الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كيف يتم التوفيق بين ما ورد من استحباب الاغتسال و التطيب لزيارة الحسين عليه السلام و بين ما ورد زيارته اشعثا اغبرا؟

نص الشبهة: 

كيف يتم التوفيق بين ما ورد من استحباب الاغتسال والتطيب لزيارة الحسين عليه السلام كما فعل جابر بن عبد الله حيث اغتسل ، ونثر على نفسه صرة صعد ، وبين ما ورد أنه يزور الزائر أشعث أغبر ؟

 

الجواب: 

في البداية ينبغي أن يقال أن عمل جابر ليس فيه دلالة على الاستحباب ، إذا لم نعلم استناده فيه إلى قول المعصوم . ولكن أصل القضية فيها صنفان من الروايات الواردة عن أهل البيت فمنها ما يدل بظاهره على أن الاستحباب هو أن يكون الزائر حين الزيارة أشعث أغبر معللا في بعضها بأن الحسين قد قتل على تلك الحال : مثل :
ما روه في كامل الزيارات 1 عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : إذا أردت زيارة الحسين ( عليه السلام ) فزره وأنت كئيب حزين مكروب ، شعث مغبر ، جائع عطشان ، فان الحسين قتل حزينا مكروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا ، وسله الحوائج ، وانصرف عنه ولا تتخذه وطنا ..
وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن موسى بن عمر ، عن صالح بن السندي الجمال ، عمن ذكره ، عن كرام بن عمرو 2 ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) لكرام : إذا أردت انت قبر الحسين ( عليه السلام ) فزره وأنت كئيب حزين شعث مغبر ، فان الحسين ( عليه السلام ) قتل وهو كئيب حزين ، شعث مغبر جائع عطشان .
وفي بعض الروايات الأخرى أنه يأتي إلى الزيارة حافيا : مثلما رواه أيضا في كامل الزيارات 3 عن الصادق عليه السلام : من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ، و محى عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة ، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلق نعليك ، وامش حافيا ، وامش مشي العبد الذليل ، فإذا أتيت باب الحائر فكبر أربعا ، ثم امش قليلا ، ثم كبر أربعا ، ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعا ، وصل عنده وسل الله حاجتك .
وفي المقابل ما يظهر من روايات أخر أنه يأتي مغتسلا لابسا نظيف الثياب :
فمنها ما رواه في الكافي 4 :
عن الحسين بن ثوير قال : كنت أنا ويونس بن ظبيان عند أبي عبد الله عليه السلام وكان أكبرنا سنا ـ إلى أن قال : ـ فقال : إذا أردت زيارة الحسين كيف أصنع وكيف أقول ؟ قال : إذا أتيت أبا عبد الله عليه السلام فاغتسل على شاطئ الفرات والبس ثيابك الطاهرة ، ثم امش حافيا فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتمجيد ...
وما رواه أيضا في الكامل 5 عن الصادق عليه السلام عندما سئل عما يلزم للذاهب إلى زيارة الحسين عليه السلام ( .. يلزمك حسن الصحبة لمن صحبك ، ويلزمك قلة الكلام إلا بخير ، ويلزمك كثرة ذكر الله ، ويلزمك نظافة الثياب ، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر.. ) .
وهنا ينبغي التأمل في هاتين الطائفتين :
* فالمفردات الواردة فيها : الاحتفاء ( المشي حافيا ) والاغتسال ، والتشعث ، والتغبر ، ونظافة الثياب ، والكون على سكينة ووقار .
ولا يوجد تعارض بين الاغتسال وكل من الاحتفاء ونظافة الثياب ، والكون على سكينة ووقار ، وإنما قد يبدو التعارض بين الاغتسال ( ومعه نظافة الثياب ) وبين التشعث والتغبر .
وهنا قد يمكن القول بأن معنى المراد في هذه الروايات من : الأشعث والأغبر ، أنه ما كان في مقابل التدهين والاكتحال والتزين ، وحينئذ لا ينافي الاغتسال ، وشاهد ذلك ما ورد في المحرم ، فإنه يستحب أن يكون أشعث أغبر ، ومع ذلك يستحب له الاغتسال غسل الإحرام ، فهو يغتسل للاستحباب ، ولكنه لا يكتحل ، ولا يتزين ولا يتطيب ، وربما يؤيد هذا رواية 6 عن أبي عبد الله عليه السلام ( .. فإذا أردت المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدهن ولا تكتحل حتى تأتي القبر .. ) .
ويظهر ـ والله العالم ـ أن الأئمة عليهم السلام لم يكونوا يريدون أن تتحول الزيارة إلى نوع من النزهة والتفرج ، واللهو مما ينافي الغرض من الزيارة التي تهدف إلى تذكر مواقف الحسين عليه السلام وما جرى عليه من مآس ومعاناة ، ومعرفة حقه وتجديد العهد معه للسير على نهجه وطريقه ، فإذا فُرّغت الزيارة من محتواها ومضمونها ذاك ، أصبحت أقرب إلى التلهي منها إلى تحقيق أهداف الزيارة.. ففي رواية عن الصادق عليه السلام : إن قوما إذا زاروا الحسين بن علي حملوا معهم السُّفر فيها الحلاوة والأخبصة 7 وأشباهه لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا ذلك 8 .
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام : تزورون خير من أن لا تزورون ، ولا تزورون خير من أن تزورون ، قلت : قطعت ظهري ، قال : تالله إن أحدكم يخرج إلى قبر أبيه كئيبا حزينا وتأتونه انتم بالسُّفر ؟! كلا .. حتى تأتونه شعثا غبرا 9 .
ولعل هذا المعنى هو الذي يستفاد من العنوان الذي عنون به صاحب الوسائل الباب المذكور فرأى أنه ينبغي أن يكون الزائر ملازما للحزن : ـ باب انه يستحب لمن أراد زيارة الحسين عليه السلام أن يصوم ثلاثا آخرها الجمعة ، ثم يغتسل ليلتها ويخرج على غسل تاركا للدهن والطيب والزاد الطيب ملازما للحزن والشعث والجوع والعطش ولا يتخذه وطنا .
ويحتمل الحمل على التخيير ، بين الحالتين . كما أن بعض الفقهاء أيدهم الله قد احتملوا الحمل على اختلاف الزيارات ، فالمطلوب في زيارة عاشوراء هو ما ذكر من التشعث ، والتغبر .. الخ وربما يكونوا قد استفادوا في ذلك من التعليل الموجود في ذيل بعض هذه الروايات ، فإن الحسين قد قتل وهو َشِعث مغبر .. بينما في سائر الزيارات ، الاستحباب هو للاغتسال ولبس نظيف الثياب . ولم أجد ـ في مقدار ما نظرت ـ اختصاص زيارة عاشوراء بعنوانها بالتشعث والتغبر حتى يجمع بين الطائفتين بحمل هذه الروايات على خصوص زيارة عاشوراء . والله العالم 10 .

لمزيد من المعلومات يمكنكم مراجعة الروابط التالية:

  • 1. جعفر بن محمد بن قولويه حدثني ابي واخي وعلي بن الحسين وغيرهم رحمهم الله ، عن سعد بن عبد الله بن ابي خلف ، عن احمد بن محمد بن عيسى الاشعري ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله .. ( رجال السند حتى علي بن الحكم إماميون ثقات ) لكنها مرسلة ( أو مجهولة ) .
  • 2. والسند المذكور فيه موسى بن عمر وهو مردد بين ( ابن بزيع الثقة ) وبين ( ابن يزيد الصيقل ولم يوثق لكنه ممن لم يستثن من رجال نوادر الحكمة ) ، وفيه صالح بن السندي الجمال ولم يوثق لكنه أيضا من رجال كتاب نوادر الحكمة . وفيه كرام بن عمرو وهو واقفي لا توثيق له ، لكن روى عنه المشايخ الثقات الذين قيل إنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة . والحديث مرسل . لكن هذه الرواية وما بعدها مشمولة لقاعدة التسامح في أدلة السنن . .الروايات من وسائل الشيعة ج 14 باب 71 جملة ما يستحب للزائر.
  • 3. جعفر بن محمد بن قولويه عن علي بن الحسين بن بابويه وجماعة عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن على بن عبد الله بن المغيرة ، عن العباس بن عامر ، عن جابر المكفوف ، عن أبي الصامت قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول... ـ السند إلى العباس بن عامر لا غبار عليه ، لكن جابر المكفوف ( الكوفي ) لم يوثق ، ومثله أبو الصامت الحلواني . وعلى أي حال هذه الرواية وما بعدها مشمولة لقاعدة التسامح .
  • 4. محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد : والقاسم بن يحيى لم يوثق توثيقا خاصا لكنه ممن لم يستثن من رجال نوادر الحكمة ، فيكون على المبنى مقبول الرواية ، وكذا هو من رجال مزار بن المشهدي ، والكلام فيه كسابقه ، لو أمكن رد إشكال بعض الأعلام من كونه أي بن المشهدي من المتأخرين ، فيكون توثيقه غير معتبر لكونه اجتهاديا ، هذا ولكن قد نقل في جامع الرواة عن خلاصة العلامة أنه يضعفه . والكلام فيه كالكلام في سابقه من حيث أن تضعيف العلامة ـ عند البعض ـ كتوثيقه يعتبر اجتهاديا . والحسن بن راشد مشترك بين اثنين : ثقة من أصحاب الجواد ، وضعيف من أصحاب الصادق ـ كما عن ابن الغضائري ـ لكن قد شكك الرجاليون في نسبة كل ما هو موجود في الكتاب للشيخ بن الغضائري . والحسين بن ثوير ثقة .
  • 5. جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن علي بن محمد بن سالم ، عن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن حماد ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم ، عن مدلج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ... ـ وفي السند مدلج ولم يوثق ، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم وهو ضعيف وعلي بن محمد بن سالم وهو أيضا مجهول إلا أن يكون سالم محرف سليمان كما احتمل السيد الخوئي . فالرواية ضعيفة .
  • 6. محمد بن الحسن بإسناده عن أبي طالب الانباري عبد ( عبيد ) الله بن أحمد ، عن الاحنف بن علي ، عن ابن مسعدة ، عن إسماعيل بن مهران ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير .. وفي السند الأحنف بن علي ولم يوثق ، وابن مسعدة وهو كذلك ، وعبد الله بن عبد الرحمن ويظهر أنه الأصم سابق الذكر ، وله كتاب المزار ، وفيه تخليط وغلو كما ذكروا إضافة إلى ضعف الرجل .
  • 7. السُّفر جمع سفرة ، والأخبصة جمع خبيص أو خبيصة نوع من الحلواء .
  • 8. جعفر بن محمد بن قولويه عن الحكيم بن داود ، عن سلمة بن الخطاب ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا قال .. ـ السند فيه الحكيم بن داود وهو لم يوثق توثيقا خاصا لكنه من مشايخ صاحب كامل الزيارات ، وسلمة ضعيف في الحديث ، والرواية مرسلة .
  • 9. عن محمد بن الحسن ، عن الحسن بن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن زرعة بن محمد ، عن المفضل بن عمر قال..
  • 10. من قضايا النهضة الحسينية ، ( أسئلة و حوارات ) : الجزء الثاني .

تعليق واحد

صورة (احسان زين)

واحتمال ان يكون التشعث والتغبر حال المشي والسفر في الطريق حتى اى

احتمال ان يكون استحباب التشعث والتغبر مخصوصا بحال مشي الزائر في سفره ، حتى اذا وصل الى الحرم المطهر يغتسل ليفد على الامام نظيفا . وهذ وجه من وجوه الجمع العرفي بين الروايتين
والله العالم