصديق أبي بكر له في ذلك ، وحين وصف النبي «صلى الله عليه وآله» لقومه بيت المقدس 1 .

وقول ثالث: إن ذلك كان حين بعثة النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث صدقه أبو بكر ، فسمي الصديق 2 .

وقول رابع: إن ذلك كان حين رحلة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى السماء ، حيث روي عنه «صلى الله عليه وآله» قوله: لما عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوباً محمد رسول الله أبو بكر الصديق 3 فأي ذلك هو الصحيح؟!

ثانياً

لدينا العديد من الروايات الصحيحة والحسنة سنداً ، والمروية في عشرات المصادر ، تنص على أن «الصديق» هو أمير المؤمنين «عليه السلام» ، دون أبي بكر ، ونذكر منها :

1 ـ عن علي «عليه السلام»، بسند صحيح على شرط الشيخين، أنه قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري، لقد صليت قبل الناس بسبع سنين 4.

وقال غير مرة: «أنا الصديق الأكبر، والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل صلاته» 5 .
والظاهر أن المراد: أنه «عليه السلام» كان يتعبد مع النبي «صلى الله عليه وآله» على دين الحنيفية ـ حتى قبل بعثته ـ من حين تمييزه ، إلى أن علم الدين، ونزل قوله تعالى : ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ... 6 ، بل وقبل ذلك أيضاً . وبذلك يبطل قول ابن كثير : «كيف يتمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين ؟ هذا لا يتصور أصلاً » 7.

2 ـ وأخرج القرشي في شمس الأخبار رواية طويلة عن النبي «صلى الله عليه وآله» أن الله قد سمى علياً ب‍ «الصديق الأكبر» في ليلة الإسراء 8.

3 ـ عن ابن عباس، عن النبي «صلى الله عليه وآله»: الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين، وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم.

وقريب منه ما روي عن أبي ليلى الغفاري ، بسند حسن ، كما نص عليه السيوطي 9 .
وكذا عن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى 10 .
فحصر النبي «صلى الله عليه وآله» للصديقين بالثـلاثة ، ينافي تسمية أبي بكر ب‍ «الصديق» على النحو المتقدم، وإلا كانوا أربعة ، ولم يصح الحصر.

4 ـ عن معاذة قالت : سمعت علياً ، وهو يخطب على منبر البصرة ، يقول : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر 11.

وظاهره : أنه في صدد نفي صديقية أبي بكر، التي شاعت بين الناس.

5 ـ عن أبي ذر ، وابن عباس ، قالا : سمعنا النبي «صلى الله عليه وآله» يقول لعلي : أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل 12 ، وقريب منه عن أبي ليلى الغفاري.

6 ـ عن أبي ذر، وسلمان: إن الرسول «صلى الله عليه وآله» أخذ بيد علي، فقال : إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل الخ 13.

7 ـ وفي خطبة طويلة لأم الخير بنت الحريش، أوردتها في صفين، وصفت فيها أمير المؤمنين «عليه السلام» بـ «الصديق الأكبر» 14.

8 ـ وقال محب الدين الطبري: «إن رسول الله سماه صديقاً» 15.

9 ـ وقال الخجندي: «وكان يلقب بيعسوب الأمة، وبالصديق الأكبر» 2.

10 ـ وجاء في رواية أخرى: «فيجيبهم ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا حامل عرش، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب الخ . .» 16.

11 ـ إن آية : ﴿ ... أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ... 17 نزلت في علي «عليه السلام» وكذا آية : ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ... 18 ، وآية : ﴿ ... فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ... 19 20.

12 ـ وفي رواية عن أنس : «وأما علي فهو الصديق الأكبر الخ . .» 21 . وثمة روايات أخرى ؛ فلتراجع في مصادرها 22.

وبعدما تقدم نعرف

أن لقب «الصديق» خاص بالإمام علي «عليه السلام» ، ولا يمكن إثباته لغيره.
هذا وقد ذكر العلامة الأميني روايات تدل على أن الصديق هو أبو بكر ، ثم فندها بما لا يدع مجالاً للشك في كذبها وافتعالها ؛ حيث حكم كبار النقاد والحفاظ عليها بالوضع والكذب من أمثال: الذهبي، والخطيب، وابن حبان، والسيوطي، والفيروزآبادي، والعجلوني، ومن أراد أن يقف على ذلك ، فعليه بالرجوع إلى كتاب الغدير؛ فإن فيه ما ينقع الغلة، ويزيح الشبهة.

متى كان وضع هذه الالقاب

والظاهر أن سرقة هذا اللقب، وغيره من الألقاب، قد حصلت في وقت متقدم، حتى اضطر الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الإعلان على منبر البصرة 23 : أنه «عليه السلام» هو الصديق الأكبر ، وليس أبا بكر ، وأن كل من يدعي هذا اللقب لنفسه فهو كذاب مفتر ، وقد كرر «عليه السلام» ذلك كثيراً.
ولكن السياسة التي حكمت الأمة ، وهيمنت على فكرها واتجاهاتها استطاعت أن تحتفظ بهذه الألقاب لمن تريد الاحتفاظ لهم بها ، ولم يكن ثمة أية قوة تستطيع أن ترد أو أن تمنع ، أو حتى أن تعترض ولو بشكل سلمي بحت ، لا سيما وأن وضع مثل هذه الأمور قد تم وحصل على أيدي علماء من وعاظ السلاطين 24 .

  • 1. راجع : السيرة الحلبية ج2 ص29 وج1 ص273 ، وغير ذلك . وقد أشرنا إلى ذلك حين الكلام على الإسراء والمعراج ، وذكرنا بعض مصادره هناك ، فراجع .
  • 2. a. b. نفس المصدر السابق .
  • 3. كشف الأستار ج3 ص163 ومسند أحمد ج4 ص343 ومجمع الزوائد ج9 ص41 وتهذيب التهذيب ج5 ص38 والغدير ج5 ص326 و 303 عن تاريخ الخطيب.
  • 4. مستدرك الحاكم ج3 ص112 وتلخيصه للذهبي هامش نفسه الصفحة ، والأوائل ج1 ص195 ، وفرائد السمطين ج1 ص248 ، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228 ، وراجع ج1 ص30 والبداية والنهاية ج3 ص26 ، والخصائص للنسائي ص46 بسند رجاله ثقات ، وسنن ابن ماجة ج1 ص44 ، بسند صحيح ، وتاريخ الطبري ج2 ص56 ، والكامل لابن الأثير ج2 ص57 ، وذخائر العقبي ص60 عن الخلفي والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم 235) ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم 497) ج1 وتذكرة الخواص ص108 عن أحمد في المسند وفي الفضائل وفي هوامش ترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ، ج1 ص44 و 45 عن : مصنف ابن أبي شيبة ، ج6 الورق 155/أ وكنز العمال (ط 2) ج15 ص107 عن ابن أبي شيبة ، والنسائي ، وابن أبي عاصم في السنة ، والعقيلي والحاكم وأبي نعيم وعن العقيلي في ضعفائه ج6 الورق 139 ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ج1 الورق 22/أ ، وتهذيب الكمال للمزي ج14 الورق 193/ب وعن تفسير الطبري ، وعن أحمد في الفضائل الحديث 117 ورواه في ذيل إحقاق الحق ج4 ص369 عن ميزان الإعتدال ج1 ص417 وج2 ص11 و 212 ، والغدير ج2 ص314 عن كثير ممن تقدم وعن الرياض النضرة ص155 و 158 و 127 وراجع : اللآلي المصنوعة ج1 ص321 .
  • 5. شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص22 وعن المعارف لابن قتيبة ص167 وكلام الإسكافي في العثمانية ص300 .
  • 6. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 94 ، الصفحة : 267 .
  • 7. البداية والنهاية ج3 ص26 .
  • 8. الغدير ج2 ص313 و 314 .
  • 9. الجامع الصغير ج2 ص50 ، عن أبي نعيم في معرفة الصحابة ، وابن النجار ، وابن عساكر ، والصواعق المحرقة ط المحمدية ص123 ، وتاريخ بغداد ج14 ص155 ، وشواهد التنزيل ج2 ص224 ، وذخائر العقبى ص56 ، وفيض القدير ج4 ص137 ، وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام علي «عليه السلام») بتحقيق المحمودي ج2 ص282 وج 1 ص80 وكفاية الطالب ص123 و 187 و 124 ، والدر المنثور ج5 ص262 عن تاريخ البخاري ، وعن أبي داود ، وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر ، والرازي في تفسير سورة المؤمن ، ومناقب الخوارزمي ص219 ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص246 و 247 ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم مخطوط في مكتبة طوپ قپو سراي رقم 497 ونقله في هامش كفاية الطالب عن كنز العمال أيضاً ج6 ص152 عن الطبراني وابن مردويه والرياض النضرة ج2 ص152 وبعض من تقدم ، ونقله المحمودي في هامش ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ج1 ص79 و 80 عن بعض من تقدم وعن : السيف اليماني المسلول ص49 والفتح الكبير ص202 وغاية المرام ص417 و 647 ومناقب علي من كتاب الفضائل لأحمد الحديث 194 و 239 والسلفي في مشيخة البغدادية ، الورق 9/ب و 10/ب ، والغدير ج2 ص312 ، عن بعض من تقدم ، وهوامش شواهد التنزيل عن الروض النضير ج5 ص368 .
  • 10. مناقب الخوارزمي الحنفي ص219 .
  • 11. ذخائر العقبى ص56 عن ابن قتيبة ، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228 ، وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج2 ص146 ، والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم 235) ، والبداية والنهاية ج7 ص334 ، والمعارف لابن قتيبة ص73 و 74 ، والغدير ج2 ص314 عن بعض من تقدم وعن ابن أيوب والعقيلي ، عن كنز العمال ج6 ص405 طبعة أولى ، وليراجع الغدير ج3 ص122 عن الإستيعاب ج2 ص460 وعن مطالب السؤل ص19 وقال : كان يقولها في كثير الأوقات والطبري ج2 ص312 وعن الرياض النضرة ج2 ص155 و 157 وعن العقد الفريد ج2 ص275 ، وراجع في حديث ابن عباس وأبي ليلى الغفاري الإصابة ج4 ص171 وهامشها في الإستيعاب ج4 ص170 وميزان الإعتدال ج2 ص3 و 417 .
  • 12. شرح النهج للمعتزلي ج13 ص228 ، وفرائد السمطين ج1 ص140 وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج1 ص76 و 77 و 78 بعدة أسانيد وفي هامشه عن الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ المطبوع معها في مصر ص290 واللآلي المصنوعة ج1 ص324 و 325 وملحقات إحقاق الحق ج4 ص29 ـ 31 و 34 والغدير ج2 ص313 عن الرياض النضرة ج2 ص155 عن الحاكمي ، وعن شمس الأخبار للقرشي ص30 ، وعن المواقف ج3 ص276 ، وعن نزهة المجالس ج2 ص205 وعن الحمويني .
  • 13. مجمع الزوائد ج9 ص102 عن الطبراني والبزار ، والغديرج 2 ص313 وج 10 ص49 عنه وعن : كفاية الطالب ص187 من طريق ابن عساكر وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228 وعن إكمال كنز العمال ج6 ص156 عن البيهقي وابن عدي عن حذيفة ، وعن أبي ذر وسلمان وعن الإستيعاب ج2 ص657 وعن الإصابة ج4 ص171 .
  • 14. العقد الفريد ط دار الكتاب ج2 ص117 ، وبلاغات النساء ص38 ، والغدير ج2 ص313 عنهما وعن صبح الأعشى ج1 ص250 ونهاية الأرب ج7 ص241 .
  • 15. الغدير ج2 ص312 عن الرياض النضرة ج2 ص155 وغيرها .
  • 16. كنز العمال ط 2 ج15 ص134 .
  • 17. القران الكريم : سورة الحديد ( 57 ) ، الآية : 19 ، الصفحة : 540 .
  • 18. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 462 .
  • 19. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 69 ، الصفحة : 89 .
  • 20. راجع على سبيل المثال : شواهد التنزيل ج1 ص153 و 154 و 155 وج 2 ص120 وفي هوامشه مصادر كثيرة ، وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ج2 ص418 ، وهوامشه ، ومناقب ابن المغازلي ص269 ، وغاية المرام ص414 ، وكفاية الطالب ص333 ، ومنهاج الكرامة للحلي ، ودلائل الصدق للشيخ المظفر ج2 ص117 والدر المنثورج 5 ص328 ، وعشرات المصادر الأخرى .
  • 21. مناقب الخوارزمي الحنفي ص32 .
  • 22. راجع على سبيل المثال : اللآلي المصنوعة ج1 ص322 .
  • 23. راجع : الغدير ج5 ص327 و 328 و 321 و 334 و35 وج 7 ص244 و245 .
  • 24. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، سنة 2005 م . ـ 1426 هـ . ق ، الجزء الرابع .